وصلت سكين «داعش»… فدعا كيري للتعاون مع الأسد وأربك أنقرة والرياض إيران تسبق المناورة التركية فتؤيد روسيا: لدينا ما يؤكد تورّط أردوغان النفطي

كتب المحرّر السياسي

كانت واشنطن قبل إسقاط تركيا للطائرة الروسية تضع فرضية رسم ضوابط للحركة الروسية في سورية، انطلاقاً من مقايضة المنطقة العازلة والوجود العسكري للجماعات المدعومة من تركيا، لكن ما جرى منذ ذلك اليوم قال إنّ الاندفاعة الروسية تتصاعد، وإنّ تركيا تتراجع، وإنّ الحدود السورية التركية تقف بالنار، وتركيا تهرب من المواجهة بعد نشر صواريخ «أس 400» فتوقف طلعاتها الجوية، وخلال أيام من التصعيد الناري الروسي على قوافل النفط المهرّب لحساب «داعش» إلى تركيا، وقصف قوافل الإمداد التركية عبر الحدود للجماعات المسلحة، ورغم رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منح موعد للقاء الرئيس التركي رجب أردوغان، جلس رئيس الوزراء التركي في بروكسل ليبرم الصفقة التي تتضمّن صرف النظر عن المنطقة العازلة، منجزاً المقايضة هذه المرة مع الاتحاد الأوروبي لقاء ثلاثة مليارات يورو ويتعهّد بوقف هجرة اللاجئين إلى أوروبا، وخلال أيام كان الجيش السوري مدعوماً بالغارات الروسية يسجّل التقدّم في مناطق شمال غرب سورية حيث جبل التركمان وجبل الأكراد، وكانت واشنطن تتصرّف باعتبارها خارج تهديد «داعش»، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل يومين، إثر اجتماع لمجلس الأمن القومي وبحضور قادة أجهزة المخابرات، وبعد الاطلاع على التقارير، ما يتيح لواشنطن التصرّف بغير الحسابات المستعجلة التي تحكم قلب أوروبا بعد مذبحة باريس، وقبل يومين ضرب «داعش» ضربته في كاليفورنيا وسقط أربعة عشر أميركياً قتيلاً وأكثر من عشرين جريحاً، وخرجت أمس التقارير التي تؤكد أنّ المهاجمين اثنان، رجل وزوجته قد بايعا «داعش» قبيل التنفيذ، وفقاً لتقارير الأمن الأميركي، ويعلن تنظيم «داعش» تبني العملية.

ذاقت واشنطن مرارة كأس باريس وأحسّت بالسكين يقترب من الرقبة، فبدأت تتصرّف بقدر أعلى من الجدية، وهي تعلم محدودية قدرة حلفائها على الاستجابة لطلبات الفانتازيا التي ترفعها التصريحات الأميركية، وفقاً لمعادلة لا هزيمة لـ«داعش» بدون قوات برية فعّالة، وتقول نسعى لبناء قوات معارضة معتدلة مرة وندعو لتشكيل قوة عربية مرة أخرى وهي تدرك هراء الكلام، لكن لا وقت يضغط عليها لتسارع، وها هو السكين يقترب والوقت يدهم، فيقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إنّ التعاون مع الجيش السوري ضروري في مواجهة «داعش» في ظلّ وجود الرئيس السوري بشار الأسد، ذاهباً إلى أبعد مما قاله نظيره الفرنسي لوران فابيوس عن ربط هذا التعاون بما بعد ما أسماه المرحلة الانتقالية.

صبّ الكلام الأميركي الماء البارد على رؤوس مَن في أنقرة والرياض، بينما كانت الأولى تتلقى كلاماً إيرانياً صاعقاً، عن امتلاك وثائق وصوَر تثبت تورّط حكومة أردوغان في صفقات النفط المنهوب لحساب «داعش»، بعدما بذلت أنقرة جهوداً لتقديم إيران كطرف بعيد عن النزاع مع روسيا، وتحدّثت صحفها عمّا أسمته «امتعاضاً إيرانياً من التصرّف الروسي المتفرّد في سورية، وخصوصاً تجاه تركيا التي تربطها بإيران علاقات خاصة»، ليأتي كلام رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي قاطعاً وحاسماً بتأكيد درجة التنسيق والتكامل بين موسكو وطهران من جهة، وبالعزم الذي يجمعهما على تأديب تركيا من جهة أخرى.

أما الرياض فقد تلقّت الصفعة الأميركية وهي تستعدّ لاستضافة مؤتمر لمكوّنات المعارضة السورية التي تسعى السعودية لتجميعها تحت شعار أولوية رحيل الرئيس السوري تمهيداً لأيّ بحث في العملية السياسية.

السعودية المرتبكة في الملفين السوري واليمني، لا تقلّ ارتباكاً في الملف اللبناني، ففي الوقت الذي تسعى الرياض إلى إظهار جديتها في رعاية تسوية رئاسية، عنوانها تقديم أحد قادة الثامن من آذار وحلفاء سورية والمقاومة النائب سليمان فرنجية، مرشحاً رئاسياً مقبولاً من الجميع، يقدم مسؤولوها على ارتكاب حماقة في المضمون والتوقيت، باتخاذ قرار وقف بث قناة «المنار» على قمر عربسات، بينما كان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يجري اتصالاً تشاورياً مع النائب فرنجية تكريساً لتقديمه كمرشح رئاسي يحظى بالدعم الدولي، ضمن إطار التفاهم على تسوية تضمن عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة مقابل وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية وتدعمها فرنسا والسعودية، وتسعيان لضمّ الدول المعنية بلبنان، وخصوصاً روسيا وإيران.

باسيل والجميل في بكركي

بعد عودة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من زيارته إلى البرازيل وألمانيا، شهدت بكركي حركة سياسية مكثفة حول المبادرة الرئاسية التي تطرّق إليها مجلس المطارنة الموارنة خلال اجتماعه الشهري في بكركي أمس، فرأى أن «فرصة جدية تبرز لملء الشغور، ما يقتضي التشاور والتعاون بين جميع الفرقاء اللبنانيين لإخراج البلاد من أزمة الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية»، مشيراً إلى أن «الرئيس، بما أنه رأس الدولة، كما ينص الدستور، هو حجر الزاوية في العمارة الوطنية بأبعادها التاريخية والمؤسساتية ولذلك ينبغي أن يأتي انتخابه عن تبصّر عميق في أهمية هذا الموقع ودوره الأساسي».

وانطلاقاً من هذا الموقف، التقى البطريرك الراعي رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ثم انضم إلى الاجتماع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل الذي أشار بعد اللقاء إلى أننا «نأتي اليوم إلى بكركي لتعزيز هذه القوة ونقيم الاتفاق الذي يؤمن لنا الديمومة، ديمومة ملء المقعد الأول في لبنان، لما يمثل من مسيحيين ولبنانيين، ولنزاوج في هذا الموقع ما تجمعه المارونية وهو المسيحية والحرية».

وأضاف باسيل: «نحن متمسّكون بحريتنا في الشرق، لنختار بحريّة رئيسنا ونختار بحريّة قانون انتخاب على أساسه سنختار ممثلينا ونتمثل من خلاله».

أما الجميل فقال بعد اللقاء: «نتواصل مع فريق الوزير فرنجية تقريباً مرة كل يومين، لنرى ما إذا كان الوزير فرنجية مستعداً أن يلاقينا إلى نصف الطريق أو لا، لن ننتخب أي مرشح خطابه هو خطاب فريق من اللبنانيين، إذا كان الوزير فرنجية مستعداً أن يضع جانباً صداقاته والخط السياسي الموجود فيه اليوم، ويُلاقينا إلى نصف الطريق، ليس لدينا فيتو على شخصه، ولكن لا أحد يقدر أن يطلب من الكتائب أن تسير بمرشح خطابه السياسي مناقض لها».

ويُذكر أن هذا الاجتماع جاء عقب اللقاء الذي جمع الراعي وفرنجية أول من أمس.

