اجتماع معارضة في الرياض أم جمع لفصائل الإرهاب…؟
جمال محسن العفلق
وجّهت السعودية دعوات لمن وصفتهم بفصائل المعارضة السورية وشملت الدعوات بحسب التقارير الإخبارية 15 فصيلاً مسلحاً منها «جيش الإسلام» و»أجناد الشام» وفصائل متنوّعة أخرى موزعة بين فصائل موجودة على الجبهة الشمالية تستمدّ دعمها من تركيا وأخرى في الجنوب وهذه تأخذ دعمها من غرفة «موك»، وكذلك من «إسرائيل»، ويتصدّر الفصائل السياسية ما يسمّى ائتلاف الدوحة الذي يحاول أخذ تفويض من كافة الفصائل ليكون هو الممثل السياسي لها، ولكن هذا الائتلاف نفسه يعاني انقساماً تركياً قطرياً سعودياً، فهو بطبيعته يمثل هذه الدول عدا عن ممثلين لأوروبا وأميركا و»إسرئيل»، أما ما تبقى من فصائل مثل مؤتمر القاهرة وهيئة التنسيق كما اضاف المؤتمر شخصيات مستقلة محسوبة على تيارات منها تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي يسيطر على جزء من تكوين ائتلاف الدوحة.
لم يعد مُجدياً اليوم الحديث عن معارضة سلمية أو سياسية ليس لها فصائل مسلحة أو تتعاطف مع فصائل مسلحة، فواقع الحال يصنّف أنّ أكثر من 95 في المئة من الفصائل العاملة في سورية هي فصائل لها مرجعية خارجية، وبنفس الوقت تنتقل من ولاء الى آخر وفق ما يطلب اليها، فـ»النصرة» لا تختلف عن «داعش» أو «جيش الإسلام» أو «أجناد الشام» إلخ… من مسمّيات كانت تستخدم كوسادة سياسية لنفي تهمة الإرهاب عنها أو لإعطاء انطباع بأنها مستقلة وتعمل وفق أجندة وطنية ما، فالجميع يعلم أنّ «الجيش الحرّ» تمّت إذابته في فصائل إسلامية متشدّدة ومن تبقّى منه إما موجود في الأردن أو تركيا أو غادر إلى أوروبا ونقل عن طريق أجهزة الاستخبارات.
فما الذي تريده السعودية من هذا المؤتمر؟
حسب تصريحات الخارجية السعودية، فإنّ الهدف هو توحيد الفصائل لتكون تحت أسم معارضة سورية، وهذا عنوان إيجابي في الشكل، ويعطي الأمل أنّ الحلّ في سورية سياسي، ولكن من دُعي إلى المؤتمر هل يمثل الشعب السوري بالفعل؟ وهل من سيكون في المؤتمر سيلقي كلمات تهتمّ بالشأن السوري أم أنّ المؤتمر هو لممثلي دول تحالف العدوان على سورية؟ بحسب تجاربنا السابقة مع هذه التشكيلات، فإنّ المعارضة السورية في الخارج بمجملها تتحدّث بالنيابة عن الدول المشغّلة لها، وهذا ما كان يحدث أثناء اجتماعاتهم الداخلية حيث يطلقون على بعضهم البعض الأوصاف بين من يمثل قطر وآخر يمثل تركيا ومنهم من يمثل «إسرائيل»!
وإذا رفض المؤتمر الاحتكام الى صناديق الاقتراع وغرّد خارج السرب الدولي الذي لم يعد اليوم يتحدّث عن حلّ الحكومة وتحديد مهلة للرئيس الأسد لتسليم الحكم إلى هيئة انتقالية وحلّ الجيش السوري، كما طلب هيثم المالح في إحدى خرافاته! وإذا ما أصرّ المؤتمر على رحيل النظام فهو بهذا يلغي الطرف الآخر الذي في الأصل عُقد المؤتمر الأول في جينيف للحوار معه، وهذا بحدّ ذاته ينسف هدف المؤتمر الذي يضع عنوان معارضة موحدة للحوار في «جنيف 3» أو «نيويورك 1».
وإذا كان السعي من المؤتمر تبديل أسماء الفصائل الإرهابية التي طالما قتلت ونكّلت بالشعب السوري وتقديمها كقوى ثورية فهذا يعني أنّ وجود ممثل لـ»داعش» في هذا المؤتمر أمر غير مستبعد، وهذا ما يرضي السعودية التي ما زالت تجد في «النصرة» قوة ثورية رغم أنّ «النصرة» موجودة على قوائم الإرهاب، وبالرغم من أنّ تلك الفصائل تعلن الولاء لـ»القاعدة» والظواهري وترفع أعلام الإرهاب حيث توجد.
وإذا كان الهدف من المؤتمر وقف إطلاق النار فمن الفصيل الذي يستطيع إعطاء الأمر لهذه الفصائل المجتمعة أن تعلن وقف إطلاق النار للانتقال إلى العملية السياسية.
وبعيداً عن هذه الاحتمالات لنتائج المؤتمر يبقى السؤال الأكبر… هل هذه الفصائل بالفعل تمثل الشعب السوري وتمثل تطلعات السوريين، وإذا كانت بالفعل كذلك، فمن الذي يحتضن الجيش السوري ويدعمه على الأرض بالفعل؟
ما يريده مؤتمر الرياض هو تشريع وجود الجماعات الإرهابية ومحاولة لتغطيتها سياسياً وضمان مستقبل لها، ولكن نسي المؤتمر أن يضع من ضمن عناوينه إخراج المقاتلين الأجانب الذين نقلوا إلى سورية بطائرات عربية وبتمويل سعودي وعبر الشريك التركي للإرهاب الدولي.
يعلم المتابع للفصائل المعارضة وعلى رأسها ما يسمّى ائتلاف الدوحة أنّ هذه الجماعات لم تدِن في يوم من الأيام الإرهاب والعمليات الإرهابية التي كانت تطال المدنيين في سورية، وكان يسمّيها في بعض الأحيان عمليات عسكرية حتى قصف المستشفيات كان هذه الائتلاف يعتبره إنجازاً عسكرياً، وهذا في القانون الدولي يعني أنّ الائتلاف يدعم الإرهاب إعلامياً على الأقلّ.
وإذا ما كان لدى الرياض النية لإنجاح هذا المؤتمر فعليها أن تعود إلى التصريحات الأميركية والفرنسية والأوروبية بشكل عام وعلى الرياض أن تستبدل جدول الأعمال وتستبعد من المدعوّين من يحمل شهادة إرهابي مع «مرتبة الشرف»! وخصوصاً الذين أعلنوا الولاء لـ»القاعدة»، فلا يعني اختلافهم أو خلافهم مع «داعش» على النفوذ على أرض هنا أو موقع هناك أنهم لا يشبهون «داعش» ولا يقومون بنفس أفعاله، فهل قصف جماعة زهران علوش لدمشق وشوارعها واستهداف المدنيين الآمنين هو عمل عسكري أم إرهابي؟
إنّ الدخول في التصنيفات الإرهابية ينحصر بعنوان واحد: كلّ من تعامل مع قوة خارجية واستمدّ الدعم المادي منها، وكلّ من قتل أو اعتدى على البنية التحتية للدولة السورية هو إرهابي، وأيّ سلاح في سورية خارج إطار الجيش السوري هو سلاح إرهابي، ولا يحق لأحد استدعاء قوة خارجية أو التعامل مع الدول إلا الحكومة الشرعية، وإلا لكان كلّ معارض في أيّ بلد يستدعي قوة أو دولة لتحارب معه، وبذلك تسقط كلّ المواثيق والمعاهدات الدولية، وعلى المعارضة إذا كانت تمتلك الحدّ الأدنى من الانتماء الوطني أن تستغلّ منبر الرياض وتدعو الى الحوار السياسي وتطلب من الدول كافة وقف دعم التسليح للجماعات المسلحة والدعوة إلى توحيد الصفوف خلف الجيش السوري لمحاربة الإرهاب إذا ما كانوا صادقين في ما يدّعون أنهم يعملون من أجل الشعب السوري، فالقوانين السورية تعاقب بالإعدام كل من تعامل مع الكيان الصهيوني، فهل الرياض مستعدّة لتسليم المتعاملين مع هذا الكيان للدولة السورية؟
نحن أمام مؤتمر هدفه تمديد الحرب على سورية إذا ما بقي على ما أعلنته الخارجية السعودية.