بحثاً عن قوات برّية… هل يتحالف الغرب مع جهاديين ضدّ «داعش»؟
في الثاني من كانون الأول الحالي، صوّت مجلس العموم البريطاني بغالبيته بالسماح للطائرات البريطانية بقصف تنظيم «داعش» في سورية وكذلك العراق. كانت خطوة رمزية، تهدف إلى إظهار التضامن مع الحلفاء ضد الهمجية التي يشكّلها التنظيم.
وعلى رغم أن مقاتلي طائرات «تورنادو» البريطانية يتباهون بصواريخ «بريمستون» الدقيقة للغاية، وجمع معلومات استخبارية متطورة، فإن لا أحد يتصور أن القوة الجوية وحدها يمكنها أن تُنزل الهزيمة بتنظيم «داعش».
تبقى المشكلة هي ما كانت عليه في سورية منذ بدأت الضربات الجوّية ضد تنظيم «داعش» للمرة الأولى في أيلول من السنة الماضية: غياب القوات البرّية المقبولة سياسياً للعمل معها، بدلاً من «وحدات حماية الشعب» الكردية، التي نادراً ما تلقي بالاً للعمليات العسكرية خارج ما تراه أراضي كردية.
وكان ادّعاء ديفيد كاميرون بوجود 70 ألفاً من مقاتلي «المعارضة السورية المعتدلة» مثاراً للسخرية. تلك القوات التي لا تنتمي إلى المجموعات «المتطرفة»، والذين يمكن أن يكونوا حلفاء محتملين للتحالف الدولي الذي يشنّ عمليات عسكرية ضد تنظيم «داعش». لا يتم تضمين الأكراد في هذه الأرقام.
في الواقع، إن معظم الخبراء يتفقون مع تقييم رئيس الوزراء البريطاني المستمد من الاستخبارات، تشارلز ليستر، من مركز بروكينغز بالدوحة، يعتقد أن هناك أكثر من 100 من الفصائل المسلحة بما مجموعه 75 ألف مقاتل، وفصائل كثيرة من هذه تعمل تحت مظلة «الجيش السوري الحر»، الذي يمكن أن يعتبر «معتدلاً» وفقًاً للمعايير السورية.
ثمة مجموعات من هذه كانت قد خضعت لعمليات «تدقيق» بالفعل من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، كما أنها تتلقى الأسلحة وغيرها من المساعدات، وكان ذلك يجري على نطاق ضيق إلى حد ما. إنها لا تشبه حتى الآن قوة متماسكة، لكن مع مرور الوقت والحوافز السياسية الصحيحة، ربما يتم تشكيلها في قوة واحدة.
ميليشيا «وحدات الشعب» الكردية، التي تضم حوالى 55 ألف مقاتل، أظهرت نجاحاً في إخراج قوات تنظيم «داعش» من بلدة عين العرب، والتحرك غرباً للسيطرة على بلدة جرابلس.
ولكن على رغم نجاح «وحدات الشعب» الكردية، عندما ساعدتها القوة الجوية لقوات التحالف، فإن اهتمامها الرئيس هو السيطرة على المناطق التي تمتد على طول الحدود مع تركيا. وعلى رغم الحديث عن انضمامها إلى العشائر السنية وتحركها جنوباً نحو الرقة، معقل تنظيم «داعش»، فإنها لا تبدي شغفاً كبيراً في القيام بذلك، وحتى لو ساهمت تلك المليشيات الكردية في الاستيلاء على الرقة، فإن العواقب السياسية لمساعدة الأكراد في الاستيلاء على بلدة عربية بالكاد ستكون إيجابية.
الأمر الأكثر إشكالية من وجهة نظر غربية، فكرة الدخول في شراكة مع تنظيمات «أحرار الشام» أو «جيش الإسلام»، وهما من الجماعات السلفية الكبيرة التي لديها اتصالات مع تنظيم «جبهة النصرة»، التابع لتنظيم «القاعدة»، ولكنهم يعارضون تنظيم «داعش»، ويمكنهم أن يشكلوا مجتمعين 30 ألف مقاتل، وينقسم الرأي في شأن ما إذا كان «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» يمكن اعتبارهما جهاديين قد يشكلون تحالفاً محتملاً ضدّ «داعش».
يعتمد التنظيمان على دعم المملكة العربية السعودية وقطر، وسيكونان في مؤتمر يجمع كل فصائل «المعارضة الشرعية» لا جبهة النصرة، ولا داعش ، الذي سيعقد تحت رعاية سعودية في الرياض، ربما الأسبوع المقبل.
يبدو تنظيم «أحرار الشام» ذاته منقسماً، بين البراغماتيين، الذين يريدون طمأنة الحلفاء الغربيين المحتملين بالنأي بأنفسهم بعيداً عن «جبهة النصرة»، وأولئك الذين ما زالوا يتشبثون بجذورهم الجهادية.
التسمية «المعتدلة» التي تستخدم لوصم المجموعات التي يمكن أن يدعمها الغرب يجري الاستبدال بها بهدوء مصطلحاً أكثر مرونة، «التيار»، وهو ما يعني على نطاق واسع: الفصائل السورية التي لا مصلحة لديها في تصدير الجهادية، وهو تحوّل مهمّ وضروري، كما تقول جنيفر كافريللا، التي تغطّي سورية لمعهد دراسة الحرب في واشنطن.
التدخل العسكري الروسي قبل شهرين جعل حالة الخلط تلك أكثر تعقيداً بالفعل، وفقاً لإميل حكيم، المحلل السوري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
من خلال تركيز الغارات الجوية على بعض الجماعات التي يراها الغرب كحلفاء محتملين، فإن الروس لا يساندون فقط نظام بشار الأسد، ولكنهم أيضاً يساعدون بشكل غير مباشر تنظيم «داعش» بما أنه يقاتل أيضاً بعضاً من هذه المجموعات.
عملية السلام التي تضم جميع الدول التي هي طرف في النزاع ستشهد جولتها الثالثة في فيينا في الشهر المقبل، ولكن من الصعب أن نرى كيف يمكن حل الخلافات بين روسيا وإيران من جهة، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة أخرى، محاولات باراك أوباما في مؤتمر المناخ بباريس هذا الأسبوع لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجعل تدمير تنظيم «داعش» الأولوية، بدلاً من إنقاذ الأسد، سقطت على آذان صماء.
وقد أعطي الأردن مهمة لا يحسد عليها لتحديد فصائل المعارضة السورية التي يجب أن تصنف بأنها إرهابية، وبالتالي استبعادها من عملية السلام، ولكن من الواضح أن روسيا تضع كل الجماعات المتمردة تقريباً، باستثناء «الجيش السوري الحر» والأكراد في ذلك التصنيف.
السيد حكيم يعتقد أنه من المثير للسخرية أن لا يقترح أحد وضع قوات النظام على اللائحة السوداء، نظراً إلى استخدامها المتواصل للبراميل المتفجرة ضد المدنيين.
بالنسبة إلى الغرب، فإن الإفراط في الاستثمار في هذه العملية تكتنفه مخاطر تنفير الرأي السنّي السوري إلى أبعد من ذلك، خصوصاً عندما يكون خيار بقاء الأسد، على الأقل لفترة، لا يزال على الطاولة في فيينا. السيدة كافريللا تحذر من أن روسيا تؤجج رواية: أن الأسد يناضل ضد الإرهابيين، وتتلاعب بمحادثات فيينا لهذه الغاية.
لكن ثمة انفصال مطلق عن الواقع السياسي على الأرض، فمهما تم استنفار «الميليشيات المعارضة ضدّ تنظيم داعش»، فإن أولويتها لا تزال: «استكمال الثورة وإسقاط النظام». السيد حكيم يقول: «إذا كنت ترغب في حشد القوات ضد تنظيم داعش، فسيكون عليك أن تتعامل مع الأسد على مسار مواز، هم يرون أنفسهم محرّرين، وليسوا مرتزقة».