موسكو… لا حصانة للإرهاب «الغرب ـ داعشي»!

فاديا مطر

لم تنفذ الجعبة الروسية من الردود المتعددة المستويات على إسقاط مقاتلتها الـ« سو ـ 24» فوق الأرض السورية من قبل تركيا التي تدفع الآن ثمن «الطعن في الظهر»، والتي زادت من تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، فقد «جنت على نفسها براقش» بضوء أخضر أميركي ودعم ضمني من حلف الناتو.

تركيا الدولة «الوظيفة» الآن أمام موازين متغيرة ارتبطت بها معادلات متبدّلة زادت من دعم روسيا للموقع الجيوسياسي للدولة السورية كجزء من محور المقاومة، في مقابل سرعة تراكض الأتراك نحو الأمم المتحدة وقوات الناتو، ما أثبت بالدليل المبكر النية التركية المبيتة تجاه من يقف في وجه حلفائها، لكن تداعيات الحادثة بدأت تتعمّق وتتوالى في سلسلة بدأت بعد دعوة «أردوغان» موسكو إلى حل المسألة حتى لا يقع في «نتائج محزنة في المستقبل» بعد إبداء حزنه من الحادثة وتمنّيه أن لا تكون قد حصلت. لكن الرد الروسي استمر مع استقدام منظومة «إس 400» إلى سورية والمزيد من طائرات «ميغ ـ سوخوي» الهجومية المزوّدة بصواريخ جو ـ جو، ونشر نظام «مورمانسك» لتشويش الاتصالات، وتجهيز قاعدة «الشعيرات» السورية في ريف حمص الشرقي.

وكان الرئيس بوتين صرّح أول أمس في اجتماع الجمعية الفدرالية في الكرملين إلى أن روسيا ستصعّد الإجراءات ضد تركيا إلى مستوى أن «تركيا ستندم على إسقاط الطائرة الروسية»، وهو شكل لا يقتصر على العقوبات الاقتصادية بل يتعدّاها إلى خسارة مشاريع استراتيجية بعد إعلان وزير الطاقة الروسية «ألكسندر نوفاك» أمس، تعليق المباحثات مع تركيا حول مشروع نقل الغاز الروسي المسمّى «السيل التركي» والتي كانت تطمح تركيا فيه للعب دور بارز كمركز إقليمي لتوريد الغاز إلى أوروبا. فالمؤشرات بدأت تشير نحو علاقات روسية ـ تركية ستنحدر إلى الأسوأ، وهو ما لفت إليه الرد الروسي السريع وكشف وثائق كانت قد احتفظت بها روسيا وفيديوات وثّقتها من أجل استخدامها في الوقت المناسب، مستهدفةً بذلك عائلة أردوغان مباشرة في تجارة النفط المسروق من قبل تنظيم «داعش»، وهو ما أبرزته وزارة الدفاع الروسية من صور ووثائق مما أثار عاصفة قادتها بعض الصحافة التركية تركت تأثيرها الواضح على الشعب التركي الذي أعاد انتخاب حزب «أردوغان» مؤخراً.

فالخيارات الروسية لم تنضب أمام مَن وصفهم الرئيس بوتين بأنهم «أعوان الإرهابيين في تركيا، وأننا نعرف ما علينا فعله، فنحن نعرف أولئك الذين يملأون جيوبهم ويساعدون الإرهابيين في الحصول على عائدات النفط المسروق والذين ساعدوا الإرهابيين الذين حاربوا في شمال القوقاز».

فالقيادة الروسية تقصد بخياراتها السريعة والخالية من العمل الانفعالي حرق أوراق مَن يعمل تحت أيادي «العم سام»، وربما بالقطع النقدي نفسه الذي استعملته أنقرة لتحويل قوة واشنطن إلى جانبها، وربما بقطع نقدي آخر تدفعه لخلاياها الإرهابية في الأرض السورية والتي تعهدت موسكو باستهداف بنيتها النفطية حتى تدميرها، وربما بقطع نقدي ستدفع فيه انقرة ثمناً باهظاً على المستوى السياسي الداخلي والإقليمي والدولي، وربما يهدّد حياة «العدالة والتنمية» سياسياً رغم ترك موسكو الباب مفتوحاً أمام أنقرة للقاء الوزير «لافروف» في بلغراد «ليخرج الوزير «جاويش اوغلو» بلا مواقف جديدة مقابل ما صرّح به الوزير لافروف بأن روسيا «ستجدّد مواقفها»، مؤكداً أن علاقات بلاده مع تركيا «لن تكون كما كانت سابقاً»، مع التمييز بين الشعب التركي وقيادته السياسية.

فالتقدم مازال بعيد الأفق بعد خطاب الرئيس بوتين في قاعة «المجد القتالي» في الكرملين، ولقاء «الأمل المنطفئ» في اجتماع منظمة الأمن والتعاون في بلغراد، على وقع إمساك الجو السوري بمنظومات الردع والهجوم وزيادة الخسارة التركية الدولية بعد خسارة تركيا الإقليمية في مسار تطورات الاستقطاب الدولي الجديد نحو عنوان «الحرب على داعش»، لتشكل الانعطافة في زاوية حادة نحو إخضاع روسيا لتركيا جدياً عبر إفشال أهدافها التي غامرت بها، لكون الحجر الروسي قد أصاب عشرة عصافير معاً في معركة وضعت «الناتو» أمام تأثير قوي ومباشر في أجواء أجادت موسكو حياكتها من طهران إلى بغداد إلى دمشق وبيروت، ووضعت فيها الحجر الأساس لشراكة استراتيجية في وجه الهيمنة «الغرب ـ داعشية» وتكريس معادلة السماء والأرض بأن «هذا ما كسبت أيديكم»؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى