المطلوب رأس المالكي… لماذا؟!
حميدي العبدالله
كشفت صحف أميركية أنّ أكثر من مسؤول أميركي أجرى مشاورات مع التشكيلات السياسية التي شاركت في العملية السياسية أثناء سيطرة الاحتلال الأميركي والغربي على العراق، وأنّ المشاورات تركزت على إقناع هذه الأطراف، لا سيما تكتل «التحالف الوطني» الذي يضمّ الأحزاب والتشكيلات الشيعية، بضرورة استبدال المالكي بشخص آخر، واقترحت على سبيل المثال عادل عبد المهدي وأحمد الجلبي وبيان جبر، على ما أوردت صحيفة «نيويورك تايمز»، لترؤس الحكومة الجديدة، وأنّ «المالكي يجب ألاّ يكون جزءاً من الحكومة الجديدة، إنه المشكلة».
لماذا أصبح نوري المالكي مشكلة وهو الذي ترأس الحكومة العراقية لولايتين أي لثمانية أعوام وستة منها كانت في عهد الاحتلال! ولماذا مطلوب الآن إخراجه من الحكومة؟ هل لأنّ التيار الصدري و«المجلس الإسلامي الأعلى» لا يحبّذان المالكي ولا يريدان العمل معه ويشكوان من إقصائه لهما عن المناصب الرفيعة والحساسة في الدولة، أم لأسباب أخرى، وما هي تلك الأسباب؟ هل لأنه يتحالف مع إيران؟
أولاً، المالكي يتحالف مع إيران منذ وصوله إلى السلطة، وتمّ ذلك برضى الولايات المتحدة وتعاونها، والتفاهم الأميركي ـ الإيراني موجود في العراق عندما كانت العلاقات الأميركية ـ الإيرانية في ذروة التوتر في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد. اليوم الولايات المتحدة تطالب علناً بقيام تعاون أميركي ـ إيراني في العراق، إذن… ليس تعاون المالكي مع إيران هو السبب.
ثانياً، هل تتوقع الولايات المتحدة أن يكون التيار الصدري أكثر تعاوناً معها في العراق؟ إنّ تاريخ العلاقة بين الطرفين يشير إلى العكس، أي أنّ علاقتهما هي علاقات عداء وتناحر، وأعاد السيد مقتدى الصدر بعد اندلاع الأزمة الأخيرة التأكيد على الثوابت التي يؤمن بها، وهي رفضه أيّ تدخل خارجي في العراق، خصوصاً التدخل الأميركي.
ثالثاً، هل عادل عبد المهدي أو بيان جبر أو أحمد الجلبي أكثر قدرة على الانفتاح على القوى أو التشكيلات التي تشكو التهميش؟ هل لديهم من التأييد الشعبي والقوة السياسية والحزبية ما يؤهلهم لإنتاج تجربة حكومية أكثر فائدة للعراق من تجربة نوري المالكي؟ كلا، على الإطلاق، هذا الأمر غير مطروح، ولا يمكن إقناع أحد به.
إذن، ثمة اعتبارات ودوافع أخرى تدفع الولايات المتحدة وحكومات المنطقة إلى استبدال المالكي، وأول هذه الدوافع وأبرزها الموقف الذي اتخذه المالكي من الأزمة التي عصفت بسورية، فهو حذر منذ البداية من حشد الإرهابيين في سورية والرهان على سقوط الدولة السورية، بل كشف النقاب عن أنه دخل في سجال مع الرئيس الأميركي باراك أوباما حول توقعاته بقرب انهيار الدولة السورية في بداية الأزمة.
الولايات المتحدة والدول التي تدور في فلكها مثل تركيا وقطر والسعودية لم تغفر للمالكي ولن تسامحه على عدم التناغم معها، بل لعلّها تعتقد أنه كان سبباً في صمود الدولة والنظام في سورية، وفشل المخططات التي كانت تستهدفها. المواقف التي اتخذها المالكي تشير إلى احتمال أن انتهاج العراق سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة، وهذه من كبرى الكبائر التي لا يمكن للغرب عادةً مسامحة مَن يقدم عليها، ولذلك تسعى الولايات المتحدة مجدّداً إلى ضبط العراق في إطار علاقات التبعية المحكمة من خلال إطاحة المالكي والمجيء برئيس حكومة جديد، مصدر قوته الوحيد هو الدعم الأميركي له!