فرنجية يتلقى اتصالاً من هولاند

وكان فرنجية قد تلقى اتصالاً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وتمّ البحث خلاله في المستجدات والتطورات كافة على الساحتين الإقليمية والدولية.

التسوية واحتمالات النجاح والفشل

وأشارت مصادر مطلعة على الاجتماع لـ«البناء» إلى «أن لبنان يعيش حالتين في ما خصّ التسوية المطروحة، حالة تقدّم التسوية، لكن تتطلّب بعض الوقت لتذليل الصعوبات والعقبات. وهذه الحالة يمثلها تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط والوزير فرنجية. أما الحالة الثانية فتمثلها القوى المسيحية وبشكلٍ أساسي حزب القوات والعماد ميشال عون المدعوم من حزب الله. وفي هذه الحالة هناك اقتراح جدي لانتخاب رئيس لم يبتّ بعد واحتمالات نجاح التسوية لا تتقدّم على احتمالات فشلها».

ولاحظت المصادر أن «تراجعاً ملحوظاً سجل في اللغة التي تحدث بها الراعي عن التسوية فور عودته من الخارج لمصلحة لغة تغليب الحوار المسيحي الذي ذكره بيان المطارنة، وبخاصة أن الراعي كان يعتمد بشكلٍ أو بآخر على بعض الأطراف الذين كانوا إلى جانبه وبالأخص حزب الكتائب».

ما بعد التسوية…

وأكدت مصادر في التيار الوطني الحر لـ«البناء» «أن لا مشكلة مع الوزير فرنجية ومن حقه الترشح ويملك المؤهلات والحيثية في هذا المنصب، وهو من الزعماء المسيحيين الأقوياء وخياره السياسي هو خيار التيار، لكن التيار لن يعلن موقفاً من التسوية قبل إعلان فريق 14 آذار والمستقبل تحديداً ترشيح فرنجية والبحث في سلة التسوية المتكاملة، وما بعد التسوية، أي في تسمية رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة والانتخابات النيابية وقانون الانتخاب. وحتى الآن لم يطرح أحد علينا البحث في هذه الأمور، لذلك لن نتداول بأي أمر غير رسمي، لأن المشكلة ليست في انتخاب رئيس للجمهورية بل مشكلة الشراكة في الحكم واحترام الدستور والميثاق».

وأبدت المصادر ارتياحها لكلام فرنجية بأنه سيتحدث مع العماد عون في التسوية، وأشارت إلى أنهما سيبحثان قريباً في تفاصيل التسوية، وأكدت أن نتيجة النقاش لن تؤثر على العلاقة بين الطرفين.

وأشارت المصادر إلى «أن التواصل مستمر مع حزب الله حول هذه التسوية»، وأوضحت أن «ترشيح الطرف الآخر لفرنجية يعكس إقراره واقتناعه باستحالة فرض ميشال سليمان آخر رئيساً على اللبنانيين بصفقة خارجية داخلية وبالتالي هذا يعتبر إنجاز لفريقنا السياسي، لكن لن نكتفي به بل سنبحث بالسلة المتكاملة لنحقق الشراكة في الحكم».

الكتائب: ننتظر الضمانات

وأكد النائب إيلي ماروني لـ«البناء» أن «مقاربة حزب الكتائب للتسوية تختلف عن مقاربة التيار الوطني الحر. الكتائب تتحدّث في الأمور الوطنية، أما التيار فهو في الخط السياسي نفسه الذي ينتمي إليه فرنجية. وبالتالي لا يستطيع التيار الطلب من فرنجية ضمانات أو مقاربة سياسية».

وأشار ماروني إلى أن «الاجتماع في بكركي حصل صدفة، حيث قدّم باسيل أثناء وجود الجميل مجتمعاً بشكلٍ منفرد مع الراعي ودخل بعدها باسيل»، وأوضح أن «مقاربتنا وطنية وتشكل مواضيع طاولة الحوار، ونحن بانتظار أجوبة على الهواجس التي طرحناها لا سيما بما يتعلق بالعلاقة مع سورية وسلاح حزب الله وتدخّله في الحرب السورية».

أشار إلى لجان تواصل من «الكتائب» و«المردة» لبحث هذه الأمور، وأكد أن «الرئيس الذي سيأتي يجب أن يحظى بتأييد المسيحيين لأنهم المعنيون بهذا الموقع أكثر من غيرهم»، موضحاً أن «بكركي مظلة لجميع القوى المسيحية، لكن في السياسة الأمور تقاس بحسب المواقف السياسية».

المشنوق: عرسال محتلة

بعد إنجاز صفقة تبادل العسكريين، خرج وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ليبرّر الفضيحة السيادية التي رافقت إنجاز الصفقة لا سيما استعراض مقاتلي «جبهة النصرة» في جرود عرسال، واعترف بأن عرسال منطقة محتلة.

وخلال زيارته المديرية العامة للأمن العام لتهنئتها، بإنجازها عملية تحرير العسكريين اللبنانيين، أعلن المشنوق أن «منطقة عرسال محتلة، ومن السهل علينا الدخول في عملية عسكرية فيها، لكن هذا يعني الانخراط في الحرب السورية، وهمنا الأساسي الابتعاد عن الحريق السوري». وأشار إلى أن «الدولة لن توفّر أي جهد للإفراج عن العسكريين التسعة المخطوفين لدى داعش».

وأكد المشنوق أن «العملية ما كانت لتتم لولا مباركة ودعم خلية الأزمة، وعلى رأسها الرئيس تمام سلام، والمتابعة الدائمة والاهتمام والسؤال كل يوم من الرئيس نبيه بري، والجهد الذي بذله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في اتجاه سورية لدفع النظام السوري نحو مساعدة لبنان لحل هذه المشكلة».

كلام المشنوق أخطر من بنود الصفقة

وأبدت مصادر مطلعة في 8 آذار دهشتها لكلام المشنوق ووصفته بأنه «أشد خطورة من بنود صفقة التبادل، ورسالة طمأنة من المشنوق إلى المسلحين بأن الدولة لن تستعمل معهم أساليب القوة حتى لو كرّروا عمليات الخطف لجنود لبنانيين، لأننا إذا واجهناكم فسنرى أنفسنا منخرطين في خندق واحد مع الجيش السوري في الحرب على الإرهاب».

وأضافت المصادر: «هذا الكلام معاكس للمنطق العسكري ومنطق السيادة الوطنية والواقع الذي يجري الآن، حيث يستهدف الجيش مواقع المسلحين عندما يرى ذلك مناسباً».

ورأت في كلام المشنوق «تبريراً لعجز الدولة والتغطية على الخطأ الاستراتيجي والوطني الكبير الذي أدى إلى أسر العسكريين ونوعاً من إشارة للمسلحين بأنهم مهما فعلوا واعتدوا فلن تستعمل الدولة معهم القوة»، ولفتت إلى أنه «حتى لو لم يكن هناك قرار سياسي بالهجوم على المسلحين فمن غير المسموح للدولة أن تطمئن الإرهابيين».

وأوضحت المصادر «أن اعتراف المشنوق بدور الدولة السورية بنجاح عملية التبادل، جاء بعد أن كشف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كل الأدوار لا سيما دور سورية، ما سبب إحراجاً للمشنوق ولم يعد باستطاعته التعامي أو إخفاء ذلك».

الجيش واصل قصف مواقع المسلحين

وفي موازاة ذلك، واصل الجيش اللبناني قصفه الصاروخي المدفعي، على مواقع وتجمعات المسلحين الإرهابيين في جرود عرسال.

وطاريّا تودّع الشهيد حمية

وشيّعت قيادة الجيش اللبناني وبلدة طاريا والبقاع الجندي الشهيد محمد معروف حمية الذي تسلم الأمن العام جثمانه من «جبهة النصرة»، في موكب رسمي وشعبي انطلق من أمام المستشفى العسكري في بيروت مروراً بقرى غرب بعلبك، حيث نظّم للشهيد استقبال حاشد على امتداد الطريق ونثر الأرز والورود وصولاً حتى بلدة طليا مسقط رأس الشهيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى