المحور العراقي…

مصطفى حكمت العراقي

يبدو أن الأزمة الحاصلة بين بغداد وأنقرة في طريقها للوصول الى نقطة اللاعودة. فعند دخول القوات التركية الى أطراف الموصل. تعددت الروايات التركية لشرح أسباب هذا التوغل. الخارجية التركية قالت إن القوات دخلت بعلم من الحكومة العراقية وبطلب منها، وقال رئيس الوزراء التركي إن سبب إرسال القوات هو لتدريب العشائر السنية والبيشمركة الكردية، وهذا تم بطلب من محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي وحكومة إقليم كردستان… وهو ما أكده السفير التركي في العراق خلال جلسة استضافته من قبل لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية، حيث قال السفير إن دخول هذه القوات تم بطلب سابق من محافظ نينوى المقال اثيل النجيفي لتدريب العشائر السنية في الموصل… الاختلاف التركي في بيان الأسباب الحقيقة للقيام بهذا العمل يدل على أن الأتراك كانوا يعيشون تخبطاً واضحاً لجهة عدم معرفة كيف سيكون الرد العراقي والإقليمي والدولي على هذا الانتهاك لسيادة العراق، وكأنّ الأتراك كانوا يختبرون ردود الفعل للقيام بعمل أوسع أو التراجع عن هذا التوغل.

المواقف الإقليمية والدولية كالمعتاد كانت محكومة بعامل المصالح والمحاور. فالولايات المتحدة الأميركية قالت إنها على علم بهذا التدخل ولكنها لم تتدخل فيه… هذا ما يؤكد أن الحليف الأبرز لأميركا في المنطقة لم يقم بهذا العمل من دون موافقة مسبقة من الإدارة الأميركية وخير دليل على ذلك أن الأتراك ولمدة طويلة يطلبون أن تقام منطقة حظر جوي في سورية وهو ما رفضته الولايات المتحدة بشكل علني ما أدى الى عدم القيام بذلك… أما الموقف العربي فكان عاجزاً الى درجة ان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي اعترف بهذا صراحة، وقال إن الدول العربية لا تستطيع القيام بشيء ضد هذا العمل التركي سوى الإدانة والاستنكار.

هذه المواقف المؤيدة ولو بشكل خفي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية جعلت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلنها صراحة بأن القوات التركية لن تنسحب من العراق ولم يكتف بذلك بل قال إن زيادة الجنود أو قلتهم تعتمد على عدد المتدربين من القوات الكردية.

إعلان النوايا التركية بهذه الصراحة جاء نتيجة لخسارة الأتراك جميع الأوراق التي كانت بحوزتهم في سورية قبل أن يتم إسقاط الطائرة الروسية. حيث خرجت تركيا من الملف السوري بشكل كامل تقريباً الى أن تم إعلان عزم الأتراك بناء جدار على الحدود مع حلب، ما يؤكد أن الأتراك اعترفوا بفشلهم الذريع في سورية، وهو ما جعلهم يبحثون عن منطقة نفوذ ثانية لفرض أنفسهم عاملاً في التسوية القادة في المنطقة.

الموقف العراقي يغلب عليه طابع التصعيد الإعلامي وعدم القيام بخطوات عملية قوية للردّ على هذا التوغل… رئيس الوزراء حيدر العبادي اكتفى بالتأكيد مراراً وتكراراً بعدم وجود اتفاق وتنسيق مع الأتراك للقيام بهذه الخطوة ودعا في أكثر من مناسبة الى سحب القوات من أطراف الموصل. أما الخارجية العراقية فقد دعت الجامعة العربية الى عقد اجتماع طارئ علماً أن الجامعة العربية قالت في وقت سابق إنها عاجزة عن القيام بشيء كذلك تم الاتصال بالدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لغرض إصدار قرار يندد بالتوغل التركي… الشارع العراقي ممتعض من الرد الحكومي الذي وصف بالخجول علماً أن العراق يمتلك أوراق ضغط كثيرة للرد على هذا الاستفزاز… منها قطع التبادل التجاري بين العراق وتركيا والذي يفوق 10 مليارات دولار للضغط أكثر على الاقتصاد التركي والذي تلقى ضربات موجعة بعد العقوبات الاقتصادية الروسية على الأتراك. كما تزداد المطالبات الشعبية باعتبار السفير التركي في العراق شخصاً غير مرغوب به وقطع العلاقات بين البلدين.

أما قيادات الحشد الشعبي فقد اعتبرت العمل التركي بوابة لاحتلال الموصل من الأتراك بمساعدة مسعود برزاني وحلفائه. حيث طالبت منظمة بدر على لسان رئيس كتلتها البرلمانية قاسم الأعرجي باستثمار التوتر الحاصل بين روسيا وتركيا للطلب من الجانب الروسي الذي أبدى استعداده في مساعدة العراق لضرب عصابات داعش الإرهابية وكذلك الرد العسكري الحاسم على هذا التوغل. الحكومة العراقية الآن لا يوجد لديها أي خيار للمحافظة على سيادة العراق ووحدته سوى الطلب من الحكومة الروسية لتقديم دعم عسكري جوي، كما هي الحال في سورية كذلك المساهمة في عملية الرد على هذا الاحتلال التركي للأراضي العراقية لأنّ القوات التركية لم تأتِ لتخرج بالمطالبات الدبلوماسية خصوصاً أن الموصل محاذية لإقليم كردستان والذي يعتبره الأتراك في هذه الأيام منطقة نفوذ لهم.

القادة العراقيون مطالبون بإعلان الانضمام للمحور الروسي الإيراني الذي أبدى مساعدته للعراق في جميع المجالات وعدم الاكتفاء بسياسة القوف على التلّ لأن من يسكت عن توغل الأتراك للموصل سيرضى عن عودة الأميركيين للأنبار حتى لو كانت بصيغة القوات الخاصة المكلفة بمهام محددة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى