عبد المجيد: صمود سورية أفشل مشروع تصفية القضية وأعطى الأمل بإنهاء الاحتلال
حاوره سعدالله الخليل
بعد 68 عاماً من رفض الفلسطينيين والعرب لقرار التقسيم، وبالرغم من العجز عن إقامة الدولة الفلسطينية، لا يزال الفلسطينيون يرفضون قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، ليقينهم بأنّ مشروع القرار ليس إلا وثيقة لشرعنة احتلال الأرض، رغم ما يحمله من كلام معسول عن الدولة الفلسطينية، وقد أثبتت الأيام أنّ هواجس العرب كانت في محلها، فقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم تُطبق يوماً سوى على الضحية، أما المعتدي فهو في حِلّ من عشرات القرارات.
الظروف التاريخية ومفاعيل قرار تقسيم فلسطين، كانا محور الحوار المشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز» مع الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني وأمين سر تحالف قوى المقاومة الفلسطينية خالد عبد المجيد.
قرار بريطاني أميركي
وأكد عبد المجيد أنّ قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة أتى في ضوء ما جرى من عدوان وتجميع للعصابات الصهيونية في فلسطين والانتداب البريطاني وتآمر الدول الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا، على أرض فلسطين بعد «وعد بلفور»، حيث لعبت الحكومة البريطانية وجيشها الدور الرئيسي في تسليم الكيان الصهيوني معظم الأراضي الفلسطينية. ولفت عبد المجيد إلى سعي الحكومات الغربية إلى تمرير قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، في ظلّ العجز العربي وتواطؤ عدد من الدول العربية، وهو ما رفضه الشعب الفلسطيني.
وعن الدور الأميركي في القرار، قال عبد المجيد: «كانت أميركا تحارب النازية وسعت إلى حماية الدول الأوروبية بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين».
وعن دواعي الرفض الفلسطيني لقرار التقسيم، أجاب عبد المجيد: «فلسطين أرض الوطن عربية وملك للفلسطينيين فقط»، مذكراً برفض بعض الدول العربية قرار زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، رغم تخاذل البعض الآخر، إلا أنها لم تكن تستطيع أن تفصح عن حقيقة مواقفها فأعلنت الرفض اللفظي للقرار فقط.
وأكد أنّ قرار التقسيم اتخذ لتشريع دولة الكيان الصهيوني وليس لإقامة دولة عربية، كما نصّ القرار، فالهدف الرئيسي هو تكريس الكيان الصهيوني.
رفض التقسيم والبدائل
أما عن البدائل العربية والفلسطينية لرفض القرار الذي أعطى نظرياً أضعاف ما تسعى إليه السلطة بعد 66 عاماً، فأكد عبد المجيد «أنّ دولة فلسطين جزء من الأمة العربية، وإن لم تكن هناك معطيات تُفسح المجال للحفاظ على الحقوق الوطنية يجب أن لا تقرّ وتشرِّع للعدو. ومن هذا المنطلق فإنّ عدم إمكانية طرد العصابات الصهيونية آنذاك لا يستدعي أن نقرّ بهذه العصابات وما قامت به الحكومة البريطانية». وأضاف: «كان يعتقد البعض بوجوب قبول التقسيم كحلّ أفضل من تشريد 800 ألف فلسطيني، فخلافنا على الاعتراف بالكيان الصهيوني وليس على القرار».
وعن دور مجلس الأمن في حماية الدولة الفلسطينية التي نصّ عليها القرار، أشار عبد المجيد إلى أنّ «المجلس لم يكن يملك قراراً بل تتحكم به قرارات غربية، فالمشروع الصهيوني هدفه الأول إقامة وطن يهودي قومي بحسب وعد بلفور، وهدف آخر بالإضافة إلى مساعي أميركا والدول الغربية إلى بناء كيان لديه وظيفة ومهمّة في مواجهة المدّ الشيوعي وتعزيز قاعدة متقدمة للإمبريالية لمواجهة الخطر الذي اعتقدوا أنه قادم من الاتحاد السوفياتي».
العدو ليس بحاجة إلى ذرائع
وعن مفاعيل الرفض العربي لقرار التقسيم في إيجاد ذريعة صهيونية للمضي في مشروع التوسع، قال عبد المجيد: «قرار التقسيم لم يكن ذريعة وإسرائيل وحلفاؤها كانوا يخططوا للهيمنة على المنطقة وبسط نفوذ الغرب على النفط العربي والمنطقة، وبالتالي لم تكن إسرائيل بحاجة في عدوان 67 أو الحروب التي تلت إلى ذرائع فهي كيان عنصري استيطاني عدواني، يخطط في كلّ مرحلة من المراحل لمواصلة العدوان وتحقيق الحلم الصهيوني بدولة من الفرات إلى النيل وما زالوا يحلمون بذلك، وما يجري اليوم يثبت ذلك وإنّ السيطرة ليست بالاحتلال المباشر بل بالنفوذ».
وأكد «أنّ قرار التقسيم بالنسبة إلى إسرائيل خطوة لتشرعن الدولة التي لا حدود لها فهي، لا تزال في طور أطماع توسعية عنصرية خارج فلسطين وضدّ الأمة العربية، ولا تزال تحلم ببقعة جغرافية واسعة ولديها أطماع في الضفة الغربية وترفض التعاطي مع قرارات عملية السلام وأطماعها في الأردن واضحة وتدركها القيادة الأردنية».
مشروع الدولة
ورأى عبد المجيد أنّ «مشروع الدولة الفلسطينية كما طُرح وحدِّد، استناداً إلى القرار 181 الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 في الجزائر بإعلان استقلال الدولة وعاصمتها القدس على قطاع غزة والضفة». وأضاف: «رغم غياب مقومات إقامة الدولة الفلسطينية فإننا نعتبر أنفسنا حركة تحرّر وطني لا تزال في مواجهة الاحتلال لدحره. لا مجال بعد هذه التجربة وبعد اتفاقيات «أوسلو» و«كامب دايفيد» لإقامة وما يجري من مفاوضات بين فلسطين و«إسرائيل» إنما هو لتغطية خطوات الاحتلال الصهيونية في الاستيطان لتستغله «إسرائيل» للمزيد من المضي في الاستيطان والتهويد وخير دليل قول نتنياهو: لن نسلم الفلسطينيين متراً واحداً من المنطقة «ج» التي هي ضمن الدولة الفلسطينية، بحسب أوسلو».
الخيار واضح
ورأى عبد المجيد «أنّ خيار الشعب الفلسطيني واضح بمقاومة احتلال عبر انتفاضات منذ عام 1929 تلتها ثورة 1936 التي قادها عز الدين القسام القادم من الساحل السوري ليدافع عن أرض فلسطين العربية وبعدها في عام 1948 جرت مقاومة للاحتلال لكن للأسف لم يستطع جيش الإنقاذ أن يقوم بأي دور لمواجهة الكيان الصهيوني، لكنّ الشعب الفلسطيني لديه كيان اسمه «منظمة التحرير الفلسطينية» تبلورت رؤيتها خلال خمسين سنة لمقاومة الاحتلال وقدمت شلال دم في مسيرة هذه الثورات وما زال الشعب مصمماً على الانتفاضة حتى زوال الاحتلال من دون أي وهم بأنّ عملية التحرير ستتم بين عشية وضحاها».
قيادات شابة
وأكد عبد المجيد أنّ «الشعب الفلسطيني ما زال يناضل منذ 50 عاماً عبر ثورة معاصرة والجيل الشاب قدم نموذجاً فريداً في مواجهة العدو بالسكاكين والدهس والحجارة، وسيجدِّد القيادة الوطنية التي ستحافظ على الحقوق وتكنس القيادات التي وقعت اتفاقيات الذل وسيبقى في مواجهة مفتوحة مع هذا الاحتلال». ولفت إلى ما يعيشه العدو الصهيوني من قلق وهلع جراء اندلاع الانتفاضة الثالثة، وقال: «نحن نراقب ما يجري على الأرض من قلق صهيوني جراء مواجهة جيش ليس كلاسيكياً بل نقارع عدونا ونشتبك معه بأي شيء وهذا ما يقلقه».
وعن دور المنظمة في حماية المشروع الفلسطيني، قال عبد المجيد: «الكيان الصهيوني والدول العربية المتخاذلة الذين جروا المنظمة إلى أوسلو والقيادة المتنفذة المتربصة على رأس منظمة التحرير لا تريد إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية استناداً إلى ميثاق وطني وبرنامج الدفاع والكفاح الفلسطيني، فمحمود عباس صاحب مشروع التسوية وبعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات واكتشافه الحقيقة والخديعة وحاول في الانتفاضة الثانية أن يقف أمام ما يقوم به الاحتلال جاء محمود عباس وهو ضدّ المقاومة والانتفاضة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية في ضوء الالتزامات بغضّ النظر عن الإحباط الذي يعيشه الآن لكنه لا يترك الشعب الفلسطيني لتحديد قراراته ويقوم بإجراءات تمنع الشعب الفلسطيني من تحمّل مسؤوليته وهذا هو جوهر خلافنا معه».
الانتفاضة الثالثة
اعتبر عبد المجيد «أنّ الظروف التي فجرت الانتفاضة الحالية تتمثل بالعدوان المستمر من جيش الاحتلال وإجراءاته من اقتحام المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم بهدف فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى كمقدمة لتكريس سلطة الكيان الصهيوني عليه ، يضاف إليها حالة الإحباط مما يسمى عملية السلام ما دفع الشباب إلى مسك زمام المبادرة وتقديم خيار جديد آخر غير خيار محمود عباس». وأضاف: «ساهم ما يُسمى الربيع العربي في رفع مستوى اليقين لدى الشباب بعدم المراهنة على أي دور عربي مستقبلي في إمكانية دعم الحقوق الفلسطينية في ظلّ تآمر بعض هذه الدول ضدّ فلسطين وتنسق مع كيان العدو، وجاء صمود سورية وفشل الأميركيين في مشروع تصفية القضية الفلسطينية، ليعطي أملاً جديداً وانعكس ذلك إيجاباً ووضع الشباب أمام مسؤولياتهم لتعزيز الانتفاضة رغم كلّ إجراءات الاحتلال».
