عدنان اسماعيل لـ«البناء» و«توب نيوز»: ما يجري في سورية والمنطقة يهدف إلى التقسيم والنيل من العروبة والقومية
حاوره سعد الله الخليل
في زمن مشاريع التقسيم والتفتيت، هل بقي للحديث عن الوحدة مكان؟ وفي زمان «الربيع العربي» هل بقي أيّ دور للفكر الاشتراكي؟ وأمام إعلان الخلافة الإسلامية مبايِعةً البغدادي والشيشاني والباكستاني أمراء على بلاد العرب، وأمام المدّ الداعشي، ما عساها تفعل الأحزاب التقدمية؟ وأمام التحدّيات الكبرى التي تواجه المنطقة، أيّ دور للعمل السياسي الصرف الخالي من العمالة والارتهان للبترودلار. أسئلة نطرحها في هذا الحوار على المهندس عدنان فايز اسماعيل، أمين عام حزب الوحديين الاشتراكيين في سورية.
كحزب وحدوي أُسّس عام 1961 بعد الانفصال مباشرة، أي إمكانية له اليوم لتطبيق الشعارات الوحدوية؟
في أيّ يوم يمكن تطبيق الوحدة العربية. نحن من الأحزاب الأولى التي أطلقت شعار التنظيم السياسي الواحد أو الحركة العربية الواحدة في منتصف ستينات القرن الماضي. أما الشعارات فتطبّق في أيّ زمان بدءاً من المجتمعات. ولدينا مقولة هي: «أنر الزاوية التي أنت فيها بدءاً من أسرتك»، ونعتز بهذه الرؤية. فأيّ فكرة تطلقها بدءاً من الحي والمدينة، تنتشر. والفكر الوحدوي عمل مستمر وليس شعارات طالما هناك من يعمل به.
في الحديث عن البعد العربي، عمل الحزب منذ تأسيسه على الانتشار في الساحة العربية. أين أصبح هذا الانتشار اليوم؟
بالحقيقة، طبعاً الأمس غير اليوم كعمل سياسي وعمل حزبي. حالياً، نحن مقيّدون قليلا بقانون الأحزاب. وعلى رغم ذلك، لدينا فرع في لبنان غالبية أعضائه من السوريين وبعض الأصدقاء اللبنانين، وهو ينتشر في صيدا وبيروت والجنوب أيضاً. وعلاقتنا جيدة جداً مع القوى التقدمية هناك. ولدينا أصدقاء ولن أقول فروع. وكان هناك سابقاً نشاط سياسيّ في مصر والاردن، وبعض المناصرين في اليمن. أنا استعرض التاريخ حالياً، وبكل صراحة بقي بعض الاصدقاء، ولكن الحزب كنشاط حزبي سياسي، غير موجود حالياً خارج سورية ولبنان، ولكن يبقى الشعار. ولنا ملاحظة على قانون الاحزاب، أنه يجب أن يراعي انتشار الأحزاب القومية العربية في كل العالم العربي.
في عصر تفسيم المقسّم وتفتيت المفتّت وكل هذه المشاريع التقسيمية، كيف يمكن إقناع الجيل الشاب بأهمية الوحدة والاشتراكية كشعارات قابلة للتطبيق أو للقياس؟
الجيل الشاب الواعي الذي نتواصل معه من دون إقناع، يمتلك الحس الوحدوي. ووعي هذا الجيل يقربه من الافكار الوحدوية. فخلال الأزمة حققنا طلبات انتساب غير متوقعة. فوجئت بفروع تعدّ ساخنة بنسبة منتسبين جدد فاجأتنا، خصوصاً في فرعَيْ حلب وإدلب. وقدّمنا حوالى 30 شهيداً في إدلب منذ بداية الأحداث. فالجيل الشاب الذي يتقدم في هذه الظروف إلى أيّ حزب من الأحزاب، يحقق إنجازاً لهذا الجيل الذي نتقاءل به وبوعيه. هذا الجيل الذي انكشفت أمامه الامور فلم يعد بحاجة إلى إقناع، فهو جيل مندفع إلى العمل تحت مظلة حزبية وطنية. ولعبت الازمة دوراً بتنمية هذا الوعي، فبعد أن عانى الشباب من الضياع مع بدء الأزمة، وبعد التجربة التي مرت على سورية، بدأ هذا الجيل يبحث عن تقارب لمصلحته ومصلحة الوطن.
أيّ كلام عن الوحدة لا بدّ أن يمرّ بمصر، أنتم كحزب وحدوي كيف تنظرون إلى الدور المصري في عهد السيسي؟
على مصر استعادة مكانتها الدولية. ومن المبكر الحديث عن عهد السيسي، وننوّه بأنّ جيلنا والجيل الذي سبقنا، وحتّى هذا الجيل، يختزن عشقاً لمصر في التجربة الوحدوية الرائعة التي كانت أيام الراحل جمال عبد الناصر. والجماهير تتمنّة لو يبقى الفكر الناصري الوحدوي موجود وبقوة، ولكن التأثيرات حصلت في مصر كبيرة جداً. أنا زرت مصر وفوجئت بتأثيرات محاربة للفكر الوحدوي، ومحاربة للفكر القومي، ومحاربة للفكر الناصري السابق. وعلى رغم ذلك بقي جزء من المصريين محافظين على هذا الفكر، وما زلنا متفائلين بالنسبة إلى ما يجري في مصر، ونحن متفائلون بالسيسي، لكنني فوجئت بتصريح بسيط قاله حول التقارب مع إيران عبر دول الخليج.
السعودية الحقيقة لها اليد الطولى حالياً في السياسة المصرية، ورأينا كيف انهالت المليارت عبر السعودية على مصر، وبتوجيه لبعض دول الخليج حتى أصبحت 12 ملياراً تقريباً خلال شهر واحد. والزيارة الاخيرة للملك عبدالله وما أخذ عليها في الحقيقة تجرّ مصر إلى موقفها وإلى دورها في المنطقة. نأمل أن تأخذ مصر دوراً تاريخياً يعيدها إلى الخط القومي العربي الصحيح، لكن ليس مع هؤلاء المتخلفين عن عروبتهم.
منذ عبد الناصر إلى اليوم، لماذا تفشل كلّ محاولات التعايش مع الإخوان المسلمين؟
نحن تاريخياً ليس لدينا ملاحظات على الإخوان. لدينا إدانة لتنظيم الاخوان المسلمين أو حركة الاخوان. كلنا يعلم نشأتها وكيف أصبحت وكيف تطورت وكيف دعمت من دول الغرب الاستعمارية وبأدوات رخيصة. لذلك لا يمكن التعايش أو التقارب من هذه الحركة. ودائماً ما تعود حركة الاخوان المسلمين من العمل تحت الارض للظهور فجأة وبقوة فوق الارض للإطاحة بنظام أو برئيس أو لارتكاب بعض الجرائم. المطلوب اليوم من الاخوان المسلمين الوصول إلى الحكم لتقسيم المقسّم، فمشروعها سلطوي بحت ولكن هذه المرّة وفقاً لأجندة غربية.
كيف تنظرون إلى هذا المد الإسلاموي عبر إعلان قيام «الخلافة الإسلامية»؟
نحن نعيش حقيقة أياماً سوداء. لم أتصور في يوم من الايام أن نصل إلى هذه المرحلة. أبو بكر البغدادي وسامرائي وما إلى ذلك من الأسماء التي لن أقف عندها. هذه الحالة مرفوضة على كل المستويات، حتى عند الدول المتخلفة والمتعصبة دينياً رُفضت هذه التسمية. نحن في 2014، هل يمكن أن نتصور أن نرجع إلى الوراء وإلى عصر الخلافة التي لا تمتّ إلى تعاليم الدين الاسلامي الكبير المنفتح؟ الحقيقة إنه العمل طائفي بحت، يقسّم العراق وسورية والمنطقة وينال من العروبة ومن القومية.
بالانتقال إلى الشأن السوري، أزمة أو مؤامرة أو ثورة أو غزو،ما الذي تشهده سورية برأيكم؟
كل ذلك وأكثر. بالحقيقة إنها حرب حقيقية ومن وصفها بالكونية لم يكن مخطئاً، بل أُثبت ذلك من خلال مجريات الأمور. فدخول مسلحين من 83 دولة وتآمر 130 دولة يكفيان لتكون هذه الحرب كونية، ونالت من شعور المواطن السوري خلال الفترة الاولى، إلى حين تماسكه بعد فترة وبعد طول الأزمة. وكانت حرب استخباراتية لتنال من المواطن السوري.
اليوم، وبعد أن حمل السلاح من حمله، وتدخل من تدخل، ما السبيل إلى حلّ الأزمة السورية؟
السبيل إلى حل الأزمة السورية ما نراه على الأرض، إنه الحل العسكري الأمني والشعبي، وإعادة الوحدة الشعبية والمصالحات الشعبية. أما دور الأحزاب فقائم. ونحن تأثرنا ونؤثر، والمطلوب التأثير بمتابعتنا لكل ما يجري عبر المساعدة الفكرية والاجتماعية وإرساء التقارب بين أبناء الوطن.
إلى أيّ مدى ساهمت الانتخابات الرئاسية في تأجيج الحرب على سورية وهل الغرب قادر على الاعتراف بنصر الرئيس الأسد؟
أجّجت الحرب من قبل الانتخابات الرئاسية منذ بدء مجلس الشعب بمناقشة قانون الانتخابات، فتصاعدت الحرب ولكن نتائج الانتخابات والانتصارات التي حققها الجيش، ساهمت في إعادة النظر من قبل غالبية الدول الأوروبية. وبدأت أميركا تتخبط، فأوباما خلال أسبوع قدّم ثلاثة تصريحات متناقضة من هجوم على المعارضة إلى دعم مالي إلى إعادة هيكلة المعارضة.
في زمن التعدّدية الحزبية كيف تنظرون إلى العلاقة مع الأحزاب الجديدة؟
الوطن يتسع للجميع، ولا شك أن ظهور الأحزاب الجديدة في الإعلام كان جيداً وموفقاً. ولكنني لم أطلع على برنامج عمل أو ميثاق أيّ من هذه الأحزاب. إنّ أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تعمل على امتداد الساحة السورية من دون أن تركز على الظهور الإعلامي. فحزب الوحدويين الاشتراكيين فاعل في المحافظات السورية وقدّم عشرات الشهداء والمخطوفين وساهم بأعمال اجتماعية وسياسية. ربما سوّقت الأحزاب الجديدة نفسها أكثر من أحزاب الجبهة، أما في العمل السياسي فلم نتخلف عن أيّ مهمة سياسية حزبية. ربما نشهد في المرحلة القادمة تعاوناً مع تلك الأحزاب، فالجبهة التقدمية سمّيت كذلك لاحتوائها أحزاباً تقدمية، ورفضت أيّ حزب ديني أو قبلي أو عشائري، وهنا ننوّه بأن ميثاق الجبهة عُدّل أكثر من مرة لانضمام أحزاب إليها، وكانت بدايتها مع أربعة أحزاب فقط مع حزب البعث.
تُتّهم أحزاب الجبهة بأنها واجهة إعلامية وظل لحزب البعث، بماذا يردّ عدنان اسماعيل على هذا الكلام؟
للأحزاب الجديدة الحرية في أن تقول ما تقوله، وفي هذه المرحلة تجاوزنا هذه الأمور ليس مع الأحزاب الجديدة إنما مع من هم رماديون في موقفهم. نعمل من دون النظر إلى الخلف، نلتفت دائماً إلى المستقبل ونعالج الحاضر. هذه الامور تجاوزناها.
خلال الازمة كان هناك مأخذ على حزب البعث والبعثيين بعدم التحرك على الارض بشكل قوي، وترك مساحات لعب فيها كل من هبّ ودبّ ما هي النقاط التي لم يستطع التعامل معها بشكل حقيقي؟
نميّز ما بين البعثي الحقيقي وبين المنتسب إلى حزب البعث، ولا أتوقع أن يقدم أيّ مؤمن بفكر البعث على التواني والتقصير في أيّ مهمة خلال هذه الأزمة. ولكن المتسلقين والمستفيدين بالانتساب، يسقطون مع التجربة الأولى، وهناك مقولة معروفة، لم يتخلف حزب البعث وكان له حضوره، ولكنه ليس كما يجب. يبدو أن الكمّ الموجود في بعض المحافظات لم يكن له هدف سوى الاستفادة فسقط مع بداية الأزمة.
كيف تنظرون إلى العلاقة مع حزب البعث ضمن الجبهة الوطنية التقدمية؟
القياديون الوحدويون الاشتراكيون كانوا من القادة المؤسسين لحزب البعث، وفي بداية التشكيل، لم يكن حزب البعث موجوداً، كونه كان منحلاً في مرحلة الانفصال. وكنا أول حزب ينادي بالوحدة العربية وبالقومية العربية في العالم العربي ردّاً على الانفصال. نفخر بتقاربنا مع حزب البعث، وفي ذلك الحين كنا متعصبين لإعادة الوحدة. لا نختلف في الفكر عن فكر البعث فهو بمنطلقاته النظرية وأفكاره قريب من فكر الوحدويين ولا نختلف معه.