ترشيح فرنجية والخطوات الأولى للتقارب السعودي ـ الإيراني
روزانا رمّال
بغضّ النظر عن موافقة حزب الله على مبادرة الحريري الرئاسية أو عدم موافقته، إلى أي مدى يمكن اعتبار حلّ ملف الرئاسة اللبنانية خارجاً عن إطار السلة الإقليمية المقابلة للسلة اللبنانية، التي إذا صحّت إمكانية فصلها عن أحداث المنطقة والاشتباك الحاصل بين القوى الكبرى فيها، فإنّ هذا يعني أنّ لبنان لا يشكل أية نقطة في سجل المشهد السياسي. وهذا ما يتناقض مع دور حزب الله الأساسي في قلب المعادلة الميدانية السورية، ما جعله لاعباً إقليمياً مشاركاً وليس تابعاً ينتظر ما ستؤول إليه الأمور ليتلقى التوجيه في التموضع الجديد.
يشكل حزب الله، بطريقة أو بأخرى، امتداداً للموقف الإيراني ـ السوري في المنطقة، وأيّ تقدّم نحوه أو نحو حلفه هو رسالة متعدِّدة الاتجاهات ويستحيل فصلها عن الحدث السوري والإقليمي عموماً، وما قرار ترشيح النائب فرنجية إلا دليل على ذلك.
تعرف السعودية التي قرّرت خوض غمار هذه المبادرة أنها ترسل رسالة أساسية أقلها الاعتراف بالآخر الذي فرضته القوى والموازين، فالمستحيل اليوم أصبح ممكناً بقوة فرضها واقع تحالف لم يقدّم نفسه على مذبح الاستسلام لتقديم سورية إلى الحركات الإرهابية التي تتكفل بإسقاط النظام محققة الهدف الخليجي، بل أوضح أنّ مقاومته لهذا المشروع أطول مما قد يتخيّل البعض، فإذ بروسيا تدخل الحرب لتتعقد الأمور وتدرك الرياض أنّ هذا الدخول ليس سوى زخم جديد وإطالة لعمر أزمة بدأت تستنزف كلّ المتورطين فيها مالياً وأمنياً.
ترشيح فرنجية هو إعلان سعودي بقبول اقتسام الملفات مع الخصوم في المنطقة، بعد يقينها باستحالة تحقيق المكاسب منفردة، أما فريق فرنجية في الداخل وحلفاؤه الإقليميون، فقد تلقوا الرسالة بجوانبها المتعددة بجدية، بغضّ النظر عما قد تفضي إليه من نجاح أو فشل، فالملف الرئاسي فتح بهذا «المؤشر السعودي» على مصراعيه والحراك السياسي سيبقى قائماً.
ويصف قيادي في 8 آذار المبادرة السعودية بأنها اعتراف بوجود الرئيس بشار الأسد «لكن طالما أنها ليست سلة شاملة، فهذا يدلّ على أنهم يريدون حلفاءه في لبنان من دون أنياب، وهذا مستحيل».
يبدو أنّ الرسائل السعودية المتعدّدة الاتجاهات تتقدم بالتوازي لتشرح بعضها البعض، والسؤال الأهم على صعيد الرئاسة هو ما مدى إمكانية سير حزب الله في أي تسوية من دون أن تعتبر اتفاقاً إيرانياً ـ سعودياً أو إشارة ضمنية إلى ذلك، وهنا فإنّ الحلّ الشامل في لبنان يتطلب تعاوناً بين الدولتين. ومعروف أنّ العلاقة بينهما ساءت بعد أحداث اليمن ووصلت إلى أوجها منذ حادثة «منى» ما يتطلب تقارباً بين البلدين ليس فقط من أجل لبنان، بل من أجل اليمن وسورية أيضاً. وفي هذا الإطار، كان لافتاً أمس تأكيد نائب وزير الخارجية الإيرانية للشؤون القنصلية حسن قشقاوي، أنّ السعودية عيّنت سفيرها الجديد في طهران، لافتاً إلى أنّ ملفه يطوي مراحله القانونية معلناً بدء المحادثات بين طهران والرياض، كاشفاً أنّ السفير الإيراني في السعودية عقد مجموعة من اللقاءات مع المسؤولين السعوديين.
قد تكون أقصر الطرق إلى تصحيح العلاقات بين الدول هي الديبلوماسية وأكثرها دلالة على جدية احترام هذه العلاقة ووضعها على السكة الصحيحة، ومن هنا إذا توالت الخطوات من كلا الطرفين من أجل التواصل المباشر تدريجياً للاتفاق حول الملفات العالقة، فإنّ ذلك يبعث الأمل بانفراجات مقبلة.
رسالة سعودية أخرى هامة تؤكد القرار السعودي بالتوجّه نحو المفاوضات والخضوع للعملية السياسية في المنطقة، تتمثل ببدء العملية التفاوضية حول اليمن في 15 كانون الأول الحالي، بعد فشل محاولات عديدة سابقة نجحت أخيراً القيادة العُمانية في التوصل إلى اتفاق بين أطراف النزاع في اليمن على عقد مباحثات لإنهاء الحرب مع إقرار هدنة عسكرية بين الطرفين أثناء هذه المفاوضات تبدأ اليوم. ويؤكد مصدر في أنصار الله جدية الحركة بالالتزام من جانبها فيه. وعلى أي حال فإنّ هذا القبول بالجلوس وجهاً لوجه مع حركة أنصار الله وحلفائها ليس إلا قبولاً سعودياً لأنّ الأطراف الحكومية اليمنية لا يمكن لها اتخاذ قرار مصيري من هذا النوع ومن المتوقع هذه المرة وبعكس الجولات السابقة أن تفضي إلى نتائج إيجابية أو على الأقلّ تضع الأزمة اليمنية على سكة الحلّ النهائي.
هي إذاً، رسائل سعودية يضاف إليها ما انبثق عن الاجتماع الأخير لمن استحضرتهم المملكة من حركات مسلحة متطرفة لتكوين فريق معارض وإقرارهم في البيان الختامي بتشكيل فريق للتفاوض مع النظام.
تحريك الملف الرئاسي في لبنان سعودياً بالتحديد، والذي رسم أسئلة دقيقة داخلياً عن تقدير نيات الحريري من جهة وامتعاض الفريق المسيحي عموماً، ولدى حلفه خصوصاً، من أن يسمي الطرف المسلم الرئيس مع التعبير عن الاستهجان بقبول صديق الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً، محاولات سعودية لجسّ النبض الإيراني بالتجاوب وقد لوحظت حركة إيرانية هامة مؤخراً في لبنان أملت إنهاء الأزمة، ما يؤكد أنّ طرح فرنجية كان قبل أن يتم تداوله إعلامياً.
يبدو أنّ مؤشرات التقارب السعودي ـ الإيراني تتقدم وبغضّ النظر عن مصير المبادرة، فإنّ ذلك لو أخذ بعض الوقت سيؤسّس لحلّ شامل في لبنان.