الحريري يبحث عن صفقة لا تسوية
حسين حمّود
منطقان يحكمان الاستحقاق الرئاسي وفق ما سمّي المبادرة الانقاذية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري وأبرزها انتخاب رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. الأول منطق «الصفقة» وهو ما تروّجه قوى 14 آذار وعلى رأسها تيار المستقبل. والثاني هو التسوية التي دعا إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال «يوم الشهيد» في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني الماضي، وسارع الحريري كما قيل، إلى «تلقفها» وبنى عليها «مبادرته».
لكن الحريري، في الواقع كما يبدو حتى الآن، يتعامل مع مبادرة السيد نصرالله بغير ما قصده السيّد. فالأخير دعا إلى الحوار والتوافق على سلة كاملة متكاملة من الاستحقاقات والملفات والقضايا الخلافية، وعدّد بعضها أو أبرزها ومنها الاستحقاق الرئاسي، تفعيل عمل مجلس النواب والحكومة، قانون الانتخاب، التعيينات العسكرية والأمنية وصولاً إلى الشؤون الاقتصادية والحياتية… وغيرها من المسائل العالقة، على أن يتمّ البدء بالتوافق على رئاسة الجمهورية باعتبارها مفتاح الحلول للأزمات الأخرى، بحسب بعض الجهات ولا سيما بكركي.
إلا أنّ الحريري، وكما هو ظاهر، استخدم البند الأول للدخول في «صفقة» يجني منها مكاسب على صعيد الحكم والعمل السياسي، مشترطاً أن يكون هو رئيس حكومة كلّ عهد فرنجية. كما يعوّل أيضاً على الحصول على قانون انتخابي يوّفر لفريقه الأغلبية النيابية إضافة إلى مكتسبات في الإدارة العامة.
لذا فإنّ منطق الحريري، بحسب أوساط سياسية، خالف منطق التسوية الذي يفترض البحث في السلّة الكاملة المطروحة لا تجزئتها إلى ملفات آنية وأخرى مستقبلية أو إقرار ما هو مقدور عليه الآن وتأجيل الملفات الخلافية إلى أجل غير مسمّى.
وهنا تسجّل مواقف مهمة لفرنجية الذي أكد عدم التزامه بأيّ شيء للحريري تجاه الملفات العالقة، ولا سيما قانون الانتخاب الذي يستدعي التشاور والبحث بين كلّ الأطراف المعنية، إضافة إلى أنّ كلام فرنجية حول عون مؤشر لرفض الصفقة، بينما أهل الصفقة يريدونها لضرب 8 آذار من الداخل، فيربح مرشح ويخسر مرشح.
أما رئاسة الحكومة فهي كما هو معلوم، ليست بيد رئيس الجمهورية بل تتعلق بالاستشارات النيابية الملزمة.
لذا فإنّ هذا الأمر تقرّره قوى الثامن من آذار مجتمعة، إلا أنّ الفريق المقابل يمارس عملية ضغط على الفريق الأول لتحقيق ما يصبو إليه في جنة الحكم المقبلة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالحه ومكتسباته الداخلية، بعد أن بدأ يدرك أنه ذاهب إلى خسارات حتمية في الخارج ولا سيما في سورية. ومع مع ذلك لاحظت الأوساط أنه حتى الآن لم تبرز معطيات جدية عربية ودولية تدعم ترشيح فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، بالرغم من زيارات السفراء ولا سيما الأجانب منهم إلى بكركي. كما أنّ السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري كان قد اشترط لسير بلاده بمرشح لرئاسة الجمهورية هو أن يحظى بإجماع مسيحي عليه، وهو غير المتوفر حتى الآن لفرنجية، على الأقلّ لجهة حزبي الكتائب و«القوات».
وقالت الأوساط إنّ سمير جعجع وصف موقف عسيري بأنه «انتصار» لموقف «القوات» الذي فرمل اندفاعة الحريري باتجاه فرنجية، لكن من زاوية أخرى جعجع يعتبر أنّ الاستحقاق الرئاسي بات شأناً داخلياً، بالرغم من عدم اتضاح الموقف النهائي لعواصم القرار الإقليمية والإقليمية، منه، لذا يحاول جعجع رفع «غلته» في الصفقة التي يتوهّم أنّ الحريري سيحصل عليها، وأبرز ما يطلبه هو رفع مقاعد حزبه النيابية عن طريق تجيير بعض مقاعد المسيحيين المحسوبين على تيار المستقبل وتلك العائدة للمستقلين الدائرين في فلك «14 آذار» فضلاً عن مكاسب أخرى في السلطة.
في الخلاصة ما تزال قوى «14 آذار» تعيش على وهم الصفقة المستحيلة لا التسوية التي تختلف جذرياً عما يدور في ذهن الحريري وفريقه.