واقع مرير
لفت عبد المجيد إلى ما يعانيه الفلسطينيون في مخيمات الشتات بشكل عام والمخيمات السورية بشكل خاص من أوضاع كارثية في اليرموك وحندرات ودوما والدور التي لعبه الإرهابيون في تهجيرهم. وقال: «لا خيار سوى الصمود، فالمراحل التي مرّ بها الشعب الفلسطيني ترتبط بواقع الأمة ومراحل نهوض الأمة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر والحفاظ على كرامتها أخذت القضية عمقاً على الساحتين الدولية والإقليمية، أما الآن فالجماعات التكفيرية تهجرهم في كلّ مكان، ولكنهم لن يستطيعوا أن ينالوا من الأجيال أو يمحوا الذاكرة الوطنية وتمسك الفلسطينيين بأرضهم».
اليرموك والحسم السوري
وأكد عبد المجيد أنّ عقبة مخيم اليرموك وفشل التوصل إلى اتفاق رغم المبادرات العديدة والجهود المبذولة، «تكمن في أنّ القوة الأساسية المتواجدة فيه تنتمي إلى تنظيم داعش، وخلال السنوات الثلاثة من عمر معاناة المخيم جرت اتفاقيات مع المسلحين ودخلت قرارات خارجية تأمر تلك المجموعات بالتعطيل». وأضاف: «ليس لدينا وهم بأنّ هناك مبعوثاً دولياً يتحرك لانسحاب المسلحين ولا توجد أية معطيات حول الحلّ السلمي، وسنبقى نواجه هذا الإرهاب وننسق مع الجيش السوري في كلّ الخطوات سياسياً وعسكرياً. لقد فقدنا الأمل من هذه المجموعات الإرهابية لأن لا مصداقية لها وفصائل من منظمة التحرير الفلسطينية فاوضت كثيراً دون جدوى».
وشدّد على «أنّ الحلّ سيكون متكاملاً مع المنطقة الجنوبية فعند تحريرها بالكامل سيكون هناك حلّ لمشكلة مخيم اليرموك والحلّ السياسي في يد الدولة وحين يُتخذ القرار بالحلّ العسكري نحن بكامل مسؤوليتنا سنتولى حماية مخيم اليرموك». وقال: «تلوح في الأفق ملامح تقدم الجيش السوري في منطقة الغوطة وربما تحمل معها بوادر بحث في التسوية أو الحسم».
تغلغل الفكر الوهّابي
وتحدث عبد المجيد عن تغلغل الفكر التكفيري في المخيمات الفلسطينية وانعكاسه على دور القوى الفاعلة في المشهد الفلسطيني، مؤكداً «أنّ الفصائل الفلسطينية لديها ثلاث تيارات القومي والوطني واليساري والتيار الإسلامي الذي شهد منذ التسعينات لغاية أحداث ما سُمي بالربيع العربي نهوضاً في الساحة الفلسطينية عبر حركة حماس والجهاد الإسلامي». وأضاف: «لا شك بأنّ في داخل المخيمات حالات تأثرت بالفكر الإسلاموي وهي حالات فردية ومجموعات صغيرة مثل أكناف بيت المقدس أو مجموعات انحسرت في المخيم لكنها ليست بالحجم الكبير».
كما أكد «أنّ السمة العامة للشعب الفلسطيني في المخيمات السورية تميل باتجاه قومي وطني علماني. ورغم وجود الحركات الإسلامية، فالنسبة الأكبر تميل باتجاه فكر قومي ولا تنتمي إلى هذه المدرسة التكفيرية، ونسبة تسرب الأفكار المتشدّدة في الشارع الفلسطيني لا تتعدى النسبة التي تشهدها المجتمعات في تونس أو في سورية».
اللواء وفلسطين
وشدّد عبد المجيد على «أنّ لواء الاسكندرون، كما فلسطين، أرض عربية سلخت بقرار غربي وضمت إلى تركيا، وما يدعو إلى الفخر تمسُّك السوريين باللواء كجزء لا يتجزأ من سوريتهم وهم يحاولون استعادته».
وعن مصير الأوطان الجامعة في ظلّ مشاريع التفتيت، ختم عبد المجيد قائلاً: «الأمل كبير، رغم مخططات تفتيت المنطقة وإقامة دويلات دينية اثنية حشدت لها مئات الألوف بغباء وتوطؤ من بعض الدول العربية كدول الخليج. بلاد الشام قاومت هذا المشروع وستواصل بالرغم من تسريب أفكار التقسيم والتجزئة، وهي تصرُّ على وحدة الأمة وعلى الحفاظ على السيادة سواء في سورية أو فلسطين».