العراق: استعصاء الحلول السياسية
حميدي العبدالله
حيال ما يشبه الإجماع حول وجود ثغر سياسية كبيرة في إدارة الشأن العراقي العام، أعلن رئيس الحكومة نوري المالكي أنه لا يمكن الوصول إلى حلّ أمني وانتصار على الإرهاب من دون أن يتزامن هذا الحلّ مع حلّ سياسي يسدّ الثغر المشكو منها.
لكن ما هو الحلّ السياسي المنشود الذي يكثر الحديث عنه والذي يسهّل نجاح الحلّ العسكري والأمني في مواجهة «داعش» وشركائه؟
ثمة صيغتان افتراضيتان للحلّ:
الصيغة الأولى، العودة إلى ما كان معمولاً به تحت رعاية الاحتلال الأميركي والغربي للعراق بين عامي 2003 و2011 ، أي تقاسم المناصب الرفيعة في الدولة العراقية محاصصة بين الطوائف والمذاهب تبعاً للتمثيل الحزبي لهذه الطوائف والمذاهب. لكن هذه الصيغة كانت فاشلة ولم تحقق أيّ نجاح، وإذا كان هناك من يعتقد أنها حققت بعض النجاح فهو يعود إلى وجود القوات العسكرية الأجنبية وضغط هذه القوات على المكوّنات السياسية في العراق للعمل ضمن صيغة الحدّ الأدنى، لكن هذه القوات لن تعود مرة جديدة إلى العراق، والمطلوب إنتاج صيغة حكم تحقق النجاح من دون الرهان على عودة قوات الاحتلال من جديد إلى العراق لترغم المكوّنات السياسية والحزبية والطائفية على التفاهم، لكن لا يبدو أنّ مثل هذا الاتفاق في متناول اليد في ضوء عمق الانقسام الداخلي وفي ضوء تضارب مصالح الدول والجهات الإقليمية والغربية واستحالة التوصل إلى تسوية بين هذه الجهات.
الصيغة الثانية، الانفتاح على القوى والتشكيلات التي تتحالف الآن مع «داعش» مثل البعثيين السابقين وهيئة العلماء المسلمين، وأي تشكيلات أخرى تتحالف مع «داعش» وتتحرك بالتناغم معه.
مثل هذا الحلّ مرفوض، أولاً من التشكيلات السياسية والحزبية السائدة الآن والمنتشرة في العراق، بما في ذلك تشكيل «متحدون» الذي يقوده النجيفي، والذي يعتقد أنّ أيّ انفتاح أو حلّ مع هذه الجماعات سيكون على حسابه ويطعن بشرعيته التمثيلية، وثانياً لأنّ دول الإقليم مثل تركيا والسعودية والغرب وفي مقدّمها الولايات المتحدة، تحبّذ التعامل حصراً مع المكوّنات التي شاركت في العملية السياسية تحت إشراف الاحتلال، لكن هذه المكوّنات مرفوضة من القوى التي شاركت مع «داعش» في الانتشار الأخير في الموصل وصلاح الدين وديالي.
هكذا يبدو أنّ الحديث عن الحلّ السياسي لتسهيل نجاح الحلّ العسكري والأمني مجرّد لغو أو فانتازيا سياسية غير قابل للتنفيذ، وفي ضوء هذا الواقع المر، ماذا يبقى أمام العراق والعراقيين؟
هناك واحد من خيارين:
الخيار الأول، السير في الحلّ العسكري والأمني حتى النهاية من قبل الحكومة الحالية لعلّ الحلّ العسكري يخلق شروطاً ملائمة لحلّ سياسي أكثر عدلاً مما هو قائم الآن.
الخيار الثاني، ترك الأمور على ما هي عليه وانزلاق العراق إلى حرب أهلية طاحنة قد تقود إلى تقسيمه بعد تفككه، الأمر الذي ساد منذ الاحتلال الأميركي والغربي للعراق، وقد يكون التقسيم أكثر وبالاً وكارثية على العراقيين من أيّ حلّ آخر.