حمص تعود إلى كنف الدولة… و«داعش» يضيّق على ناقلي المعلومات
تنوّعت الموضوعات التي تناولتها الصحف الغربية أمس، وإن كانت سورية تشكّل القاسم المشترك بين تلك الموضوعات.
صحيفة «أوبزرفر» البريطانية نشرت مقالاً لليز دوسيت تقول فيه إن السيارات عادت إلى المرور في شوارع حمص واكتظت المقاهي بالرواد وأنارت أضواء عيد الميلاد الكنائس العتيقة ومداخل الفنادق الأنيقة. ولكنها تستدرك أن هناك أيضاً أركاناً مظلمة في ثالث أكبر المدن السورية، وبقيت أحياء بأسرها موحشة تسودها البنايات المتفحمة التي تمتلئ جدرانها بالثقوب الناجمة عن إطلاق النار أو التي دمّرت تماماً من جرّاء القصف.
أما صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية فسلّطت الضوء على النشاط الإعلامي السرّي في توفير معلومات لا تقدر بثمن عن منطقة دير الزور في سورية، والتي لا يمكن للصحافيين الدوليين الوصول إليها، وهي الواقعة في قلب عملية محاربة «داعش». وقالت الصحيفة إنّ المدنيين لا يستطيعون مغادرة المنطقة أو لا يرغبون في ذلك، ويعانون من الفظائع حسبما أفاد أحد الناشطين الذين ما يزال أفراد أسرته يعيشون هناك.
واضافت الصحيفة إنّه يتم تقييد الوصول إلى الإنترنت بإحكام من قبل تنظيم «داعش»، وفي بعض الأحيان يجري حجبه تماماً لأسابيع عدّة. ومع ذلك، لا يزال نشطاء وسائل الإعلام يجدون سبلاً لنقل المعلومات إلى الخارج. أحدهم يتذكر جيداً مسار التهريب الذي اعتاد أن يسلكه ما بين مدينة دير الزور والمنطقة المحيطة بها، في محاولة لجمع المعلومات وإرسالها إلى وسائل الإعلام الدولية في السنوات الأولى من الحرب في سورية. ومنها وثائق تخصّ قتل مئات من أعضاء قبيلة «شعيتات» على يد التنظيم، ومعلومات حول أحد قادته الذي وصل إلى ألمانيا في أيلول.
إلى ذلك، نشرت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية مقالاً لديبيش غادير، كشف فيه النقاب عن منتدى على الإنترنت للمعجبات النساء، يمجّد الجهاديين، ويصنع كعكات عيد ميلاد عليها صورة بن لادن.
«مونيتور»: ما هو ثمن تهريب المعلومات من معاقل «داعش» في سورية؟
كتبت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية: يواصل النشاط الإعلامي السرّي توفير معلومات لا تقدر بثمن عن منطقة دير الزور في سورية، التي لا يمكن للصحافيين الدوليين الوصول إليها، الواقعة في قلب عملية محاربة «داعش».
يجري الكشف عن شخصيات معروفة واستهدافها هناك أكثر مما تشهده الرقة، «عاصمة المؤسسة الجهادية العابرة للحدود»، ويقال إن العقل المدبّر لهجمات باريس، عبد الحميد أباعود، كان «أمير الحرب» في دير الزور قبل العودة إلى أوروبا.
أبو سياف التونسي وهو مموّل وشخصية بارزة في قطاع النفط والغاز لدى «داعش»، كان قد قُتل في غارة أميركية هناك في منتصف أيار، وألقي القبض على زوجته العراقية «أم سياف». وقُتل الحاكم المحلي السابق لمحافظة دير الزور التابع للتنظيم، عامر رفدان، من جرّاء غارة جوّية للتحالف في شمال شرق سورية في تموز.
وفي الوقت نفسه، ما يزال المدنيون الذين لا يستطيعون مغادرة المنطقة أو لا يرغبون في ذلك يعانون من الفظائع التي ارتكبتها جهات عدّة، هكذا يخبرنا أحد الناشطين الذين ما يزال أفراد أسرته يعيشون هناك، ومثل معظم الذين تحدثوا إلينا، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية.
عندما بدأت الضربات الجوية الروسية على دير الزور في تشرين الثاني، كانت هناك تقارير تفيد أن أعداداً كبيرة من المدنيين يقتلون. وورد أن أكثر من 50 شخصاً قتلوا في 5 تشرين الثاني في سوق شعبي في بو كمال، قرب الحدود العراقية.
يتم تقييد الوصول إلى الإنترنت بإحكام من قبل تنظيم «داعش»، وفي بعض الأحيان يجري حجبه تماماً لأسابيع عدّة. قال رجل مقيم في تركيا لـ«مونيتور»، ما تزال أسرته في دير الزور الخاضعة لسيطرة التنظيم، ويعمل في منطقة الخليج، إن مقهى للإنترنت يديره أحد أفراد العائلة ويفتحه سرّاً في الليل في مواعيد محددة هي الطريقة الوحيدة التي يمكنه عبرها أن يتكلم مع زوجته وأولاده لفترة وجيزة، الذين لا يستطيع أن يقوم بتهريبهم منها.
قال ناشط إعلامي من المدينة نفسها لـ«مونيتور»، يعيش الآن في جنوب تركيا، إن حديثه مع عمه، الذي كان يتحدث من مقهى للإنترنت يقع في منطقة سيطرة تنظيم «داعش»، انقطع فجأة منذ أشهر. وقال إنه علم لاحقاً أن قريبه قد اعتقل، ولم يسمع عنه منذ ذلك الحين.
ومع ذلك، لا يزال نشطاء وسائل الإعلام يجدون سبلاً لنقل المعلومات إلى الخارج. أحدهم الذي يحمل اسم «أبي مجاهد» يتذكر جيداً مسار التهريب الذي اعتاد أن يسلكه ما بين مدينة دير الزور والمنطقة المحيطة بها، في محاولة لجمع المعلومات وإرسالها إلى وسائل الإعلام الدولية في السنوات الأولى من الحرب في سورية.
قال لـ«مونيتور»: «كنت أقضي ثلاثة أيام في المنطقة المحيطة، والتي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة، وأربعة أيام في المدينة التي يسيطر عليها النظام من دير الزور». وأضاف: «كان يُنقل الجرحى أيضاً من خلال هذا الطريق، الذي استغرق عدّة ساعات، وكثيرون منهم لم يتمكنوا من النجاة. فقد توفي بعضهم أمام عيني».
على رغم أنه ولد في دمشق، فإن عائلته تسكن في منطقة دير الزور وعاد إلى هناك بعدما قضى شهرين في السجن لتورطه في أنشطة احتجاجية في عام 2011. وفي السنوات اللاحقة، تعرّف على عدد من قادة «المتمرّدين» المحليين وعلى المنطقة بشكل جيد للغاية. وفي وقت لاحق، اضطر إلى الفرار إلى جنوب تركيا بعدما سيطر تنظيم «داعش» على معظم المنطقة، لكنه ما زال يدير حملة إعلامية تحت اسم «دير الزور تذبح في صمت»، في محاكاة لحملة «الرقة تذبح في صمت» الشهيرة.
تتحدث الحملة، التي يعمل بها خمسة متطوعون من تركيا و20 من مناطق سيطرة التنظيم، بانتظام إلى وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان وتحافظ على حسابات على موقعَي «فايسبوك» و«تويتر»، إضافة إلى موقع على شبكة الإنترنت تعرّض للاختراق مراراً، ولا يعمل في وقت كتابة هذه السطور.
وفي شأن ما إذا كان الضربات الجوية الروسية تستهدف تنظيم «داعش» قال: «إذا قصفت سوقاً وقتلت 50 شخصاً، اثنين منهم لا بدّ أن يكونوا أمن رجال التنظيم، بما في ذلك الشرطة التابعة لهم، ولكن معظم الضحايا من المدنيين».
وعندما سئل عن أهم المعلومات التي تمكنت المجموعة من جمعها، أشار «أبو مجاهد» إلى وثائق تخصّ قتل مئات من أعضاء قبيلة «شعيتات» على يد التنظيم، ومعلومات حول أحد قادته الذين وصلوا إلى ألمانيا في أيلول. بعد إبلاغ الحكومة الألمانية ونشر معلومات عن الزعيم الجهادي على شبكة الإنترنت، قال إنه تلقى تهديدات بالقتل، وإنه يفضل الآن عدم تقديم مزيد من التفاصيل بسبب المخاطر الأمنية.
في يوم 30 تشرين الأول، تم العثور على جثة عضو من حملة «الرقة تذبح في صمت» مقطوعة الرأس إلى جانب جثة أحد أصدقائه في أورفا جنوب تركيا، وقد دعت لجنة حماية الصحافيين السلطات التركية، التي لم تعلق على الفور على الحادث، إلى إجراء تحقيق شامل. اختفى عدد من الصحافيين والناشطين في وسائل الإعلام أو قتلوا داخل سورية، ولكن استهدافهم على الجانب التركي من الحدود زاد من المخاوف الأمنية.
تشمل مجموعة أخرى من ناشطي وسائل الإعلام من شرق سورية، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، رجلاً قاتل مع جماعة «الجيش السوري الحر» بقيادة صدام جمال، الذي انضم في وقت لاحق إلى تنظيم «داعش». كما أن آخرين، رافقوا «زعيم المتمردين» السابق، لديهم أقارب في «جبهة النصرة»، التي قاتلت تنظيم «داعش» في المنطقة قبل الانقسام الذي ضرب الجبهة، وشهد انضمام بعض عناصرها إلى تنظيم «داعش»، واضطر آخرون إلى المغادرة نحو درعا، حيث يبقى كثيرون منهم.
تمكّنهم العلاقات التي دشّنوها على مر السنين من تمكينهم من توثيق الفظائع التي كانت من الممكن أن تبقى طيّ النسيان خلاف ذلك. قال أعضاء يتبعون المجموعة في لقاء مع «مونيتور» في آب، إنهم يتشكلون من حوالى 70 شخصاً داخل سورية، بينهم 13 امرأة، وينقلون المعلومات من مناطق دير الزور، والرقة، والحسكة وتدمر.
«الأمر الأكثر أهمية، أن تقدّم معلومات جرى التحقق منها»، أكد أعضاء المجموعتين لـ«مونيتور»، على رغم المخاطر التي ينطوي عليها هذا النشاط.
«وأن يكون لديك أرشيفًا للمستقبل»، أضاف «أبو مجاهد». وقال: إنه يفكر في وقف موقّت للنشر على الإنترنت «لأن العالم يعرف ما يحدث في دير الزور. لكنه لا يحرك ساكنًا حيال الأمر». وقال إنه سيواصل التوثيق من خلال مصادره في الداخل.
يبقى مستوى الخطر مرتفعاً للغاية. في الآونة الأخيرة، أعدم علناً اثنان من الناشطين في دير الزور، حيث أطلقت النيران على أحدهما، بينما جرى تفجير جسد الآخر.
«صنداي تايمز»: منتدى نسائي على الإنترنت يمجّد الجهاديين
نشرت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية مقالاً لديبيش غادير بعنوان «منتدى على الإنترنت للمعجبات النساء يمجد الجهاديين ويصنع كعكات عيد ميلاد عليها صورة بن لادن».
ويقول غادير إنّ الأمر يبدو للوهلة الأولى كحفل عيد ميلاد لطفل، ولكن عن قرب تتضح الحقيقة المرعبة. إنها كعكة زيّنت بعبارة «11 أيلول سعيد»، ورُسمت عليها صورة أسامة بن لادن وطائرة تصطدم ببرجين، احتفالاً بذكرى هجمات 11 أيلول على الولايات المتحدة.
ونشرت صورة الكعكة على الإنترنت عضو في شبكة للمتطرّفات النساء اللاتي يستخدمن الإنترنت لتمجيد الإرهابيين والجهاديين الإسلاميين، ومن بينهم نساء بريطانيات.
ويقول الكاتي إن الدعاية الجهادية المنشورة على الموقع يمكن أن تفسر لماذ بلغ عدد النساء والفتيات البريطانيات اللاتي اعتقلن لجرائم تتصل بالإرهاب رقماً قياسياً هذه السنة 50 امرأة وفتاة.
«أوبزرفر»: الحياة تعود إلى حمص بعد وقف إطلاق النار
نشرت صحيفة «أوبزرفر» البريطانية مقالاً لليز دوسيت تقول فيه إن السيارات عادت إلى المرور في شوارع حمص واكتظت المقاهي بالرواد وأنـارت أضـواء عيـد الميـلاد الكنـائس العتيقـة ومداخـل الفنـادق الأنيقـة.
ولكنها تستدرك أن هناك أيضاً أركاناً مظلمة في ثالث أكبر المدن السورية، وبقيت أحياء بأسرها موحشة تسودها البيانات المتفحمة التي تمتلئ جدرانها بالثقوب الناجمة عن إطلاق النار أو التي دمّرت تماماً من جرّاء القصف.
وقالت دوسيت إن حمص، التي شهدت بعض الاحتجاجات ضد حكم الرئيس بشار الأسد وبعض أعنف القتال في سورية، أصبحت المدينة الأولى تعود بالكامل إلى أيدي الحكومة، وغادرها آخر مقاتلي المعارضة المسلّحة بعذ الاتفاق على هدنة محلية.
وتضيف أنه تم نقل نحو 300 مقاتل، ينتمي معظمهم إلى «جبهة النصرة» المتصلة بـ«القاعدة»، في الحافلات بصحبة قوات الأمن إلى معقل لـ«المعارضة» في شمال غرب البلاد.
وتقول دوسيت إن أسَر المقاتلين صاحبتهم في مغادرتهم المدينة، إذ نقل أطفال مذهولون باكون يحمل بعضهم لعبهم المفضلة، إلى حافلات بصحبة أمهاتهم. وبكت امرأة وهي تقول «لا أريد أن أغادر منزلي. لكن ابني مقاتل وأريد أن أذهب معه».
وتضيف دوسيت أنه على بعد نحو 15 دقيقة بالسيارة في وسط حمص أعرب ساكن التقت به مراراً عبر سنين الحرب في سورية، عن راحته قائلاً: «أتذكرين عندما كنّا لا نستطيع حتى عبور الطريق لخطورة ذلك؟».
وبعد مسافة قصيرة، وقرب نقطة تفتيش تابعة للجيش أقيمت حديثاً، يباهي مقهى بزجاجه الجديد بدلاً من الزجاج المهشّم، في ما يبدو أنه تأكد أن القتال انتهى. وفي الحي القديم في المدينة اجتمع عدد من الناس لإعادة بناء المباني المهدّمة.
وتختم دوسيت مقالها بأنه بعد خمس سنوات من اندلاع الاحتجاجات ضد الأسد، يشعر السوريون بالإعياء ويتوقون إلى رؤية أي بادرة أمل. ولكن الذكريات القديمة ما زالت سبباً للفرقة والخراب، وما زال يشعر كثيرون أنه من الصعب تخيّل خلق ذكريات جديدة.