زوابع سياسية سعودية لتغطية مأزقها اليمني

يوسف المصري

قرّرت الأطراف الوازنة في طيف قوى 8 آذار الاستعانة على تمرير هذه المرحلة بالكتمان وبالنقاش المسؤول بين أقطابها، وذلك انطلاقاً من قراءة واضحة لخلفيات كلّ الحراك السعودي التركي الأخير في المنطقة.

تقول هذه القراءة إنه لا يمكن في هذه المرحلة الدقيقة فصل أيّ مستجد يحدث في لبنان عن مستجدات مركزية لمجمل الأحداث في المنطقة تجري في سورية واليمن.

وفي نظرها فإنّ صراع الإرادات بين محور المقاومة والمحور الآخر يصل في هذه اللحظة إلى نقطة الذروة، نظراً إلى أنّ التحالف السعودي ــــ التركي يحاول ما أمكنه، احتواء عاصفة السوخوي التي فاجأته وقلبت حساباته، وذلك على المستويين السياسي والعسكري. سياسياً يحاول هذا التحالف إثارة جملة مناورات سياسية وعسكرية في غير منطقة ساخنة، أبرزها في اليمن وسورية والعراق ولبنان.

في اليمن حيث تواجه أزمتها العميقة، تقوم السعودية باستحداث جملة تبديلات في تكتيكاتها علّها بذلك تقلل من خسائرها وتفكّ عن عنقها حبل مشنقة أزمة اليمن التي افتعلتها.

وعلى هذا الصعيد قامت الرياض مؤخراً بتكليف الكويت كي تحلّ مكان سلطنة عُمان كوسيط بينها وبين اليمن لا سيما مع الحوثيين.

وبعيداً عن الأضواء التقى الشهر الماضي أحد دبلوماسيّي الخارجية الكويتية بشخصية حوثية في إحدى العواصم العربية لجسّ النبض بشأن إمكانية البدء بتواصل بين الكويت و«أنصار الله» في محاولة للتوسط بين صنعاء والرياض.

تريد السعودية نقل الوساطة من عُمان إلى الكويت، لأنّ الأخيرة تضمن لها البدء بمسار النزول عن شجرة الأزمة اليمنية، انطلاقاً من أنّ الحلول المتمرحلة التي تتوصّل إليها مع «أنصار الله» ستبدو كأنها حلول خليجية، وهذا يدفع عن الرياض الإحراج إنْ هي قدمت تنازلات.

كلّ الفكرة في الرياض أنّ حرب اليمن التي تحمل توقيع ولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان ستحمل نتائجها تأثيرات على مستقبله في سباقه مع ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف للوصول إلى الملك. وعليه فالمطلوب إيقاف استنزافها للاقتصاد السعودي وأيضاً إيقاف نتائجها المعنوية السلبية على المملكة، خاصة بعد نجاح الحوثيين بالسيطرة على أراض سعودية حدودية واسعة، وعدم تمكن الجيش السعودي من ردّهم عنها.

تقول المعلومات إنّ السعودية تريد إثارة مجموعة زوابع سياسية وحتى عسكرية مع تركيا في غير ساحة اشتباك في المنطقة، حتى تغطي تنازلات تريد تقديمها على جبهة اليمن بوساطة كويتية، ومن ضمن هذا التوجه دفعت الرئيس سعد الحريري لإطلاق مبادرة دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية، وأيضاً استضافة مؤتمر المعارضة السورية الذي كانت أجلته سابقاً المرة تلو الأخرى، وأيضاً قامت بتقديم تغطية سياسية لتوغل تركيا العسكري في العراق.

وفي المناورتين اللبنانية والسورية، لحق الفشل بالرياض، فمؤتمر المعارضة السورية لم ينجح بانتخاب وفد يمثله للحوار مع الدولة السورية، وكلّ ما فعله هو تعيين وفد، الأمر الذي يظهره وكأنه «وفد الريـاض السـوري» وليس «وفـد المعـارضة السورية».

وفي لبنان، فإنّ صلابة العلاقة بين فرنجية وعون والقوى الوازنة في 8 آذار ومحورها الإقليمي بدا أنه أذكى من أن تصيبه بالإرباك مناورة رئاسية، خاصة أنّ المعادلة التي توجه موقف 8 آذار من الرئاسة واضحة قبل مبادرة الحريري وستستمرّ كذلك بعدها، ومفادها «الأفضلية لعون والأولوية لفرنجية». بمعنى آخر فإنّ بديل عون للرئاسة فيما لو استنفد الخيار هو فرنجية. وهذه معادلة تلقى قبول عون وفرنجية على السواء. أضف لذلك أنّ 8 آذار ترى أنّ الانتخابات الرئاسية لن تؤدّي هدفها الإنقاذي إلا إذا جاءت ضمن سلة تفاهمات ضامنة تؤدّي إلى إخراج البلد من شلله الدستوري وأزمة المشاركة الميثاقية التي تواجهه.

تختم هذه القراءة بأنّ وقائع تعاظم فشل المحورين التركي والسعودي لدرجة وصول أنقرة إلى عنق الزجاجة في سورية ووصول السعودية إلى البحث عن سلّم ينزلها عن الشجرة اليمنية، هي في هذه اللحظة صدارة المشهد السياسي في المنطقة، ولم تنجح الرياض في إبعاد الضوء عنها عبر إثارة زوابع سياسية ومناورات تظن أنها تخدمها في تصوير أن هزائمها وتركيا هي انتصارات سياسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى