الثابت والمتغيّر

د.نسيب أبوضرغم

تثير مبادرة الرئيس سعد الحريري لتبنّي ترشيح الوزير سليمان فرنجية، الكثير من المواقف والتحليلات، ذلك أنّ توقيت طرح المبادرة، والشخص المعني بها، والذي هو الوزير فرنجية، يعطي هذه المواقف أبعاداً لا تقتصر على الداخل اللبناني بل تتعداه إلى حسابات إقليمية، ودولية ذات علاقة مع الواقع اللبناني.

لقد أثار الترشيح لجهة ارتباطه بقانون الانتخابات النيابية، موضوع ما هو ثابت وما هو متغيّر في الدولة والمجتمع اللبنانيين.

ولأنّ ثنائية الثابت والمتغيّر هي جزء من الكينونة السياسية والدستورية والقانونية للبنان، بات من الضرورة بمكان إلقاء الضوء على ثابت الحياة السياسية اللبنانية ومتغيّراتها.

بدءاً، لا بدّ من الاعتراف بأنّ العقول المخططة لموضوع ترشيح الوزير فرنجية، قد كسبت نقطة مفصلية وذكية جداً في محاولة الإمساك بالسلطة في لبنان، وهي على كلّ حال عقول أميركية.

أما الوجه المفصلي منها، فإنها أحدثت اهتزازاً واضحاً بين قوى 8 آذار، وربما ذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك.

وأما الترجمة السياسية لذلك فهي منح الثابت، والذي هو المعادلة الطائفية المذهبية لفريق 14 آذار، وإعطاء المتغيّر الذي هو ولاية رئاسية إلى 8 آذار.

المعادلة تقول التالي: خذوا من عمر السياسة اللبنانية 6 سنوات في رئاسة الجمهورية، ولنأخذ نحن عمر لبنان السياسي كله عبر إمساكنا بالمعادلة الطائفية التي تضمن استمرارنا بالأكثرية النيابية وبرئاسة الحكومة، وبالتالي وضع اليد على الصيرورة السياسية اللبنانية وبذلك يتمّ لقوى 14 آذار وضع حدود الحركة ومضمونها.

كل شيء يتغيّر في لبنان، إلا التركيبة الطائفية فيه، دولةً ودستوراً وقانوناً، وهذا الثابت، هو المتحكّم بالنتيجة بكلّ المفاصل الأساسية للسياسة اللبنانية، وما رئاسة الجمهورية غير موقع دستوري معتقل في هذا السجن الطائفي الكبير الذي هو لبنان، كائناً مَن كان الرئيس.

لماذا تمّ طرح المبادرة في هذا الوقت بالذات؟

أما لجهة التوقيت، فيبدو أنّ علامات الأزمنة تشي بأن متغيّراً نوعياً قد تحقق على مستوى المشرق، عبر الدخول الروسي العسكري الواسع، وما يعني ذلك من فرض معادلات جيو-سياسية جديدة، راهن الحلف الصهيو – أميركي على إبعاد حصولها عبر العمل على تفتيت وحدة سورية أرضاً وشعباً ودولةً، وبالتالي فرض «السلام» اليهودي على كامل المنطقة. هذا الدخول الروسي وبالتنسيق مع الوجود الإيراني، راح يستفز الولايات المتحدة و»إسرائيل» قبل ذلك، حتى صرّح وزير خارجية أميركا كيري مهدّداً بفرض عقوبات قاسية إذا ما استمرّت روسيا وإيران بدعم سورية.

وسط هذا المسار الاستراتيجي الجديد في المشرق، رأى رعاة 14 آذار أنه لا بدّ من استباق المحظور، والعمل على ضمان بقاء 14 آذار ممسكة بالمكامن الأساسية في الدولة اللبنانية، لأنّ بقاءها يعني استمرار الاتجاه التاريخي المعادي للداخل السوري وللمقاومة، وهذا البقاء لا يتحصّن إلا عبر مقايضة مع الفريق الآخر.

لقد نجح العقل المدبّر باختيار الوزير سليمان فرنجية، كاسم يبدو بأن مجرد طرحه يشكل تنازلاً أساسياً من فريق 14 آذار، ويستتبع بالتالي الموافقة من هذا الفريق على الإبقاء على قانون 1960 أو ما يشبهه. القانون الذي يحدّد الأهداف التالية:

أولاً: القبض على السلطة التنفيذية.

ثانياً: تأمين الأكثرية النيابية.

ثالثاً: الإمساك عبر ذلك بالسياسة الخارجية والمالية للدولة.

رابعاً: استمرار الهجوم على المقاومة من خلال السلطة التنفيذية والتشريعية عبر الأكثرية النيابية الموالية.

خامسا: إبقاء لبنان منصّة لإطلاق المقذوفات السامة نحو الداخل السوري.

سادساً: الجهوزية التامة للانقضاض على أيّ إجراء يخالف توجهات 14 آذار التي رسمت لها منذ 2005.

ليست المسألة في انتخاب رئيس، بل في كيف نصنع مستقبل لبنان. قبل سنة ونصف كان عندنا رئيس، وأتى بإجماع المجلس النيابي، هل استطاع أن يقدّم شيئاً يُحسب في ميزان المستقبل اللبناني؟ إذاً، ليس الموضوع وجود رئيس أو عدمه بقدر ما هو مستقبل واعد جديد مفتوح على الاستقرار والوحدة، أم مستقبل يجترّ الماضي ويستعيد مآسيه.

لقد طرح السيد حسن نصرالله موضوع السلة المتكاملة للحلّ، وهذا الطرح يشكل قاعدة منطقية للبحث في مستقبل الجمهورية والبلد، السؤال:

لماذا قفزت المبادرة التي يحملها الرئيس الحريري فوق هذا الموضوع، واكتفت بالبنود الثلاثة: رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة، وحكومة وحدة وطنية؟ أليس المطلوب إبقاء الدور والوظيفة للنظام الطائفي في لبنان؟ الدور والوظيفة في إبقاء هذا البلد جرحاً مفتوحاً في خاصرة الشرق وذلك بالإبقاء على نظامه الطائفي؟

ماذا يمنع فريق 14 آذار من أن يكرّر السلوك ذاته الذي اتبعه مع الرئيس إميل لحود، سواء في المقاطعة، أم في القفز فوق صلاحياته الدستورية؟

طالما أنّ هذا الفريق قد مكّنه قانون 1960 أو شبيهه من مكامن السلطة في لبنان.

لقد جرت إحالة مشروع قانون الانتخابات على لجنة أنشئت خصيصاً لدراسته، وهي تعمل على الطاقة البدائية، في وقت تجري عملية إتمام انتخاب رئيس للجمهورية على طاقة عالية، وكلّ ذلك بغاية فرض أمر واقع بانتخاب رئيس، وتبقى اللجنة تدرس القانون، ربما للاستحقاق الرئاسي الثاني.. وهكذا دواليك.

إنّ النظام الطائفي اللبناني المحروس بقانون الانتخاب الطائفي، حاجة مطلوبة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج والقوى الطائفية والإقطاعية اللبنانية. هذا النظام الجاهز دائماً لتلبية طلب التفجير ساعة يريد الأميركي وطلب فتح الجرح في الخاصرة الشرقية. هذا النظام الذي لم ينتج إلا الضعف للدولة، حتى حدود العجز عن حماية الماء والأرض والثروات، بناء عليه سوف يبقى مطلب بقاء النظام الطائفي وقانونه الانتخابي مطلباً دائماً لأعداء لبنان، كما سيبقى إسقاطه المطلب – الحلم لشباب لبنان.

ثقتنا كبيرة وراسخة في العماد عون والوزير فرنجية في أن يرفض كلاهما البحث في انتخاب رئيس جمهورية خارج السلة المتكاملة.

.. وإلا سيكون لأحدهما المتغيّر والزائل، وسيبقى للآخرين الثابت والدائم. وسيكمل لبنان مسيره نحو المجهول المفخّخ، كما علّمنا التاريخ…

برئاسة جمهورية تأتي وتمضي كما سابقاتها، وطائفية بنظام، أتت وتبقى برأسمالييها وإقطاعييها وسماسرتها، وتجارها وحروبها…

طائفية قد تصبح قضاء وقدراً للبنانيين.

معراج الخلاص: جيش وشعب ومقاومة، فلتصمد هذه المعادلة!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى