الرياض تنوء تحت ضجيج المعارضة السورية ولهاثها للتسوية اليمنية ووقف النار جنون السلطنة يستنفر موسكو وطهران وبغداد لمنع العبث بالجغرافيا والديمغرافيا

كتب المحرر السياسي

تلهث الرياض وهي تركض لملاقاة اجتماع نيويورك الذي دعا إليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول سورية، ولا تزال موسكو وطهران لا تريان له ضرورة، وتسعى الرياض إلى رسم سقف باسم مَن جمعتهم عندها كوفود للمعارضة السياسية والمسلحة وضمّت إليهم تنظيمات تصرّ موسكو وطهران على تصنيفها على لائحة الإرهاب كـ»جيش الإسلام» و»أحرار الشام»، والهدف السعودي إعادة الحياة للشعار الذي مات ودفنه كيري شخصياً، وعاونه في مراسم الدفن نظيره الفرنسي لوران فابيوس، وعنوانه اشتراط عملية سياسية بدون الرئيس السوري، ولأنّ الأميركي والفرنسي ليسا حاضرين يظنّ السعوديون بفرصة الاستفراد لتحديد الوفد المعارض لأيّ حوار ورسم سقف السياسي، لكن لا موسكو ولا طهران توافقان على منح ما يتقرّر في الرياض صفة الشرعية، باعتباره قرصنة على مسار فيينا وسطواً على مهام اللقاء الجامع وتفرّداً بدون تفويض وليست واشنطن وباريس غائبتين بوجود من يمثلهما في لقاءات الرياض التي داخ السعوديون من خلافات اليوم الأول فيها، وتعرّض الاجتماع لخطر الفشل وانسحاب وفود كثيرة مشاركة.

السعودية لم تعد تملك هوامش المناورة التي كانت لديها مع تقدّم خطر الإرهاب الذي تُتّهم برعايته وحمايته وحضانته وتمويله، وعقدنته. وقد بات هذا الخطر يدقّ أبواب عواصم الغرب، وصارت الريبة تحكم التعامل معها بدلاً من الثقة، وربما لولا وفير مالها الذي ينفذ لصنّفت على لائحة الدول المصدّرة للإرهاب وارتاح العالم، لكن مشاكل السعودية لا تختصر بذلك، فوضعها الذي كان مرتاحاً لحربها وأوهامها في اليمن ينقلب عليها وبالاً مع ما يجري على الحدود اليمنية السعودية جعلت وقف إطلاق النار مطلباً سعودياً للمرة الأولى. وهو الأمر الذي يقول المبعوث الأممي إنه صار بحظوظ تختلف عن كلّ مرة. هذه المرة، بعد التوافق بطلب سعودي يمني مشترك للمرة الأولى شرطاً لبدء التفاوض بعدما كان الحوثيون وحدهم يطلبون هذا التزامن وترفضه السعودية.

على مقلب الحلفاء، تتلاقى أزمة السعودية، بمأزق تركي يكبر يوماً بعد يوم في ظلّ الجنون الذي يحكم سلوك الرئيس التركي رجب أردوغان منذ وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدمه على الحدود مع تركيا وأقفل بقوة النار معبَرَي باب السلامة وباب الهوى، ودمّر قوافل الإمداد التركية للجماعات المسلحة، ودمّر مثلها خطوط الفضيحة التركية لأنابيب وقوافل تهريب النفط المنهوب من سورية والمبيع في السوق التركية بشراكة نجلي أردوغان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كما صرّح وزير الخارجية التركي الأسبق يشار ياقيش.

وصل جنون السلطان إلى جعل العبث بالجغرافيا والديمغرافيا واحدة من لعبه المفضّلة خارج أيّ قانون دولي وأيّ أعراف ديبلوماسية، سواء بالتحدّث عن منطقة عازلة في سورية تعلو وتهبط أسهمها في خطاباته، وهو يعلم استحالتها، أو بتموضع عسكري داخل حدود العراق، وفي الحالتين حديث عن مكونات ديمغرافيا شعوب المنطقة بمنطق الأعراق واللعب على أوتار العصبيات. فتارة خطر كردي يجب التنبّه له، وطوراً خطر على التركمان يستدعي التدخل للحماية، ما جعل دول الجوار التركي من البلقان إلى القرم وصولاً إلى القوقاز وقلب آسيا الوسطى تشعر بالقلق وتصطف وراء الحركة الروسية الإيرانية العراقية الرادعة التي تجلّت بالتهديد العراقي المدعوم من روسيا وإيران لإخراج القوات التركية، وبالحركة الديبلوماسية الروسية في مجلس الأمن بالدعوة إلى مناقشة التجاوزات التركية التي صارت لا تُطاق.

في لبنان تراوح التسوية الرئاسية مكانها، فلا تتقدّم ولا تتراجع، والنائب سليمان فرنجية المعنيّ بالتسوية كمرشح رئاسي يتموضع كلياً بين حلفائه، بعدما لمس عجز الطرف المقابل في التسوية الرئيس سعد الحريري عن المجاهرة بالترشيح علناً، رغم طول الانتظار، وعجزه عن تأمين الحدّ الأدنى من تأييد حلفائه، وبمثل حرص الحريري على معسكر الحلفاء يبدي فرنجية حرصاً مقابلاً فيتوجه إلى الرابية لتنسيق المواقف ورسم الخطوات، بعدما أعلن تكتل والتغيير والإصلاح التمسك بالصمت في التعامل مع مشروع التسوية.

صمت حزب الله أثمر وفرنجية في الرابية اليوم

يبدو أن التزام حزب الله بالصمت أتى نتائجه التي عوّل عليها حزب الله نفسه، وأنه في هذا السياق لن يفرّط بأحد من حلفائه ولن يتراجع عن أمرين أعلنهما الأمين العام لحزب الله صراحة، الأول: الثبات على ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وأنه ممر إلزامي لانتخاب الرئيس، والثاني الحلّ بالسلة المتكاملة. وتشير أوساط مطلعة إلى «أن صمت حزب الله يعود إلى أن السلة المتكاملة التي طرحها السيد لم تصل ليناقشها المعنيون داخل الحزب مع مَن يطرحها ويعرضها على مَن يجب أن يقرر فيها وهم مجموعة فرقاء»، وتلفت المصادر إلى «أن حزب الله ليس على استعداد لإحياء ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، فالحل يجب أن يكون وطنياً جامعاً يشارك فيه الجميع ولا يُستثنى منه أحد».

وعلمت «البناء» من مصدر مطلع مقرّب من الرابية أن رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية سيزور اليوم رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. وتأتي هذه الزيارة بعد عودة فرنجية من زيارته الباريسية والجو الذي ساد ما بعد الزيارة والارتدادات التي حصلت. وتكمن أهمية اللقاء في كيفية تعاطي الرجلين مع المرحلة المقبلة لجهة البحث عن مشتركات ووضع خارطة طريق.

وأكد تكتل «التغيير والإصلاح» في بيان تلاه الوزير السابق سليم جريصاتي عقب اجتماع التكتل أن العماد عون «تمنى مقاربة موضوع التسوية الرئاسية بصورة مسؤولة من دون استباق الأمور، وأن ينتهي هذا المسار بانتخاب رئيس للجمهورية»، لافتاً إلى أن «النائب فرنجية قد قال إن «عون هو المرشح الوحيد للخطّ»، معتبراً أن «الصمت سمة المرحلة لدى عون حتى اتضاح صورة ترشيح فرنجية». ونقلت أوساط واسعة الاطلاع «أن النائب فرنجية الذي ظنّ أن الأمور يمكن أن تسير بسهولة تبين له أن الأمور أكثر صعوبة وتعقيداً، وبما أنه ليس متمسكاً بهذه التسوية للوصول إلى الرئاسة بأي ثمن، فقد نقل عنه أنه إذا وضع في موقع عليه أن يختار بين انتمائه لفريق 8 آذار والخط التاريخي الذي اشتهر به، أو الانتقال إلى الحالة الوسطية التي يقول رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط إنه يمثلها، فإن موقفه سيكون واضحاً في هذا الموضوع وهو تمسكه بخطه التاريخي». وعلمت «البناء» أن فرنجية أبلغ جميع الذين راجعوه بما ستكون عليه الأمور بقوله، لا أستطيع أن أقول أو أحدد إلا أمراً واحداً «أني والعماد عون فريق واحد لن نفترق وأنني ثابت في خطي الوطني والمقاوم إلى الأبد».

جعجع يرفض اعتذار الحريري

وعلى صعيد موقف القوات اللبنانية، تصف بعض قنوات الاتصال بين حزب القوات وتيار المستقبل في حديث لـ«البناء» العلاقة بين الحزبين بالمياه التي تكاد تجفّ في الأنابيب، حتى أن بعض المعنيين من القوات يقول إن الخديعة أو الطعن بالظهر التي تعرض إليها جعجع ليست من المسائل التي يتسامح بها أو يعالجها اعتذار. وتشير مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن قنبلة الحريري التي شاء أن يفتح بها طريقه الشخصي إلى السراي ظهرت أنها قنبلة صوتية لم تترك إلا الأثر السلبي في نفوس من فاجأتهم من حلفائه القواتيين والكتائبيين».

لا لقاء للأقطاب الأربعة

وتحدثت أوساط مقربة من بكركي لـ«البناء» عن تناقضات بدأت تظهر حتى داخل البطريركية المارونية، عبّر عنها كل من المطارنة بولس مطر، سمير مظلوم، وميشال عون، مبدية استياءها من ابتعاد هؤلاء عن الكلمة الواحدة وعدم تمكّن البطريرك بشارة الراعي من حسم الجدل حول ملف الرئاسة ومن دعوة الأقطاب الموارنة إلى اجتماع في بكركي». وتنقل الأوساط عن البطريرك تخوّفه من مزيد الشرذمة في صفوف المسيحيين فيقضي على البقية الباقية من بعض وحدتهم»، مشيرة إلى «أن ليس البطريرك من يسمّي اسم رئيس الجمهورية وما يهمه التوافق بين المسيحيين وسيعمل على تقريب وجهات النظر».

وأعلن رئيس حزب الكتائب السابق أمين الجميل من الرابية «أن أيّ دعوة من بكركي لم تصلنا ولا يوجد مشروع من هذا النوع، وعندما يصبح هناك شيء ملموس قد يُعقَد اجتماع»، داعياً «القيادات الوطنية والسياسية والمسيحية إلى تحمّل المسؤولية». وأشار إلى «أن الأمور ليست مسهّلة في الوقت الحاضر والقيادات أمام مسؤولية عدم ترك البلد يتخبط بهذا الشكل».

وطالب الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان برئيس قوي للجمهورية يمثل جميع المسيحيين ويصبح رئيساً لكل اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، رئيس يحافظ على الدستور ويعمل على تطويره من دون الدخول في زواريب السياسة الضيقة ليصبح بمقدوره المحافظة على سيادة الوطن واستقلاله ووحدة أراضيه، وكذلك مواجهة الإرهاب بكل أشكاله، ومواجهة المخططات الإسرائيلية الاستعمارية وتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة كافة. وطالب خلال حفل استقبال أقامته اللجنة المركزية لحزب الطاشناق، في العيد الـ 125 لتأسيس الحزب في فندق متروبوليتان سن الفيل، بقانون عصري للانتخابات يؤمن التمثيل الصحيح لكل مكوّنات المجتمع اللبناني انطلاقاً من حقنا في الشراكة الحقيقية وليس فقط المناصفة الشكلية. قانون تطمئن إليه الطوائف ويزيل هواجس التهميش والإلغاء ويحترم خصوصيات جميع الأطراف والطوائف مهما كبر أو صغر حجمها أو نسبة تمثيلها السياسي.

اجتماع لجنة قانون الانتخاب تقنيّ بحت

إلى ذلك تعود لجنة دراسة قانون الانتخاب إلى الاجتماع غداً الخميس عند الحادية عشرة والنصف لاستكمال البحث في ما بدأته اللجنة أمس في اجتماعها الثاني الذي عقدته بعيداً عن الإعلام، في الصيغ المتعددة لقانون الانتخاب وفي طليعتها القانون المختلط. وبرغم السرية التي أحاط بها النواب عمل جلسة الأمس، فإن مصادر نيابية اكتفت في حديث لـ«البناء» بالقول إن الاجتماع كان تقنياً بحتاً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى