معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 59… فعاليات اليوم الأخير: ندوات وأمسيات شعرية

«البناء»

اختتم معرض بيروت العربي الدولي للكتاب أمس فعاليات دورته التاسعة والخمسين، فيما الأنظار متّجهة منذ الآن إلى السنة المقبلة، ليحتفل النادي الثقافي العربي بستين عقداً من تنظيم هذه التظاهرة الثقافية الأدبية التي تليق ببيروت مدينة الكتاب والحرف والكلمة.

وإذ تنشر «البناء» في عدد الغد تقريراً تقييمياً عن المعرض الذي استمر لـ14 يوماً، فإنها تكتفي اليوم بنشر تقرير عن أهمّ فعاليات اليوم الأخير، التي تنوّعت بين ندوات وأمسيات شعرية.

أمسية شعرية

نظّمت «دار الأمير» أمسية شعرية شارك فيها الشاعر محمد علوش الذي قرأ مختارات من ديوانه «سراج الحكي»، والشاعر محمد بنوت في مختارات من ديوانه «مزاج الغيم»، وقدّمت للأمسية الزميلة لمى نوّام، كما شهدت الأمسية إلقاء قصيدة من قبل الشاعر أنطوان سعادة، وسط حضور حشد من متذوّقي الشعر والمهتمين.

كما نظّمت «مؤسّسة القدس الدولية» نشاطاً للأطفال بعنوان «القدس حكايتي»، تضمّن مسابقات وهدايا وعروض حكايات قدّمها الحكواتي خالد النعنع، وأناشيد أدّاها المنشد بسام صبح.

«ألهمتني فغرّد قلبي»

نظّمت «دار الفارابي» ندوة حول ديوان «ألهمتني فغرّد قلبي» للصحافي علي حورية، شارك فيها النقيب الياس عون، والنقيب محمد البعلبكي، وقدمتها الإعلامية ريما صيرفي، وسط حضور حشد من المثقفين والمهتمين.

استهل النقيب عون مداخلته قائلاً: من عالم التصوير إلى عالم الشعر، رحلة سلكها علي حورية، وكلّه ثقة بالنفس. عرفناه مصوّراً في كبريات الصحف اللبنانية. ولما شدّ الرحال إلى دنيا الانتشار، وتحديداً إلى كندا، بقي الحنين إلى الوطن الأم يغلي في عروقه. فعاد إلى وطن الأرز ونِعم العودة. عاد وفي جعبته شعر ينبض بالصدق، بالحب والوطنية. ينبض بأحاسيس متنوعة. تغنى في قصائده بالحبيبة التي امتلكت فؤاده وعاهدها الوفاء بوفاء. معاً يكملان المشوار. ومعاً يسير الحب في درب معبدة بالفل والياسمين.

وأضاف: علي حورية وحوريته من معجن واحد. إنه معجن الإخلاص في زمن صار الإخلاص للحبيبة نادراً. وإذ يوقّع ديوانه في هذه الأمسية العابقة بالطيب، فإنه يوقع ديواناً ضمّ قصائد نظمها في أوقات متفاوتة. على أن اللحمة في ما بينها كانت جلية. ونعم، هذه القصائد سطرّتها ريشة زميل جمع الناصيتين معاً، ناصية التصوير الفوتوغرافي وناصية الشعر الخمري.

وفي الختام، قال الشاعر: «ألهمتني فغرّد قلبي»، إنه مولودي الذي أفتخر به. إنها الملهمة، إنها الحورية، إنها المرأة التي رسمتها ولوّنتها شعراً، وغزلاً، ونثراً، بأسمى آيات الحبّ والجمال. إنه ديواني الشعري الذي كتبته بحبر القلوب، ودموع العين، ونور الشمس، وضياء القمر والنجوم. وعطّرته بمسك لبنان الحبيب وبخور الأرز والسنديان والزهور والرياحين.

وأيضاً كل الشكر لقلمي، الذي سهر معي الليالي، ليكون هذا الديوان بما يحتويه من قصائد حبّ، وجمال، ذكرى عطرة وخالدة بين أيديكم يتذكرني بها التاريخ وتتذكروني بها.

«1860… تاريخ وذاكرة نزاع»

نظّم «المعهد الفرنسي للشرق الأدنى» ندوة لمناقشة كتاب «1860 تاريخ وذاكرة نزاع» شارك فيها كل من: نائلة قائد بيه، الدكتورة سعاد سليم، الدكتورة ديمه دوكليرك، والدكتور نائل أبو شقرا، وسط حضور حشد من المهتمين والمثقفين.

