السعودية لا تُعاقب «المنار» بسبب فلسطين…

روزانا رمّال

بعيداً عن المقدّمات في نهج قناة «المنار» المقاوم حيث لا حاجة إلى التكرار، لا يمكن التعاطي مع قرار «عربسات» الذي يستهدف حجب القناة عن متابعيها، ضمن إطار العداء القائم دائماً لقوى المقاومة وسلوكها، وخصوصاً لجهة ما تتعرّض له الجبهة التابعة لها من استهداف قديم ومستمرّ سياسياً وفكرياً. وها هو «الربيع العربي» الذي استهدف سورية قد «أبدع» في استهداف الخط المقاوم حتى دمّر الحجر والبشر في سورية.

لم تُعاقَب قناة «المنار» بسبب فلسطين، ففلسطين منسية، حتى من العقوبات، عند العرب والخليجيين تحديداً، وعند بعض الفلسطينيين «المقاومين»، فحركة حماس على سبيل المثال التي تُعتبر واجهة اللعبة الفلسطينية المقاومة لم تعلن حتى الساعة عن امتعاضها من القرار السعودي ــــ الخليجي ضدّ قناة المقاومة التي تفاخرت ببطولاتها وقادتها أمام العالم العربي. فلسطين مَنسيّة، لكنها وإرادة أبنائها مثل «المنار» شعلة لن تنطفئ…

يُلاحظ أنّ القرار السعودي بحجب قناتَيْ «المنار» و»الميادين» عن قمر «عربسات» قد أتى نتيجة اعتراض على تعدٍّ أو تجاوز ارتكبته القناتان في فترة تعود إلى ما قبل خمسة إلى سبعة أشهر من الإعلان عن قرار الحجب، وهي الفترة التي بدأ فيها العدوان السعودي على اليمن، وتحديداً على حركة «أنصار الله» الحوثيون ، ويؤكد هذا حجب قناة «المسيرة» اليمنية، بالتوازي مع حجب القناتين، وهي قناة الحركة الرسمية المُرادفة لـ»المنار» والتي لها دور هامّ بالنسبة إلى «أنصار الله»، تماماً كما هي «المنار» عند حزب الله، كصوت ينقل وجهة نظر الحزب وتحرّكاته وخطابات أمينه العام وإنجازات المقاومة لشعبها وضدّ العدو «الإسرائيلي».

إذاً أصدرت المملكة قرارات في حقّ ثلاث وسائل إعلامية دفعة واحدة وبفترة متقاربة، نظراً لما شكلته القنوات المذكورة من تكامل وتوازٍ في كشف حقائق الحرب على اليمن، وهذا ما لم يكن متوفراً إبّان العدوان «الإسرائيلي» على لبنان، فلم تحظ «المنار» حينها برديف، ولم يكن هناك صوت للمقاومة غيرها، أما اليوم فإنّ القلق الذي يرتاب السعودية ينبع من اتجاهات عدة:

أولاً: لا تريد السعودية أن يحظى التيار الحوثي «أنصار الله» في اليمن بما حظي به حزب الله في لبنان من دعم شعبي ورسمي ما جعل منه بطلاً في عيون العرب وأظهر ضعف «الإسرائيليين»، فكان أول مَن يلقنهم درساً ويرسم لهم حداً. وربما تدرك السعودية اليوم أنه كان من الأفضل محاربة حزب الله فكرياً وإعلامياً منذ ذلك الحين، لئلا يصل إلى ما وصل إليه اليوم، وخصوصاً لما يمثله من امتداد لحلف إيران ونهجها في المنطقة.

تخشى السعودية هذا الامتداد وهذه الشعبية التي بات يشكلها قائد الحركة السيد عبد الملك الحوثي والرمزية التي بات يتمتع بها عند اليمنيين. وهي مشكلة تدرك الرياض أنها لن تُحلّ بختم الحرب على اليمن بحلّ سياسي لأنّ أيّ حلّ سيكون على أساس تقاسم الأدوار بين النفوذ السعودي وبين الحوثيين، لأنّ الزمان الذي كانت تستفرد فيه السعودية قد انتهى.

إذاً، تخشى السعودية هذا التغيير الذي تلحظه شعوب الخليج، وبطبيعة الحال إنّ حجب القنوات الثلاث تقنياً عن «عربسات» هو حجب للمشاهد الخليجي بالدرجة الأولى وليس لجمهور المقاومة، وكأنّ المملكة لا تريد لشعوبها أن تعرف ما الذي يجري من خلال هذه القنوات التي نجحت في دخول بيوتهم، وهذا أخطر ما في الأمر بعد أن استفردت قناتا «الجزيرة» و»العربية» لسنوات بالبيت الخليجي.

لا تأبه السعودية كثيراً لصورتها اليوم، وهذا واضح، فهي تجرأت على اتخاذ قرارات سياسية بحتة أهمّ بكثير من أيّ شعار لا تعيره اهتماماً، مثل رعاية الحريات الإعلامية أو أن تكون في صدارتها، فلدى السعودية قائمة من الانتقادات التي تتعرّض لها بسبب تعاطيها مع مسألة الحريات، وليس آخرها مثلاً عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة.

تتابع السعودية الشأن الإعلامي، عربياً ودولياً، بشكل جيد وهي تهتمّ كثيراً لهذه الناحية بعكس ما قد يُروّج، وعلى هذا الأساس عبثت بالإعلام اللبناني بطريقة منفّرة، فتدخّل سفيرها واعترض عندما أزعجته بعض الصحف اللبنانية وكُتّابها وقدّم اعتراض المملكة على نقل خطاب لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله على تلفزيون لبنان الرسمي، والأحداث المشابهة كثيرة، وقد اشترت السعودية أقلاماً وأنقذت مؤسسات إعلامية من الإفلاس، إضافة إلى أنها اشترت مراكز وسلّمتها لبعض الشخصيات الإعلامية المستفزة تحت مسمّيات مراكز بحثية وأوهمتهم بألقاب وحجزت لهم مكانة في هذا الوسط.

استهداف قناة «المنار» اليوم هو آخر ما بقي للمملكة من الفريق الذي يقضُّ مضاجعها ويكشف خساراتها، وخصوصاً في الأيام القليلة التي سبقت القرار، فالحلف العربي ـ الأميركي في اليمن وشركة «بلاك ووتر»، والمشاهد المذلة التي يظهر فيها الجيش السعودي يومياً على خط الحدود مع اليمن، ولا تجد أخبارها مكاناً في سائر الفضائيات التي لم يطاولها قرار المنع.

يوم التضامن مع «المنار» كان مناسبة لإظهار وحدة اللبنانيين حول قضيتها المحقة، رغم أنّ بعضهم يختلفون مع خطها السياسي، وهذا مهمّ جداً في هذا الوقت بالذات. أما عن أهل المقاومة، فيكفيهم أنّ «المنار» هي مرآتهم مع السيد نصرالله فعبرها يُطلّ عليهم ويُسعد قلوبهم وعبرها أخبرهم الكثير… مثل أنهم غيّروا مصير المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى