هل تُلاقي سلة نصرالله السلة الإقليمية؟

روزانا رمّال

يبدو أنّ شهر كانون الأول هو شهر السياسة والاتصالات الدولية والمشاورات وحركة الطائرات الديبلوماسية هبوطاً وصعوداً بين العواصم، مع حركة مكثفة من اللقاءات المتسارعة. وبغضّ النظر عن مقارنة عوامل هذا التحول ومواطنه بالتأثير الذي أرخته روسيا بدخولها المنطقة على خط المواجهة، وهو السبب الأساسي لتيقن الدول الكبرى لبعض الأمور والتوقف عندها، إلا أنّ الأهم من كلّ ذلك هو أنّ الدول الكبرى تعرف جيداً أنّ القوى السياسية الأميركية، بإدارتها الحالية وأجهزتها السياسية والأمنية تدخل بداية العام مرحلة من التركيز الكبير على دخول عام الانتخابات الرئاسية التي ستتوالى على الولايات الأميركية حيث يحتدم السباق التنافسي وترتفع أصوات البرامج ويغيب الحدث الشرق الأوسطي عن روزنامة واشنطن، لجهة الدخول في أي ابتكار جديد للتصعيد الخارجي. وعلى هذا الأساس كان لا بدّ من وضع الملفات على سكة الحلّ السياسي، وإن كان حلها سيأخذ وقتاً، كما أنّ استعجال الإدارة الحالية بقيادة أوباما في تقديم إنجاز للحزب الديمقراطي يمكن البناء عليه قد يكون فكرة مهمّة من أجل الفوز في الانتخابات، وعلى هذا الأساس قد يرفع الحزب الديمقراطي سلم أولوياته في السنة المقبلة لوضعه تحت عنوان تسريع الحلول السياسية مع جهود أوفر للقضاء على الإرهاب، مع تلازم وتكامل المسارين .

نقاشات مطوّلة بين وفد أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام في مسقط مع المبعوث الدولي اسماعيل ولد شيخ أحمد تمّ فيه بحث التحضيرات للحوار اليمني ـ اليمني المزمع عقده في سويسرا هذا الشهر. وقد تحدّث الناطق الرسمي باسم أنصار الله محمد عبد السلام عن أجواء المحادثات مع المبعوث الدولي وفريقه كاشفاً أنه تمّ البحث عن سُبل وقف إطلاق النار وما يليها من خطوات بناء الثقة، مؤكداً الانفتاح لإجراء حوار جاد ومسؤول، مع مؤشرات سعودية تؤسس الأرضية لمفاوضة أنصار الله وتحريك العملية السياسية كشفها تعيين عبد الملك المخلافي وزيراً للخارجية اليمنية وهو الذي يحمل ميولاً ناصرية قديمة وكان قد شغل منصب الأمين العام للتنظيم الشعبي الوحدوي الناصري بين عامي 1982 و1984 والذي اعتبره مراقبون طرفاً مقبولاً في المفاوضات أكثر من رياض ياسين.

الملف السوري الذي يمكن التأسيس عليه في كلّ تغيير منشود يتحرك أيضاً عبر البحث وإعلان نيات عقد اجتماع جديد بعد «فيينا» الأخير من أجل استكمال البحث، مع ما رافقه من محاولات سعودية لتوحيد المعارضة السورية في الرياض في محاولة منها لحجز دور في التسوية. وضمن هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنّ نيويورك قد تستضيف في 18 كانون الأول اجتماعاً دولياً بشأن سورية عقب لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قائلاً: «تحدثنا عن سورية والحاجة إلى مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار عندما نستطيع تحقيق ذلك، أما خطتنا فهي المحاولة والحضور وعقد اجتماع في نيويورك.

وامتدّ الهدف الذي تنشده الولايات المتحدة للاجتماع حول الملف السوري ليصل إلى لبنان في مساعٍ حريرية لحلّ ملف الرئاسة، لكنّ هذه المحاولة التي شابها الكثير من الأسئلة، لكن كانت لها إيجابية وحيدة ومجمع عليها قبل الغوص في تفاصيلها وهي تحريك المياه السياسية الراكدة في البلاد. الحريري الذي لم يعلن حتى الساعة ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في تردّد غير مفهوم، يوحي بأنه تبنى فكرة طرح فرنجية انسجاماً مع متغيرات إقليمية ودولية، باريسية تحديداً، حيث بات من المؤكد أنّ الطرح هو محاولة للدخول على الملف السوري فرنسياً، بدءاً من لبنان حيث يسهل على فرنسا الحركة وإعلان التغيير والتقارب المنشود مع دمشق تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

لا شكّ في أنّ ترشيح فرنجية هو جدية طارئة أوحى بها الحريري، لكن يؤكد عليها تلازم التقدم بملفات التحضير للتسويات اليمنية والسورية لتأتي اللبنانية كلها في الشهر نفسه، وربما ترخي بعض التطمين داخلياً. وترافقت هذه الأجواء مع مناقشات روسية وإيرانية مشتركة تصبُّ في الخانة نفسها، بين وجهات النظر حول آفاق حلّ الأزمة في اليمن وفي سورية وحتى لبنان، حيث يفترض أنّ إيران وروسيا ليستا وراء التسوية فيه، وقد جاء اتصال بين بوغدانوف وحسين أمير عبد اللهيان أشارت إليه الخارجية الروسية ليؤكد صدى الطرح جدياً، حيث تمّ التطرق إلى الوضع في لبنان في سياق الاتصالات بين اللبنانيين حول مسألة انتخاب رئيس للجمهورية.

تلازم البحث في الملفات الإقليمية الثلاثة، يؤكد أنّ فتح ملف الرئاسة في لبنان قد تمّ جدياً، بغضِّ النظر عن نجاح فرنجية في كسب الفرصة، إلا أنّ المياه الراكدة في الملف الرئاسي لن تعود إلى المشهد بفشل الطرح لأنّ الحوار اللبناني سيستمر من أجل البتّ بقانون انتخاب مناسب وحلحلة الملفات تمهيداً لانتخاب الرئيس بالتوازي مع حلول للأزمات الثلاث، وإنْ طالت بعض الشيء، ليبقى الأهم أنّ نيات الحلّ وُضعت على السكة، وإذا كان لبنان ورئاسته ضمن سلة إقليمية، فهل تلاقي سلة السيد حسن نصرالله مفهوم السلة الإقليمية، ليثبت بذلك أنه العارف بما لا يعرف سواه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى