ما هي أهداف الدخول التركي إلى العراق؟
د. هدى رزق
تتخبّط السياسة الخارجية التركية وتتهاوى علاقاتها مع جيرانها. تدخل تركيا اليوم في أزمة مع العراق إثر قرارها إدخال قوة عسكرية الى أراضي جارتها، ما أدّى الى أزمة سياسية بين البلدين واتهامها بانتهاك السيادة العراقية. أرسلت الى بعشيقة التي تبعد 20 كلم عن الموصل المحتلة من داعش 1000 جندي من قواتها العسكرية بالاضافة الى 25 مدرعة ودبابة. كانت تركيا قد أقامت في هذه المنطقة معسكرات تدريب للبيشمركة الكردية ولديها 150 عسكرياً موجودين كمدربين بحسب الاتفاق مع الحكومة العراقية في أواخر العام الماضي.
اعترضت بغداد على إدخال هذه الأعداد المرتفعة من القوات العسكرية تحت حجج تأرجحت بين تبديل المدربين وبين إرسال قوة لحمايتهم من داعش. لم تحصل تركيا على إذن من الحكومة العراقية يسمح بهذا الانتشار، اذ يفترض أن يكون الأمر منسقاً مع وزارة الدفاع وهذا ما تفعله عادة الولايات المتحدة نزولاً عند شروط العراق.
في ردّه على اعتراض رئيس الوزراء العبادي قال داوود أوغلو إنّ أنقرة لن ترسل المزيد لكنها لن تسحب القوة التي تمّ إرسالها. وكان البرزاني قد قلل قبل زيارته الى أنقرة من أهمية إرسال هذه القوات المدعّمة بمدرّعات و25 دبابة. صرح أنّ الازمة هي بين الحكومة المركزية في بغداد وبين أنقرة، كما أكد أن هناك اتفاقاً بين أربيل وأنقرة على تدريب مقاتلين من البيشمركة.
ادّعت تركيا أن دخول قواتها جاء استجابة لطلبات اثيل النجيفي محافظ نينوى السابق المُقال، وبعض نواب نينوى، لكن رئيس الوزراء العبادي أرسل مع البرزاني رسالة شفوية الى أردوغان مفادها ضرورة الانسحاب الى المناطق الكردية من أجل حفظ ماء الوجه… يسعى البرزاني الى التوفيق بين علاقته التجارية والنفطية مع تركيا والحكومة في بغداد التي لا يستطيع معاداتها.
هي المرة الأولى التي تتحرك فيها الدبلوماسية العراقية ضد تركيا منذ 2003 بعد تجاوزات استمرت لأكثر من 12 سنة أعلنت بغداد أنها مستعدة لاستعمال الورقة الاقتصادية، وأعلنت رسمياً إلغاء الملحقية التجارية في السفارة العراقية في تركيا وهددت بدراسة سحب سفيرها من أنقرة. وقام وزير الخارجية العراقي مباشرة بالاتصال بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لاتخاذ موقف دولي بخصوص هذا الانتهاك. جاء إعلان هذه الدول سريعاً في اجتماع مع الجعفري وزير الخارجية ومفاده أنّ التوغل التركي هو خرق لسيادة العراق. اجتمع الأخير مع رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان وفريدون سنيرلي أوغلو نائب وزير الخارجية.
استمرّ التصعيد السياسي في العراق ضدّ الخطوة التركية وتحرك المالكي رئيس الوزراء السابق واتهم تركيا وأصدقاؤها بمحاولة أحياء مشاريعهم التقسيمية على أرض العراق عبر محاولة فصل الأنبار من جهة وإدخال قوات تركية الى الموصل من جهة ثانية.
يعود تاريخ انتهاك تركيا لأراضي العراق الى عام 1991 حيث استفاد الأتراك من الفراغ الذي أحدثه الحظر الجوي الأميركي في شمال العراق. سمح هذا الأمر بإنشاء سلطة محلية كردية مستقلة عن بغداد تابعة للولايات المتحدة 1995 وسمح كذلك بوضع يد الأتراك على قاعدة «بامرني» منذ عام 2002. شكلت هذه القاعدة منطلقاً للعمل العسكري التركي في الشمال العراقي وتم تعزيز نفوذها في المنطقة ضد حزب العمال الكردستاني. استمر هذا الوجود العسكري التركي بعد إنشاء حكومة كردستان. في إطار وجودها المزمن لم تجد تركيا حرجاً في الدخول العسكري الى العراق.
جاء قرارها بإدخال قوات الى بعشيقة بعد تحقيق روسيا سيطرة على المجال الجوي السوري. وهي سيطرت بالنار على معظم المعابر بين سورية وتركيا. أدى هذا الأمر الى عرقلة مساعي الجيش التركي إسناد المجموعات التابعة له في سورية، في جبل التركمان، وريف اللاذقية وفي المنطقة الواقعة بين حلب وتركيا.
تزايد شعور الحزب الحاكم في انقرة بضرورة استعادة نفوذه المفقود في المنطقة عمد الى نشر هذه القوات التي ستتجه غرباً باتجاه الموصل وشرقاً باتجاه كركوك. يشكل وجود الجيش التركي في بعشيقة أي في عمق الأراضي العراقية مركز انطلاق لعمليات الجيش التركي في الموصل وهي العقدة الأساسية لكل أنابيب النفط في النصف الشمالي من العراق، لا سيما تلك الآتية من حقول كركوك النفطية التي كانت بيد الجيش العراقي التابع لبغداد قبل استيلاء داعش عليها وقبل تقدم قوات البيشمركة وسيطرتها على هذه الحقول.
تريد تركيا زيادة حضورها العسكري أيضاً في وجه حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل جنباً الى جنب مع البيشمركة لتحرير مدينة سنجار من داعش. وهي تبدي خشيتها من دخول قوات الحشد الشعبي الى الموصل بحجة أن الحشد الشعبي ذو صبغة شيعية خالصة وتسيطر عليه إيران. تدعي أنقرة حماية التركمان في الوقت الذي يشارك قسم كبير منهم الى جانب الحشد الشعبي الذي يعتبر اليوم قوة قانونية مموّلة من الحكومة المركزية في بغداد. ينتقد التركمان سياسة تركيا في العراق بسبب خلافاتها مع الحكومة المركزية ويعتقدون بأنها مع ميليشياتها التابعة لآثيل النجيفي لا تستطيع تحرير الموصل. وترى الأوساط السياسة العراقية أن سياسات تركيا هي المسؤولة عن سقوط مدينة الموصل وأن تحرير الموصل يقع على عاتق العراقيين وحدهم ولا يحق لأي سلطة أخرى بما فيها تركيا الحق في التحفظ على الحشد الشعبي.
يبقى التساؤل حول الموقف الأميركي الخجول الذي أعرب عنه «ماكغورك « المبعوث الأميركي الى أنقرة الذي أكد علمه دخول القوات التركية لكن من دون «تنسيق» مع الأميركيين. فكيف تمكنت هذه القوات الكبيرة مع آلياتها من دخول بعشيقة البعيدة عن الحدود العراقية التركية وهل شكلت بالون اختبار أميركي من أجل رصد ردود القوى المتنوعة في العراق إزاء عملية تحرير الموصل؟!