طبخة الحصى الإرهابية…!

علي قاسم

رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية

إذا لم يحضر «داعش» بصفته الاعتبارية إلى الرياض، فإن «النصرة» ستحضر شخصياً واعتبارياً، والفارق بين الحالين يساوي في محصلته النهائية الصفر أو يقترب من ذلك، خصوصاً أمام مبازرة رخيصة طَفت وتطفو على السطح، وسط حالة من تغييب العقل والمنطق بدأت عندما أُوكلت للسعودية مهمة توحيد التنظيمات الإرهابية ليكون لها وفد موحّد إلى المفاوضات.

لن نكتفي بما قاله البعض بأنّ توكيل المهمة للسعودية كان إهانة لمن يسمّون أنفسهم معارضة، على اختلاف تسمياتهم ونماذجهم، من اليمين إلى اليسار.. ومن المرتزق إلى الإرهابي وصولاً إلى الخائن، مقابل حفنة من مال أو بيع قسط من الوَهْم، بل الإهانة لكل من يتوّهم أو يعتقد أن بمقدور السعودية أن تنتج أو تختار يوماً أشخاصاً قادرين على الحديث في الحلّ السياسي، أو مؤهَّلين بنيوياً وفكرياً وعقلياً للخوض في غمار البحث عنه على أيّ طاولة كانت.

فالسعودية ستختار مَن يُشبهها، ومن يتوافق معها في الفعل والممارسة والرأي، ولا نعتقد أن هناك من يتوه عمّا تريده السعودية ولا عمّا تمارسه من نشر للفكر الوهّابي، وحتى الألسن التي ظلت متواطئة بالصمت على الارتكابات السعودية تعود إلى الحديث، وليس آخرها ألمانيا، التي رفضت تقرير استخباراتها.. لتعود على لسان وزراء داخل حكومة ميركل وتقول إنّ زمن التغاضي عن السعودية قد ولّى!!

الأنكى من ذلك، أن يأتي الحديث الأميركي عن إنجاز الوفد الموحّد قبل أن يبدأ الاجتماع، وهذا لا يحتاج إلى تفسير ولا إلى شرح ولا إلى تأويل أو محاججة، لكن فقط إلى طرح سؤال: لماذا الاجتماع في الرياض إذاً..؟!!

بغضّ النظر عن أي إجابة قد تأتي في إطار المحاصصة السياسية أو الفكرية أو النفسية، فإن الاستنتاج المباشر يقود إلى الجزم بأن أميركا تريد أن يكون المنتَج سعودياً، وأن يتم تظهير ما فيه من إرهابيين تنظيماً وفكراً وممارسة على أنه جاء بصياغة سعودية، وأن أي مساءلة على محاولة تبييض صفحة بعض الإرهابيين أو تبرئة بعض التنظيمات الإرهابية المشمَّلة على اللائحة الأميركية تتحمّلها السعودية، حتى لو كان الأمر برعاية أميركية بحتة وبتنسيق مسبق، بل بأمر عمليات لا يقبل حتى النقاش.

المهزلة أن الطبخة السعودية ليست طبخة حصى فحسب، بل حصى مشبعة بالإرهاب، إنتاجاً وتحضيراً وتمثيلاً، وهي لن تُهضَم، وهذا لا يعود إلى أنها لن تنضج يوماً، بل لأنه من المستحيل أن تهضمها أو تغيّر في طبيعتها كل مليّنات الكون، بما فيها فاتح الشهية الأميركي الذي يقدم وصفاته الخفية صباح مساء، ويسطر رسائله البينية بُعداً وقُرباً، حسب المشهد، ومن دون أن يسحب أوراقه المفرودة على الطاولة وتحت الطاولة.

في المعيار البسيط، تبدو المنطقة أمام مشهد «سوريالي» من النوع النادر، حين تصبح المعايرة على مقاس داعمي الإرهاب ومنتجيه، وحين يتحوّل الفهم للحلّ السياسي على أنه مجرد مقاسات تكبر أو تصغر حسب تموضع بعض المرتزقة والأُجراء، حيث لا فرق كبيراً بين من حضر سواء أكان يميل برأسه إلى اليسار أم يخطو بقدميه نحو اليمين، وهذا ليس افتراضاً ولا هو استنتاج، بل واقع تؤكده كل المعطيات، وتجزم به النتائج المسبقة للاجتماع، وليس غريباً أن تدحضه الخلافات على فتات الغنيمة وما يتناثر من مبازرة ومتاجرة على تسويات أُتخمت بها أروقة الاجتماع وما قبله.

لا نستطيع أن نعوّل على الوَهْم من جديد حتى لو كان هناك مَن يبيع فيه ويشتري، ولا نركن لجملة من الاستطالات المريضة في عقل الأميركي والغربي معه حول افتراضات كاذبة وحالة نفاق مستمرّ، رغم شعارات لا تتوقف عن الادعاء بمكافحة الإرهاب، بينما العدوان الموصوف سمة لا تتغير ولا تتعدّل بتعديل كفّة موقف هنا أو سحب حديث من هناك، فالمعادلة بطرفيها قائمة على جوهر العلاقة بين الإرهاب ومنتجيه وداعميه وأرصدته في حسابات الغرب ومنافقيه.

يصعب على طبخة الحصى السعودية أن تؤدي إلى أي مكان، وهذا ليس رأينا ولا هو موقفنا، بل هي استنتاجات أقرب المتابعين والمراهنين، وفي كل الحالات تكشف حيّزاً من سياق اللعب بمصير الشعوب، ومهاترات النطق والتمثيل له، وهذا ما يزيد من الثقة في إطلاق أحكام مُسبقة على نتائج لا يمكن أن تكون أبعد من إضاعة وقت إضافي في محاججة بين راعي الإرهاب العالمي ومنتجيه الصغار ووكلائه المعتمَدين على نار تبدو متأججة، لكن لا يمكن لها أن تعيد إنتاج الخلط الحاصل ولا أن تبيّض صفحة مَن اسودّ وجهه وتلطّخت يداه.. فالسعودية ليست مؤهلة.. ولا يمكن أن تكون أهلاً إلا للإرهاب قديمُه وجديدُه..!!

تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى