توطين الفلسطينيين من أهداف التطوّرات العراقية في رأي الرئيس برّي
رامز مصطفى
«القضية الفلسطينية تبقى هي الأساس لكلّ ما يحدث في المنطقة. لأنّ القضية أصبحت في خطر بعد البركان الذي انفجر في العراق، وإن أحد أهداف الذي حدث هو فرض التوطين على الفلسطينيين خارج بلادهم . كلام للرئيس بري أمام عدد من زواره الدوليين في مقره في عين التينة، وهم الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ايرفيه لادسوس، والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، وقائد اليونيفل في الجنوب اللبناني الجنرال باولو سيرّا. كلمات خطيرة في مدلولاتها وتداعياتها، اختارها الرئيس بري بعناية فائقة، وفي توقيت خطير جدّاً، وأمام زوار ليسوا عاديين وعلى قدر عالٍ من المسؤولية والموقع الدولي في الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون.
هل تعمّد الرئيس نبيه بري التهويل على مستمعيه الدوليين في كلامه عن الأخطار التي تواجهها القضية الفلسطينية منذ ما سمي بـ«الربيع العربي» عامة، وما شهده ويشهده العراق من تطورات دراماتيكية أفضت حتى الآن إلى سيطرة غير محسوبة لما يسمى تنظيم «داعش» على مناطق واسعة واستراتيجية على حساب الدولة العراقية المُراد لها أن تتحول إلى دول طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية. وبمعنى أوضح دول ثلاث كردية، وسنية، وشيعية. نتمنى صادقين، إذا أحسن الآخرون العمل، إفشال هذا المخطط؟ وما علاقة توطين الفلسطينيين خارج وطنهم ربطاً بالتطورات الميدانية التي يشهدها العراق؟ بدءاً من موقع العارف والمنحاز للقضية الفلسطينية والمدافع عنها، لا يهوّل الرئيس بري في كلامه أمام زوّاره، بل يحمّلهم رسالة مباشرة إلى المنظمة الدولية وأمينها العام بأن عليكم تحمّل مسؤولياتكم حيال ما يُحضّر للفلسطينيين وقضيتهم المرشحة على التصفية من خلال تنفيذ مؤامرة التوطين وإسقاط حق العودة. أما في الثاني فبلى، ثمة ترابط مباشر بين ما يشهده العراق من تطورات وتجدد الحديث عن توطين الفلسطينيين فيه بدلاً من عودتهم إلى وطنهم فلسطين. علماً أن هذه الفكرة ـ المشروع طرحت منذ عام 1911 عندما اقترح الداعية الروسي الصهيوني جو شواه بوخميل مشروع ترحيل عرب فلسطين إلى شمال سورية والعراق، وقال ذلك أمام لجنة فلسطين التابعة للمؤتمر الصهيوني العاشر المنعقد في بازل في سويسرا، في السنة ذاتها. وتوالت المحاولات الصهيونية على مدار الأعوام 1930 خطة وايزمن و1935 بن غوريون و1943 و1948 المليونير اليهودي إدوارد نورمان ، وقبل الاجتياح الأميركي للعراق وبعده عام 2003 لحضّ الدول الغربية وأميركا على تبني مثل هذه الأفكار والطروحات والعمل على تطبيقها. وفي سياق هذه المحاولات ما سرّبته وسائل الإعلام، إذ قال الإمام الراحل محمد شمس الدين «إنّ القاصد الرسولي ممثل الفاتيكان السابق في بيروت بابلو بوانتي أبلغه عام 1997 أن لدى دوائر الفاتيكان معلومات جدية عن مخطط لنقل مليونين من اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في جهات عدة خارج بلادهم إلى العراق. والجهود تبذل لتأمين الأموال اللازمة بعد تمهيد الجو السياسي». وبالتالي ما كشفه تقرير صحيفة «السبيل» الأردنية عن أن رئيس المجلس الاقتصادي الوطني الأميركي لورانس ليندساي ذكر في توصية له للرئيس جورج بوش أن الرخاء الاقتصادي الذي سيتحقّق في عراق ما بعد صدام حسين سيوفر أكثر من 200 مليار دولار خلال الأعوام العشرة المقبلة، وهذا يغطي أكبر عملية تهجير وتوطين لملايين الفلسطينيين في العراق. أما رئيسة مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد هدى النعيمي فتكشف أن «المقبور شارون في جميع رحلاته إلى واشنطن ولقاءاته مع جورج بوش كان يطرح بإلحاح ملف ترحيل وتوطين الفلسطينيين في العراق، وكان يطالب التعجيل بالعدوان العسكري الأميركي». وبدوره، مظفر الأدهمي عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد يلخّص موضوع ترحيل وتوطين الفلسطينيين في العراق بفكرة أن اليمين المسيحي المتطرف بزعامة جورج بوش وديك تشيني، واليمين اليهودي المتطرف بزعامة شارون في «إسرائيل» متفقان على تجسيد خريطة «إسرائيل الكبرى»، خريطة تتطلب توطين الفلسطينيين في العراق، في ظل استحالة قبول إقامة دولة فلسطينية في الشرق الأوسط.
وفقاً لتوقعات ومركز الدراسات الفلسطينية في العراق، توقع أن أكثر من مليوني لاجىء فلسطيني يمكنهم الدخول إلى الأراضي العراقية إذا تمت عملية التوطين بصورة مباشرة. ويقول المركز إن العملية ستتم كجزء من حل سياسي للصراع العربي ـ «الإسرائيلي» ليس فيه أي لبس، وإن الحكومة العراقية التي ستقبل ذلك ستشارك في المفاوضات حول موضوع اللاجئين الفلسطينيين وستوقع على اتفاق التوطين.
بناءً على ما تقدم فإن مخاوف الرئيس بري مشروعة ومحقة في ظل ما يشهده العراق من تطورات خطيرة متزامنة مع جهود أميركية حثيثة لفرض رؤية لتسوية على المسار الفلسطيني لا تأخذ في الحسبان تنفيذ القرار 194 المتعلق بحق العودة، هي التي امتنعت منذ التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993 عن التجديد لهذا القرار تحت ذريعة أنها لا تريد أن تبدو متدخلة في المفاوضات بين الفلسطينيين و»الإسرائيليين»! وبالتالي فإنها، أي الإدارة الأميركية، وجدت في موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على ترحيل التفاوض حول العناوين الأساسية بما فيها ملف اللاجئين وحق العودة إلى مفاوضات الحل النهائي بعد خمس سنوات على توقيع اتفاق أوسلو الذي مضى عليه حتى الآن عقدان من الزمن. وتسلحت الإدارة الأميركية بالعديد من الرؤى والوثائق التي جعلت من حق العودة عرضة للخطر وثيقة أو مازن بيلين نسيبة آيالون جينف . ومثلت المبادرة العربية التي لم تتحدث صراحة عن تطبيق حق العودة وتنفيذه، بل عن حل متوافق عليه بين السلطة و»الإسرائيليين»، الضالة المنشودة التي تبني عليها مع «الإسرائيليين» مشاريعهم وخططهم لتصفية حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها عام 1948، من خلال توطينهم خارج وطنهم. والعراق راهناً هو النموذج الأمثل لتحقيق هذا الهدف، لجملة من الاعتبارات وضعتها أميركا والغرب الأوربي والكيان الصهيوني، منها أن العراق بخيراته الوفيرة والنفط يغطي نفقات عملية توطين الفلسطينيين، وهو بالتالي يتمتع بمساحات كبيرة جداً تستوعب هؤلاء الفلسطينيين من دون أن يشكل حضورهم على حساب أحد مكوّنات الشعب العراقي. والأهم أن وجود الفلسطينيين في العراق إلى جانب السنة من شأنه أن يشكل حداً في توغل ما أسموه بـ «النفوذ الشيعي الموالي لإيران»، وليس آخراً أن توطين الفلسطينيين في العراق البعيد عن الأرض الفلسطينية ينهي بؤر الصراع والتوتر الدائمين في المنطقة. ويبقى القول إن هذه المشاريع والمؤامرات التي تحوكها الدوائر الأميركية والغربية والصهيونية لا تجد بالضرورة طريقها إلى التحقيق، خاصة أن النضال والكفاح طوال ما يزيد على ستة عقود من الزمن قدم النموذج الأمثل في التضحية والفداء والذود عن قضيته الوطنية الفلسطينية. وما دام هناك طفل يحمل العلم الفلسطيني ويردد النشيد الوطني الفلسطيني «فدائي»، لن تجد هذه المؤامرات طريقاً لدى الشعب الفلسطيني. سجل التاريخ أن رؤساء وملوك وأمراء وقيادات خانوا وتنازلوا وفرّطوا بالحقوق، لكنه لم يسجل أن شعوباً خانت أو تنازلت أو فرّطت.