لو كانوا صادقين؟
ناصر قنديل
– حفلة الشتائم التي نظمتها قوى الرابع عشر من آذار بوجه مقترح العماد ميشال عون لا صلة لها بمضمون الاقتراح، ولا بالحرص على الاستحقاق الرئاسي، بل بكمية من الثقة بأن البحث الرئاسي الجدي في لبنان متأخر جداً، ويحتمل حقن الحياة السياسية بالتشنج والتوتر، وإشاعة مناخات التصادم، لأنه لو كان العكس لشاهدنا نعومة وسلاسة في التعامل ولو من موقع الرفض للمقترح، بل ربما شهدنا رموزاً من عيار النائب وليد جنبلاط والوزير نهاد المشنوق والوزير سجعان قزي الذين يشكلون طلائع التمهيد للتواصل السياسي مع الثامن من آذار، يخرجون للترحيب بالمقترح كمشروع جدير بالبحث والتفكير بدليل الاستعصاء الذي يمر به الاستحقاق الرئاسي دلالة على الحاجة للبحث عن بدائل، مع إضافة مشفوعة بالرقة تقول إن الوقت ربما يكون تأخر مع هذا الاستحقاق لينال المقترح ما يستحقه من بحث، بل ربما كنا سمعنا من يرحب ويوافق على المقترح ويقول سنجعله أول بند على جدولي أعمال المجلس النيابي والحكومة المقبلين، لكن يختتمون بالقول، نأمل ألا يجعل العماد عون مقترحه شرطاً للتقدم بخطوات توافقية تحتاجها البلاد لإنقاذ الاستحقاق.
– حفلة الشتائم هذه تدل أيضاً إلى أن حفلة الحوار التي أدارها تيار المستقبل مع العماد عون، وهو نفس التيار الذي يقود حفلة الشتائم ضده، كانت عملية خداع ونفاق مبرمجة بقرار خارجي وليست تعبيراً عن الشعور بالمسؤولية، تجاه الحاجة للبحث عن مخارج مناسبة تحفظ البلد من دخول الفراغ الرئاسي وتوفر توافقات كبرى تتعدى المناورات والشكليات لبناء شبكة أمان حقيقية للبنان، لا يمكن أن يكون ذات الفريق الذي خاض حواراً من موقع الحرص والشعور بالمسؤولية هو ذات الفريق الذي يقود حملة الشتائم، بل الواضح أن النسخة الأصيلة والأصلية لهذا الفريق هي التي تعبر عنها حفلة الشتائم، لمن كان يعيش حالة احتقان تنتظر فرصة لتنفجر وتعبر عن تدفق من المشاعر السلبية والعدائية التي كان يضغط عليها ويخنقها قرار فوق مشيئتها وإرادتها، يفرض عليها التعامل بإيجابية مع العماد عون خشية أن تصل التوافقات على خريطة مقايضات إقليمية، كان معلوماً أن السعودية تشتغل على إقناع إيران بها، ربما يكون من ضمنها القبول بالعماد عون رئيساً في لبنان، فألزمت حلفاءها بلعب دور ساعي البريد لإيصال هذه الرسالة من جهة، ومنحتهم فرصة عدم الوقوف خارج التسوية في حال نجاحها من جهة ثانية.
– بالمعنى اللبناني البسيط والساذج وأياً كان موقف العماد ميشال عون ومضمون مقترحه، يصير السؤال البديهي الموجه لعباقرة الرابع عشر من آذار الذين تمطمطت رقابهم وارتفعت كعوب أقدامهم، وهم يحاولون إقناعنا بتمزيق ثيابهم وشد شعورهم، بشدة حرصهم على إنجاز الاستحقاق الرئاسي أولاً، وأن هذه هي قضيتهم التي لا ينامون الليل بسبب تعثرها، كيف يمكن أن تظهروا الحرص على إنجاز الاستحقاق الرئاسي وأنتم تعلمون أن العماد عون صاحب المقترح الذي قلتم فيه ما قلتم، هو بمعزل عن هذا المقترح المرشح الأقوى للرئاسة الذي من دون انسحابه لا يمكن الدخول بالبحث عن مرشح آخر، وهو الناخب الأكبر الذي تعلمون، وتتهمونه بناء على ما تعلمون، بأنه مع حليفه اللصيق جداً جداً به، حزب الله، يشكلان صاحب الفيتو الرئاسي الذي من دونه لا يكتمل النصاب ولا يتم الانتخاب، ومنطق الأشياء يقول، أن يقودكم الحرص في حال وجوده، والشعور بالمسؤولية لو تقدم على الأحقاد المنفلته مع حفلة الشتائم، لضبط النفس والتعابير والتعامل، بما يقتضيه الحرص والشعور بالمسؤولية لوصل المنقطع وليس لقطع المتصل.
– قد يصير مبرراً لقوى الرابع عشر من آذار الجواب، بيأسها من الوصول لتفاهمات مع العماد عون، وهنا إذا كانت قناعة فريق الرابع عشر من آذار بقيادة تيار المستقبل أن العماد عون عقدة لا حل لها، وأنه في الرئاسة كما يقولون أنا أو لا أحد، ويؤمنون بأن الرئاسة مغلقة عليها الأبواب بسبب عناده وشخصنته للرئاسة كما يقولون، أو بسبب مشيئة حزب الله بتعطيل الرئاسة كما يقول بعضهم، وأنهم ليسوا من يعلق الرئاسة على انتظارات الحلفاء الخارجية، وفي حالتهم على الأمر الملكي السعودي كما يتهمهم خصومهم، فالسؤال ما هو طريقهم لتحرير الرئاسة والبلاد معها من كونهما رهينة نصاب الثلثين الذي يمسكه من خناقه تحالف عون حزب الله؟
– هناك طريق واحد لقوى «السيادة والاستقلال» التي يفترض أنها قوى «ثورة الأرز المجيدة» وأنها الحريصة على تحرير الاستحقاق الرئاسي من «شخصنة العماد عون» ومن «استغلال حزب الله لترشيحه ليكون عامل تعطيل مسيحياً للرئاسة» وعبرها لأبرز معادلات إنشاء السلطات الدستورية الذي تمثله الرئاسة، والطريق هو اقتراح تعديل دستوري استثنائي يحرر الرئاسة من الفيتو الذي يمثله نصاب الثلثين في مجلس النواب، وهو تعديل لا يمر أيضاً من دون الثلثين، أي أنه يحتاج لقبول حزب الله والعماد عون، فيجب انتزاعه خلسة من العماد عون وحليفه حزب الله، وأما وقد جاءت زلة لسان من العماد عون واقترح هو هذا التعديل الذي يحرر الرئاسة من الفيتو والنصاب والتعطيل ويحيله للشعب، فهذه هي الفرصة التي ينتظرها «السياديون وثوار الأرز» كي يقولوا هلمّ إليها فوراً، لأنه وفقاً لما يقوله قادة الرابع عشر من آذار بوجه العماد عون، لم تعد مهمة المواصفات ولا المعايير والطموحات في ظل الخراب الناجم عن التعطيل، فالمهم أن يكون لدينا رئيس، وعندها تكون التتمة، وليكن من خلال الشعب مباشرة طالما فشل المجلس النيابي في القيام بواجبه، وربما كانت قوى الرابع عشر من آذار «لشدة حرصها» استأذنت العماد عون أن يكون السير بهذا المقترح لمرة واحدة، وربطاً بالفشل في الانتخاب ضمن المهلة الدستورية، وربطاً بالوقوع في الفراغ، من دون تعديل الآلية المعتمدة بصورة دائمة لانتخاب رئيس الجمهورية، لمنح المشروع فرصة الدراسة الوافية في ظروف هادئة، ورؤية مدى ملاءمته للنظام الدستوري اللبناني ومقتضيات الوفاق الوطني.
– لو كانوا صادقين لفعلوا ذلك، لكنهم لم يفعلوا.