النهضة… ولا طريق سواها

بشارة مرهج

من زمن لم يمرّ عليه الزمن وقف الفتى الشويري الأغرّ على ثرى الربوة فرأى أمامه صنين يزهو قوة وسمواً، ثم التفت إلى الأزرق فرأى السفن تردّد صدى السنين ناقلة خوابي الزيت والأرجوان إلى ثغور العالم القديم.

ثم نظر إلى الداخل الذي انطلقت من ربوعه يوماً مواكب الحضارة وأبجديتها فراعه مشهد الفوضى والانقسام في مجتمع أهدى الإنسانية أفذاذاً، واستفزّه حال الاستخواء والخنوع المستشرييْن أوساط الوجهاء والزعماء تجاه الأجنبي الذي نقض العهد واحتلّ الأرض وأعمل السكين في خريطة البلاد، وقدّم على طبق هيرودوس وعداً لليهود موطناً له أصحابه وأولاده وليس له فيه ذرّة تراب.

فكر الفتى الشويري الأغرّ مستشعراَ نعمة الخالق على ذلك المطلّ البديع وقد امتلأ قلبه مرارة، وتردّدت في نفسه نبضات العنفوان: ما الذي جلب الويل على شعبي هذا الويل؟ بل ما هو الطريق لكشف الزيف ودحر الغزاة ورفع الظلم عن قوم شرفاء يفتقدون كياناً يضمّهم أحراراً ودولةً منيعة تحاكي أحلامهم وما كان لهم من صروح في ميادين الفكر والعمران استمرّت عبر التاريخ رغم الويلات والأعاصير منارة للإنسانية جمعاء تنهل من ينابيعه وتهتدي بتعاليمه وتتمثل بحكمائه وتحتكم إلى شرائعه؟

لم يعصَ الردّ على الفتى الحرّ الذي تربّى في كنف أب عالم غيور على الحقيقة وأم محبة رؤوم. كلمة واحدة تردّدت في الثنايا والأحشاء: النهضة ولا طريق سواها لتحقيق الوحدة المفقودة واستنهاض الشعب الرازح تحت وطأة الإقطاع والانتفاع.

لا طريق سوى النهضة بما هي رؤية وعمل منظم ونضال لا يهدأ لتحرير الأرض وتنمية المجتمع وتحقيق العدالة.

فكرة النهضة سكنت فكر سعاده فطاب لها المقام وأنزلها هو منزلة الحياة، فكان اللقاء جميلاً آسراً حتى لحظة الفراق الذي توّج المسيرة الظافرة بالشجاعة والحبّ والعطاء.

فكلّ موقف لا يندرج في مسيرة النهضة هو موقف قاصر، وإنْ تجاوز حدّ الأنانية، فإنه لا يرقى إلى مصاف الدعوة القومية في مرحلة النضال الملزم للقوى الحيّة.

كان مسكوناً بالشأن العام والمصير القومي حيث لا مجال للمهادنة أو المساومة، بل حركة لا تهدأ إعداداً لغد عزيز يشرق على أمة حرة يصنع مستقبلها أحرار تجذّرت أفكارهم وسمت نفوسهم واستوت أفعالهم على عرش الوفاء.

صمّم سعاده على الثورة والإصلاح، وأوّل المهام مع بلورة الفكر وإعداد النواة، مقاومة الاستعمار الذي حطّ في بلادنا واستهتر بأجيالنا، فكما على العلم التركي أن يغادر السراي ولا يرتفع إلا في سفارة على أرض حرة، كذلك على علم الانتداب أن يطوى ولا يستضاف إلا في كنف السيادة، تلك المهام الجليلة بل تلك المهام التاريخية ليست أمنيات وإنما تحدّيات لا يقبل عليها أصحاب المصالح العارضة أو أصحاب النفوس الضعيفة، وإنما أصحاب الإرادة والقرار وأهل النضال والمقاومة الذين يعرفون معنى الحرية والثورة والتغيير.

لذلك قال سعاده: «لا بدّ للنهضة من مؤسسة تحمل فكرها وتدعو دعوتها وتحقق رسالتها، مؤسسة عصرية منظمة تشكل حالة معاكسة للحالة السائدة، تنهض بالمجتمع على طريق الوحدة والتحرير، مسلحة بفهم قومي تقدّمي يناهض التخلف والانحطاط، ويقاوم الانحلال والاحتلال في مسيرة نضالية شاقة لا يصمد فيها إلا المؤمن بجوهر الحياة وسموّ المبادئ وعظمة الحرية.

معركة الأمة التي استشرفها سعاده لا تزال مستمرة في كلّ بقاع الوطن، حيث يستوطن الاحتلال والجهل والتخلف والتسلّط والإرهاب. رحل سعاده لكن حزبه باق، باق على طريق المقاومة وفلسطين. باق على طريق النضال من أجل مجتمع حرّ موحّد لا مكان فيه للغلوّ والتطرف والإرهاب.

واليوم إذ نحيّي روح سعاده في يوم التأسيس نحيّي شهداء الحزب الذين ارتقوا على طريق المقاومة وفلسطين، ونحيّي مناضلي الحزب الذين يجاهدون مع الجيش العربي السوري وأبناء المقاومة وكلّ الأصدقاء من أجل سورية حرة ديمقراطية أبية.

واسمحوا لي ان أحيّي معكم كلّ الشهداء وبصورة خاصة الاستشهادية سناء محيدلي التي ستبقى عنواناً للبطولة والشهادة والعطاء، مستقرّة في وجداننا الوطني والقومي على مرّ الأيام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى