جردة حساب: قراءة في خطوات مشروع الآخر
وليد زيتوني
آخر العام مناسبة للتقييم. إنها محطة لجردة حساب. ما لنا، ما لدينا، ما علينا، وما المتوجَّب فعله في السنة المقبلة؟ محطة تختصر الماضي دون أن تختصر معاناته، وعرقه، وآلامه في أمة ما تخلّت عن ثوب الحداد، رغم توقها للفرح ونضالها الدائم من أجل وحدتها وسيادتها.
في لحظة الانتقال من عام إلى عام، وفي عصر تنازع الأمم البقاء، نمرّ بلحظة صراع بين الموت والحياة. إما أن نتبدّد ونتلاشى ونذوب، كما يشتهي الناهب الدولي، أو أننا ننتصر بفعل إرادة شعبنا وتضحياته.
صحيح أنّ الآخر، غرباً، عرباً، يهوداً، أتراكاً وغيرهم، لم تكن بداياتهم جشعاً بثرواتنا وطمعاً بأرضنا منذ الأمس القريب، بل تراكم عملهم وتكررت محاولاتهم فيما نحن مشتتون تحت رايات الدفاع عن الأقاليم والكيانات والطوائف والمذاهب والملل والنحل والأنانيات الضيقة المحلية والمناطقية. لم نشعر بالخطر المحدق إلا والسكين يحزّ على رقابنا جميعاً من قبل اختصاصيين بالتقصيب من الشيشان والأفغان والعرب والهند والسند والنازيين القدماء والمحدثين في أوروبا وأميركا. إنه الفعل المتجدد للقتل الذي يمارسه الكاوبوي الأميركي بموجب وكالات ممهورة بخاتم الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجمعيات حقوق الإنسان.
المشروع الأميركي الغربي وصل إلى مستويات وضعتنا على طاولة التشريح الميداني. فالعراق رغم الانتصارات التي يحققها الجيش على الأرض إلا أنّه مكبّل بالموانع الأميركية للوصول إلى إنجازات فعلية ميدانية، بالإضافة إلى شرود الإقليم الشمالي باتجاه الانفصال عن قرارات الحكومة المركزية التي لا تُحسد بدورها على الاعتداء التركي الموصوف في الشمال الغربي. والأردن بدوره يعاني انفصاماً في سياسته بين المصلحة الوطنية القاضية بالحفاظ على وجوده، وبين ارتباطه بأصحاب المشروع الساعين إلى جعله وطناً بديلاً للشتات الفلسطيني وفلسطينيي 48.
أما فلسطين الجريحة والمغتصبة فتعاني من الممارسات اليومية لاعتداءات العدو المحتل، ومحاولة إلغاء الشخصية الفلسطينية ومحو الذاكرة الوطنية والقومية من خلال تراكم المستوطنات والقتل الممنهج لشعبها الصابر الصامد. كل هذا يتم تحت عباءة الانقسامات الداخلية بين قطاع وضفة، بين سلطة وحماس، بين سلم ومقاومة.
أما الشام التي ترزح تحت وطأة حرب كونية، وتدخلات عالمية وإقليمية عسكرياً واقتصادياً واجتماعية، قد وصلت إلى حدود تفشّي الحالات الطائفية وسيطرة العصابات الإرهابية على مناطق شاسعة من أراضيها، وانحسار الخدمات على المستوى الاجتماعي وخاصة التعليم والصحة، وتراجع الاقتصاد إلى مستوياته الدنيا. ولا يختلف الوضع في لبنان عن أخواته في الأمة. فحدوده الشمالية مهددة بالإرهاب التكفيري، وحدوده الجنوبية تعاني من اعتداءات العدو الجوية والبحرية والى حد ما البرية في ظل انقسامات حادة سياسياً واجتماعياً، وتراجع كبير في الولاء الوطني، بل على العكس يشهد تزايداً في الولاءات والتبعيات الخارجية على المستويات الفردية والجماعية، وتغلغل الخلايا التكفيرية النائمة، بالإضافة إلى احتلال جزء من أراضيه الشمالية الشرقية من قبل هذه العصابات.
غير أن هذه الصورة السوداوية العامة لا تعني بالمطلق نجاح مشروع الآخر، إنما على النقيض هناك خفوت لقدرة الآخر فعلياً. لقد أحسّت القوى العالمية بخطورة الوضع وعلى رأسها الاتحاد الروسي فدفعت بقواها الاستراتيجية براً وبحراً للوقوف بوجه الناهب التاريخي. هذا من جهة بالإضافة إلى صمود الجيش والقيادة السورية في الشام وصمود شعبنا في فلسطين وتفجيره للانتفاضة الثالثة، انتفاضة السكاكين من جهة أخرى أعاد الحياة إلى مشروع المواجهة على المستويات الشعبية، وأخذت هذه المواجهات سواء في فلسطين أو الشام أو لبنان أو العراق أو الأردن بعداً قومياً أزاحت والى حد كبير عوائق سايكس بيكو التاريخية الاستدمارية.
إن الأمل موجود بقدرة شعبنا وتضحياته ودماء شهدائه، وإيمانه. إن الوحدة القومية هي الطريق الصحيح والوحيد لاستعادة حقنا في الحياة وبالتالي حقنا في الحرية والاستقلال. إن أزمنة مليئة بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لنا إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤمنة المؤيّدة بصحة العقيدة. هكذا قال سعاده ونحن على درب سعاده لَسائرون.