استهلت قائد بيه مداخلتها بالإشارة إلى أن السعي اليوم إلى إعادة قراءة الأحداث التي أدمت جبل لبنان في ربيع 1860 يقع في نوعين مختلفين من القضايا، تاريخي وسياسيّ. مضيفة: وإذا كان التاريخ لحركات 1842، و1845، و1860في لبنان، قد شهد انتعاشاً خلال الحرب وما بعدها، فهو يعود إلى درجة التوازي ما بين أعمال الشغب في القرن التاسع عشر، والحروب الأهلية في القرن العشرين، توازياً يبعث على القلق. ففي الحالتين، هناك أزمة في العلاقات بين الجماعات، أدت إلى استخدام العنف. كما أن هناك أزمة في انتقال الهيمنة ما بين الطوائف.

وأشارت إلى أنه كان لتكرار الاستخدامات السياسية لـ 1860 في لبنان الحديث، ووطأة الذاكرة الشعبية في الحدث حتى ضمن حروب الجبل المعاصرة، جانباً خاصاً في بعض المداخلات. كذلك استحقت رهانات الحملة الفرنسية أيضاً إلى إعادة النظر، مؤكدة على أنه ما طمحنا اليه، نحن أعضاء اللجنة العلمية من وراء دعوة هذه النخبة من المؤرخين والباحثين، وعبر المداخلات المختلفة، والنقاش الأكاديمي البعيد عن السجال العقيم، فهو أن نقفز تلك القفزة الأولى نحو قراءة معقمة موحدة لتلك الأحداث، وربما إلى كتاب تاريخي موحد.

واستهلت سليم مداخلتها بالقول: عُقد المؤتمر «1860 تاريخ وذاكرة» عام 2011، ونشرت أعماله عام 2015، على رغم كل المخاوف والمحاذير. وفي مرحلة تكاثرت فيها الصراعات والحروب وفي وقت استيقظت نعرات دينية مشينة، وازدادت فيه مظاهر التعصب والتطّرف، تصعب العودة إلى تاريخ الحركات التي أدمت تاريخ لبنان وبلاد الشام.

وأشارت إلى أن هذا العمل يهدف إلى تحديد صانعي هذه الأحداث من موارنة ودروز وأتراك من مقاطعجتين وفلاحين وتجار وإرساليات وأجانب مقاولين وسفراء من دون التفريق بين القتلة المتوحشين والضحايا الشهداء أو بين الغالبين والمغلوبين… تطلب هذا الكتاب جهد بحثياً شارك فيه باحثون لبنانيون فرنسيون وتركي وسويسري حيث تم التعاون بين الجامعة اليسوعية وجامعة البلمند والمعهد الفرنسي للشرق الأوسط وجمعية لبنان النهضة. وشملت الدراسات محاور عدة منها: أولاً الإطار السياسي والتاريخي للدولة العثمانية والولايات العربية في جبل لبنان وبلاد الشام، المحور الثاني تناول الحدث من خلال الوثائق والحوليات العائدة لمسرح الأحداث في المنطقتين، كما أن المحور الثالث عالج تأثير هذه الأحداث على كتب التاريخ والقوانين الدولية وعلى ذاكرات المتحاربين.

واعتبرت أن هذا الكتاب يتجاهل الدور الذي قامت به الدول الكبرى الأوروبية في تحريض الأهالي بعضهم على بعض، في مساندتهم أو في إيجاد حلّ للصراع ووقف الحرب والتعويض على الضحايا. وهذا لم يكن جهلاً من اللجنة المشرفة على المؤتمر بقدر ما كان هذا سعياً إلى إخراج أهل البلاد من موقع الضحية الدائمة إلى موقع المسؤولية بشكل أو بآخر. فاستمرار أهل البلاد في الاقتناع بدور الضحية وتأدية هذا الدور يؤكد مقولتهم الشهيرة «التاريخ يعيد ذاته»… هذا الكتاب وهذا المؤتمر كان هدفهما تطبيق مثل آخر «تنذكر وما تنعاد».

وبدوره، تحدث أبو شقرا قائلاً: تذكر الأحداث 1860 بعد مرور أكثر من قرن ونصف قرن على وقائعها، يعني أمرين: هي في عقل المنتصر عسكرياً من عثمانيين ودروز وسنة وشيعة إحدى تجليات ملكيين وموارنة، سبب وجيه للتفكر بالإنسحاب من جغرافية التعايش، على رغم تلازم حضورهم مع عرق الجهد المتصبب على تراب الوطن.

وأضاف: ربما عجلت الأحداث الطائفية في انهيار نظام الالتزام، لكن هذا النظام سيسقط بعد حين لأن دعائمه بدأت تنهار. فأسواق بلاد الشام تحولت إلى المصادر الأجنبية، عبر وكالات تجارية ناهضة، والتجار باتوا يتحكمون في أرصدة الإقطاع وبفائدة كبيرة، ومع ذلك استمرت الكنيسة المارونية تراعي تركيبة جبل لبنان، على رغم تفوقها في المجال العقاري بعدما باع الدروز ملكياتهم لدفع أثمان الخيول المطهمة، وأحد المتضرّرين من هذا التحول كان الدولة العثمانية وخزينتها.

وختم: وبعد، شرق يكابد الصراعات وأهلوه حطب أتون الحروب فيه. ألف سنة ونحن نفاخر بالتسامح، نرفع جباهنا عالية لأننا أبناء عروبة بلا مذاهب، نستحضر صلاح الدين وسلطان باشا الأطرش، فيستحضر الغرب فولتير ورولان بارت وميشال فوكو. إنها المفارقة، غرب يحب الحياة فيرويها ثقافة ومعرفة، وشرق محابره انكسارات وكراهية، يحمل ضحاياه إلى حيث يكتب تاريخ الهزائم.

«ثورة كردستان ومتغيّرات العصر»

ونظّمت «دار سائر المشرق»، ندوة لمناقشة كتاب «ثورة كردستان ومتغيرات العصر»، لحكمت كريم الملا بختيار شارك فيها الدكتور حبيب أفرام، حنان عثمان، فالح عبد الجبار، وأدارها جمال دملج، وسط حضور حشد من المهتمين والمثقفين.

اعتبر عبد الجبار بدايةً أننا أمام كتاب يشكّل نقطة اختلاف في التاريخ الكردي. فللمرة الأولى يحمل محارب مخضرم السلاح في الجبال، ويحمل معه إرثاً فكرياً ماركسياً، في هذه اللحظة يرى أن العنف المسلح في الجبال لم يعد أسلوباً مجدياً، وهذا ما يظهر جلياً عند قراءتك هذا الكتاب، فالمحارب على مدى 14 سنة يؤكد التساؤلات التي لطالما أردنا الحصول على أجوبة لها.

كما رأى عبد الجبار أن الحركة النضالية الكردية ارتبطت بالطرق الصوفية والحاضنات الريفية، وهذا ما جعلها حركة مختلفة عن باقي الحركات النضالية.

واستهل افرام مداخلته قائلاً: أظن أننا في الجحيم الآن. في مشهد سوريالي بامتياز. سقطت كل المفاهيم، كل الأنظمة ـ دي جيرو أو دي فكتو ـ أو بالظن ـ سقطت كل الحدود. كل القيم والمبادئ. وأضاف مشدّداً على عدد من النقاط وأهمها: الأكراد رابع قومية في المنطقة بعد العرب والترك والفرس. حافظوا على هوية عبر التاريخ وعلى أرض، لا نظام في المنطقة يفهم معنى التنوع والتعدّد ويديره الدستور والقانون، مشكلة الأكراد أن جغرافيتهم في قلب دول قوية مثل إيران وتركيا، وصارت مفتتة مثل العراق وسورية، مشكلة الأكراد أنهم موزعون متفرقون ليس فقط بحسب الدول، بل بحسب الولاءات أيضاً.

وأشار إلى أن بين كردستان الكبرى التي ستكون «إسرائيل جديدة» معادية لكل من حولها، إلى إمكانية الحفاظ على حدود «سايكس ـ بيكو» مع تغيير في طبيعة الأنظمة نحو فيدراليات أو حكم ذاتي أو غيرها، لا شك أن تصاعد الأصولية الإسلامية داخل المجتمع الكردي سيكون مقتلاً لكل طموح قومي.

وختم بالقول: نحن شعوب مبعثرة، ليس بالضرورة لأن التاريخ مؤامرة. لكن لا شك أن هناك مؤمرات في التاريخ. ولا أحد يعرف الآن من يحضر ماذا؟ ماذا تريد أميركا أو روسيا أو إيران. وأخيراً إنه صراع خطير؟ كلنا أيتام في هذا الشرق. كلّنا لا أصدقاء لنا ـ أنتم لكم الجبال ـ كلنا في عقلنا جواز سفر جديد.

وأشارت عثمان إلى أن الكتاب يدخلنا بعمق في واقع الظروف الصعبة التي عاشتها كردستان من الناحية السياسية والعسكرية والإنسانية، ومعاناة الشعب الكردي من ويلات ومآسي وظلم. فكل شبر من تراب كردستان يشهد ويحكي عن تلك الآلام.

وقالت: يرى الكاتب والمفكر البارز الملا بختيار أن انتفاضة المدن أكثر ملائمة لروح العصر. وفي الوقت نفسه لا يقلل من قيمة النضال المسلح الذي قاتل بختيار تحت رايته 14 سنة، وحقّق الكثير من الانتصارات المشرّفة. ولكنه الآن ينادي بالقتال بسلاح مختلف تماماً يناسب المدينة ومعطياتها… أنجبت ثورة «»روح آفا» أسلوباً جديداً للعيش المشترك على أساس الحرية والمساواة والديمقراطية، وتعد هذه النقطة انعطافاً تاريخياً في ذهنية شعوب الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى