المشاركة هي الأرقى مسرحيّاً والارتجال يثير المخيّلة والإبهار اللونيّ يُغني العرض

اللاذقية- بشرى سليمان

مسرح الطفل أحد الروافد الأساسية لتشكيل وعي الطفل والحوار معه وصوغ أفكاره كي تكون لبنة في شخصيته وسلوكه مستقبلاً، فالأطفال خامة مهمة في المجتمعات تستطيع التأثير فيها وتوجيهها من خلال الصور والأفكار.

حول هذا الشأن يشير المخرج المسرحي الدكتور محمد بصل إلى أن العنصر الرئيسي في فن مسرح الطفل هو النص، فكثيراً ما يلجأ العاملون في مسرح الطفل إلى نصوص بسيطة مثقلة بالمواعظ والنصائح وبعض الدروس المسلكية التي يسمعها الطفل في البيت والمدرسة، وبالتالي فإن تقديمها على خشبة المسرح على نحو تقليدي ومباشر وخالٍ من المقومات الفنية والإبداعية قد لا يتفاعل معها الطفل وقد يؤدي إلى نتائج سلبية تماماً، فيما يظن الآخرون أنهم يراعون القيم الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية للأطفال. هناك من يعتبر المسرح هدفاً، وثمة من يعتبره فناً من الفنون الجميلة. عرف المسرح قديماً بالدراما وهي كتابة في النثر أو الشعر مهيأة لأن تمثل على خشبة المسرح وتتضمن قصة تحتوي على الحوار والفعل وتمثل بإيماءات مرافقة وملابس ومشاهد تمثل تماما الحياة الحقيقية. وهذا التعريف وإن تطابق مع مفهوم المسرحية فإن للأخيرة سمات وخصائص تنفلت من إطاره وتتجاوزه إلى فضاءات أرحب يستطيع أن يدركها من اطلع على المسرح بوصفه درساً في الأدب فحسب. ثمة خلط بين كلمتي المسرح والدراما»، موضحاً «أن الحديث عن المسرح الذي يستهدف الأطفال من سن الخامسة حتى سن الخامسة عشرة يستلزم الوقوف عند جملة من المفردات الخاصة بعلوم النفس والاجتماع والفلسفة، فالفضاء المسرحي هو ذاك الحيز الواسع والمتداخل الذي يضم في ثناياه مختلف القواعد والأعراف والطقوس، ومداه أبعد وأوسع من الخشبة»، معتبراً «أن المرحلة الأولى في رحلة البحث عن نشاط جمالي نطلق عليه اسم مسرح الطفل هي مرحلة اختيار النص مع كل ما تتطلبه هذه المرحلة من جلسات عمل جدية ودؤوبة. ألفنا في نشاطنا المسرحي أن المخرج هو من يختار النص وهنا تكمن خطورة هذه الخطوة. وتابع لعل أهم خطوة على مخرج المسرحية القيام بها هي اختيار النص في ورشة بحث وهنا لا بد من مراعاة الفئة العمرية والاجتماعية والثقافية للأطفال الذين يستهدفهم هذا النص فأول مقومات نجاح العرض المسرحي، البنية الحكائية التي تتضافر العناصر المسرحية جميعها لتقديمها، وغالباً ما يلجأ المخرجون في مسرح الطفل إلى الحكايا المنمطة التي يسمعها الطفل من والدته وجدته ومعلمته، وبالتالي فإن تقديمها على المسرح محكية على ألسنة الممثلين لن يكون ذا فائدة إلاّ بحكم الطاقة الإبداعية التي يجب أن تتوافر في الفريق المسرحي برمته».

يؤكد الدكتور محمد على ضرورة التدقيق في الفئات العمرية التي يستهدفها العرض، موضحاً أن المرحلة الواقعية يمكن أن تكون للفئة العمرية خمس سنوات إذ تقدم إليهم مسرحية تركز على الحركة وعالم الحيوانات والعرائس، ولا بد من الاعتماد على الألوان والأشكال والإضاءة والتشويق، بينما تكون الفئة العمرية ثمانية أعوام هي مرحلة الخيال المنطلق واستثارة قدرات الطفل في الارتجال، سواء في خلق المواقف أو في إبداع اللغة، أو في أداء الحركات. ومرحلة البطولة تستهدف فئة الثلاثة عشر عاماً وما بعد. وهنا لا بد من التركيز على البطولات الجماعية والابتعاد عن البطولات الفردية التي لا توصل صاحبها إلى بر الأمان».

كما يعتبر أن المسرح فرجة لها سماتها وخصائصها ومقوماتها، إنّما يبقى الإبداع الجمالي موجه ذلك كله، فالإبهار في الديكور أساسي والزركشة والألوان في الملابس من دون مبالغة ضرورية والإضاءة التي تلعب دورا بارزا بالإضافة إلى المكياج والأقنعة والموسيقى. وفي مقدم تلك العناصر يأتي دور الممثل الذي يجب أن يدرك أنه يتوجه إلى الفئة الأصعب في حياته المهنية، «فالحركات الرخيصة وتقليد الأصوات واستمالة الطفل بمخاطبة عواطفه أو ضحكة بطريقة مجانية لا تساعد في كسب أفكار الطفل ولا تخدم المسرح»، مشدداً على معاملة الطفل بوصفه شخصاً له مفاهيمه الخاصة للأشياء، فضلاً عن جدية الممثل واحترامه فن المسرح كي يتمكن من جذب هذا الطفل ويدخل معه في لعبة المشاركة وهي من أرقى أنواع اللعب المسرحية ويجب أن نتوقف عندها طويلاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى