بين الوثوب والولولة!

في إحدى ليالي الشتاء المجنونة، كان البرد القارس يلفّ منزلنا من النواحي كلّها، وكانت الرياح الشرقية تدمي أيدينا وأقدامنا على رغم وجود المدفأة، وعلى رغم ارتدائنا الملابس الشتوية.

جاء أخي الذي كان يدرس في «جامعة تشرين»، ونسي برد الجبل، وأصر مساءً ان ينام إلى جوار المدفأة، وأن يلتصق بها على رغم تحذيرات والدتي أنه قد يقوم بحركة ما وهو نائم، تؤدي إلى سقوط المدفأة. وذهبت تحذيرات أمّي أدراج الرياح الشرقية العاصفة.

وما هي إلا ساعة، حتى استيقظنا على صوت أخي، وهرعنا فرأينا المدفأة على الأرض والنار تشتعل في السجادة والأغطية. ركضت أمي لتمسك «طاسة المازوت» وتأخذها بعيداً، بينما طلبنا من أختي إحضار دلو من الماء. وحاولتُ مع أخي إطفاء النار بغطاء صوفيّ واحتوائها، بينما ركضت أختي الأخرى إلى خارج المنزل لتولول وتصرخ. ووقف أخي الثاني مراقباً بلا حراك. وعندما طال غياب مَن ذهبت لإحضار الماء، ركضتُ وراءها لأجدها تغسل الدلو الذي ستحضر فيه الماء!

اليوم، نتذكر هذه القصة ونضحك ملء قلوبنا على ما حصل. ولكن ما أريد قوله هنا، إنّ لكلّ منّا طريقته في التعامل مع أيّ مصيبة تحصل. وقد أثبتت الحرب ذلك. فمنّا من ساعد مباشرة في إطفاء نار الفتنة ونار الحقد. ومنّا من احتاج إلى وقت ليستوعب ما يجري. ومنّا من يريد الإصلاح قبل الأمان فيتأخر في المساعدة. ومنا من اكتفى بالولولة والتهويل والصراخ. ولكننا في النهاية أصحاب هدف واحد على رغم اختلاف الطرق والوسائل. فهناك من البشر من لا يستطيع التعبير عن حبّه أو غضبه إلا بالصراخ غير المجدي في غالبية الأوقات.

قصف طيران التحالف العدو معسكراً للجيش السوري. هذا أمر ليس بغريب على تحالف أُسس أصلاً من الذين أشعلوا نار الحرب في سورية، من الذين صنعوا «الحرّ» و«النصرة» و«داعش»، وهمّهم الوحيد تدمير الجيش السوري، وجعل سورية حطام دولة، وتقسيم شعبها بين لاجئ وشهيد ومشرّد، وتحويلها إلى بؤرة تطرّف. فلماذا الاستغراب؟ ولماذا كل هذا الصراخ الذي لا طائل منه، خصوصاً مع أعداء مثل أعدائنا، لا يأبهون بقانون ولا يعرفون ضميراً، وهم يتلقون ضربات و«خوازيق» في مختلف المناطق، ويخسرون جيوشهم التي أدخلوها وجهّزوها ودعموها.

ما جعلنا حتى الآن نستمر في الحياة وفي المقاومة، صبر لا أظنّ أنّ أحداً في العالم يملك مثله، وثقة بجيش قلّ نظيره أيضاً. وعلى رغم كلّ ما واجهناه سابقاً وما سنواجهه لاحقاً، سنبقى وسيزولون.

صباح كلّ من كان وما زال لسورية عاشقاً. صباح كلّ من كان وما زال لسورية جندياً. صباح كلّ من يدافع عنها بكلمة، بوردة، بحبّ، وبرصاصة. صباح الجيش العربي السوري.

وفاء حسن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى