الشطرنج الروسي والنّرد التركي
نظام مارديني
في لعبة الشطرنج، العقل أو الفكر هو الملك الأكبر الذي يهيئ الطريق أمام الملك للتربّع على عرش الرقعة بعد إزالة كل العوائق أمامه في حين لاعب النرد ليس أمامه غير المقامرة بكل شيء. بين بوتين لاعب الشطرنج وأردوغان لاعب النرد لا يمكن المقارنة بينهما، بل من الظلم تقديم مقارنة تجمع بين الرجلين.
لا يمكن الحكم على السياسة الانفعالية التي يتصف بها رجل تركيا أردوغان إلا بكونه مغامراً، وهي لطالما كانت، أي السياسة الانفعالية، صفات الرجل الضعيف خلال مواجهته خصماً قوياً كالقيصر بوتين، لذلك تتصف سياسته بأنها تشبه سياسة لاعب نرد يقامر ببلاده على مذبح شهواته الإخوانية، في حين يختار بوتين النقلات بـ«لغة الشطرنج» المناسبة لكي يكون الرد على أردوغان وسياسته الرعناء في مستوى الحدث الكبير الذي يتجه إليه بوتين صعوداً، وهنا ليس من الحكمة اعتماد مبدأ «العين بالعين والسن بالسن» القبلي كأساس لتحديد الأسلوب الذي ستتّبعه روسيا في ردها على إسقاط الطائرة الروسية.
من المعلوم أن منطق العلاقات وسياقها بين الدول لا يقوم على أساس سطحي لا يميز بين خرق جوي يحمل نيّات العدوان، وبين خرق فرضته طبيعة المهام التي تنفذها تلك الطائرات في منطقة عملياتها. ولذا كان عمل إسقاط الطائرة غير موفق في توقيته الذي سبق انعقاد جلسة الحوار الاستراتيجي بين تركيا وروسيا ما يؤكد أن لاعب النرد ينظر إلى قضية الربح والخسارة بعين المقامرة ليس إلا. وقد انعكس هذا الواقع غلياناً شعبياً روسياً مندّداً بالعمل التركي. كما أن تصريحات بوتين، بقيت منذ بداية العدوان وحتى كتابة هذه السطور، عنيفة في اتهامها وتوعّدها بالرد ومعاقبة المتسببين بالحادث.
والتهديد الروسي بمعاقبة المنفذين للعدوان، يجب أن يتصف بالجِّد، فروسيا طاردت أحد رموز الإرهاب الشيشاني بعد أن توعّدته بتنفيذ حكم الإعدام فيه إثر تفجيرات نفّذها في داغستان، واقتصّت منه بقتله في قطر بعد ثلاث سنوات من لجوئه إليها. والأسهل من معاقبة مَن يقيم في تركيا فإن روسيا قادرة على اصطياد من أطلق النار على الطيار الروسي أثناء نزوله بالمنطاد بعدما وجّهت ضربة قاصمة للميليشيا التركمانية المسلحة في سورية، والذين أسماهم أردوغان «إخوتنا».
أردوغان الآن مثل وحش جربان ومسعور. وهو صدق نفسه بأنه سلطان يسعى لإعادة كلمة الله العليا في المنطقة. ما يذكّرنا بملاحظة «تيمورلنك» أن بعض حكام المسلمين اختاروا لأنفسهم أسماء قد لا تنطبق عليهم: الواثق بالله، المعتصم بالله، المتوكل على الله، المعتز بالله، المستنصر بالله. فسأل «جحا» أن يقترح عليه اسماً يُكنّى به!
ردّ جحا: اختار لك اسماً لا تقتلني به أو تسجنني بسببه؟ قال أعدك.
فردّ جحا: سأطلق عليك كنية: أعوذ بالله!