تبقى «المنار» منارة… رغم غيّهم

د. سلوى الخليل الأمين

جاءنا الفاسق بالنبأ… ممدّداً على منارة الكلمة الناطقة بالحق والحقيقة سمّه الزعاف، راجماً في زمنه، زمن التسلط والتجبّر والغضب، محطة «المنار» التلفزيونية بسوادوية حقده الأغبر، عاملاً على شطب إرسالها عن قمر «عربسات»، كما فعل سابقاً مع الفضائية السورية وبعدها مع قناة «الميادين».

هنا علينا كمتابعين ومثقفين وأهل فكر وقلم أن نقف متسائلين: ماذا فعلت قناة «المنار» كي تستحقّ هذا الفعل المشؤوم الذي ضرب عرض الحائط بحرية الرأي واحترام الرأي الآخر؟ هل هو نتيجة الصراع الدموي الذي افتعلوه منذ ضياع فلسطين وحتى حرب اليمن وما سبقها من مؤامرات ما زالت تغلّ في ربوع سورية والعراق، دون رفة جفن، أو التماس إيمان مغلّف بالإنسانية التي امّحت من قلوبهم الصفراء، ثم هل سفحت روابط الدم بين الأشقاء فوق هيكليات الرؤى الملتبسة سياسياً ووطنياً وقومياً وعربياً، مما أدّى إلى شطب القضية الفلسطينية من واجهة الأحداث، كي تحلّ محلها الفتنة الطائفية الممذهبة، والعنصرية البغيضة، وحبّ السلطة والمال، وحياكة المؤامرات بتنوّع مساراتها واتجاهاتها الخاطئة، التي قسّمت وطننا العربي الكبير في ما مضى، إلى أوطان هزيلة عبر معاهدة «سايكس بيكو»، التي لما تنته فصولها المشؤومة حتى اليوم.

لقد استهدفوا قناة «المنار» بإشاراتهم «العربساتية» الحاقدة، وسهامهم الصدئة، في الوقت الذي تستباح فيه مدينة القدس المقدّسة في فلسطين، حيث يقتل أهلها وأطفالها دون ذنب اقترفوه، سوى أنهم شعب مناضل من أجل الكرامة الوطنية وإعادة الحق إلى أصحابه، عبر مقاومة الظلم والبغي والتجبّر والاعتداء الغاشم، بالرغم من تهديم منازلهم على رؤوس ساكنيها دون أيّ اعتراض عالميّ أو حتى عربيّ أو إنسانيّ، تماماً كما تمّ استهداف العراق سابقاً، باحتلال مبرمج، وحالياً بتفتتيت وتقسيم عنصري واتني، وكما تلقفوا المؤامرة الكونية على سورية، وكانوا دعائم تمويلها بالمال والعتاد والسلاح والعصابات الإرهابية المبرمجة على زرع الفوضى والتدمير والذبح والقتل دون شفقة أو رحمة، وعبر تغطيات إعلامية مفبركة صنعت للغاية نفسها، عبر محطات عربساتهم التي ما زالت تسرح وتمرح في الفضاء، دون أيّ مساس بشرائطها المعلقة على هواء قمر «عربسات»، لأنهم أرادوها السيف المسلط الذي يسبق العذل.

فالإرهاب الذي احتضن جنيناً في دوائر القرار في الولايات المتحدة الأميركية، وتمّت تغذيته بالمال والسلاح من أجل تدمير سورية وتفتيت العراق، ليس قدراً مرفوعاً على رايات الإصلاح، وشعارات الحرية والديمقراطية، بل هو عملية تدمير مبرمج لتاريخ حضاري، جذوره ضاربة في عمق الجغرافيا الكونية، التي يحاولون تغيير خرائطها من جديد، فمنطقة بلاد الشام زاخرة منذ القِدم بحضارات الأمم، التي تعاقبت عليها منذ الآف السنين، زارعة بين ظهرانيها تاريخاً مبوّب الصفحات، ثرياً بالموجودات الشاهدة على أصالة وعراقة النبت، الذي ما زالت مناراته تشعّ علماً ومعرفة منذ القدم.

وما إغراق لبنان في حمّى هذه التجاذبات السياسية المتماهية بين مؤيد للقضية الفلسطينية، ومقاوم للعدو الصهيوني، وبين مؤيد لـ«داعش» وعصاباته الإرهابية المجرمة، التي ذبحت الجنود اللبنانيين في عرسال بدم بارد، وبأموال عربية قطرية وسعودية، سوى فعل سوء مما يخطط وينشر ويروّج من أجل تمدّد قوة الإعصار الذي سيجتاح يوماً أرواحهم الممتلئة بالحقد وعلامات الخزي والعار، والترهيب المبرمج القائم على أساس نشر رسالة الإسلام، إسلامهم المموّه، المعبّأ بالإجرام والكفر والفبركات، التي لا تمّت بصلة وصل إلى رسالة الإسلام الصحيح، التي هي رسالة الإخاء والسلام والمحبة وكلمة سواء، والحرية والتسامح والعدل، حيث لا إكراه في الدين، وكما ورد في سورة الكهف الآية 29: «وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها»، إذا فالله هو العليم الخبير، فهل يا ترى يتساوى من يحمل السيف مقاوماً حتى الشهادة، دفاعاً عن الأرض المقدّسة في فلسطين، وعن الكرامة الوطنية في العراق وسورية ولبنان، مع إرهابي مجرم يذبح الأبرياء بحدّ السيف دون رحمة أو شفقة؟

لهذا كله يريدون إسكات قناة «المنار»، هذه المحطة المقاومة لكلّ أنواع الظلم والقهر والتعدّي، الواقفة بالمرصاد صوتاً وصورة بوجه كلّ المعتدين على تشويه الحقيقة، فهي التي اتخذت صراح القول هدفاً، ونقل الخبر اليقين بدقة المؤمن المؤتمن غاية إيمانية، فمراسلوها في كل مكان، ينقلون الحقيقة الواضحة التي لا لبس فيها، ولا ارتهانات مقروءة تحت عين الشمس، ولا خزعبلات شيطانية مرسومة بعين خبير دولي، موضوعة قيد التنفيذ حين تحلّ الساعة.

قناة «المنار»… وجدت لترفع الحق صولجاناً في الأوقات الصعبة، وراية مجد في زمن التقهقر والتخلف والارتهان والعمالة الواضحة، وشراعاً يعتلي مراكب الغفلة حاملاً قناديل النور إلى معارج الظلمات في لحظات الشدّة، التي أفلست فيها الضمائر والعقول، كما أفلست الجيوب الشريفة، لهذا استهدفوها، واتهموها، وخاصموها، ونثروا حقدهم على ممرّاتها الريحانية، المبخرة بدماء الشهداء من أبنائها، الذين حملوا شرف الأمة وكرامة الأوطان طريق جهاد ونضال لا يمسّه غبار الحقد والكره، مهما عاكست الظروف واشتدّت الخطوب، ومهما علا الصراخ، ومهما قطعوا أوصال الشرائط الموصولة بقمر «عربسات» من أجل حجب هذه القناة النورانية عن محبّيها ومتابعيها ومشاهديها، الذين لا تهزهم في قولة الحق لومة لائم، ما دام الفعل المرتجى هو السير على درب الشهادة والصراط المستقيم.

فـ»المنار»، لم تنهزم يوماً أمام نائبات الدهر، ولم يغرها الثناء في مواقع معينة، ولم تحد عن طريق الإيمان بالله والوطن، ولم تهدر كرامات الناس على مذابح الشهوات الخاصة، ولم تتاجر بدم الأبرياء، ولم تعصف عصفها، وهي القادرة حتماً، حين توجه إليها وإلى قادتها السهام، بل تجادلهم بالتي هي أحسن، انطلاقاً من دينها الحنيف القويم، الذي صانته وحفظته شرائع مثالية، لا تشوّه مضامينها القضايا الخاصة، لهذا لم تسبح بهوائها فوق أجساد الناس الطيبين، ولم تتغاض عمّن يستبيح أعراض الناس وكراماتهم، ولم تغفل عمن يمارس فعل التجبّر والغرور والحقد الأعمى، خصوصاً من هم اليوم علة العلل في سلوكياتهم السياسية، التي يمارسونها انبطاحاً أمام العدو الصهيوني، والاستعمار الأميركي الجديد، والطموحات الأردوغانية العثمانية المأخوذة بتنفيذ مخططات قوى الاستكبار العالمي، توخياً لمآرب خاصة. هنا الجميع يدرك بل مغتاظ من مسيرة «المنار»، كونها كاشفة الأسرار والخبايا، وخفايا المؤامرات التي تدسّ في أوطاننا في ليل خفي كثعبان بادية يدغدغه لهيب الرمال في نهار حارّ. لهذا كانت «المنار» القناة الفضائية المدركة كلّ أساليب الكرّ والفرّ والخداع والتدليس والتزييف القائم في أمة رنحنا هواها، وكان الظن أنها أحسن أمة أرسلت للعالمين، فإذ هي متخمة بمن رفعوا عصف الأرياح على أفنان الزهر جنوناً، لا تكتم مساره قناة «المنار»، حين اليقظة هي الشغل الشاغل لها، بل هي الهمّ الوطني العربي الجبار، الذي يضع النقاط فوق الحروف، وهذا الفعل هو مصدر الغيظ الذي تراكم حتى انفجر بليلة رعناء، قراراً موقعاً يقضي بحذف إرسال قناة «المنار» عن قمر «عربسات».

السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كلّ مراقب ومتابع هو: لماذا تسيطر القوى العربية الحليفة للسياسة الأميركو صهيونية الرعناء، بمسار قمر «عربسات»؟ لماذا لا يتمّ العمل على إنشاء أقمار محايدة تحترم حرية الرأي ومسيرة الكلمة الحرة، حين هذا الغرب المتسلط يجابهنا بحروبه المغفلة، تحت شعارات الحرية والسيادة والاستقلال؟ ثم أليس في هذا الفعل الديكتاتوري المتسلط تعسّفاً لا يمكن أن يُرتجى منه الخير لمخططاتهم التي كلما ازدادت شراستهم في التعبير عنها، واتخاذ القرارات التعسفية باتجاه طمس الحقيقة النابضة بالحق، كلما انكشفت أساليبهم الشيطانية المحكومة طوعاً لبروتوكولات حكماء صهيون.

بالرغم من كلّ هذه القرارات التعسفية وغيّهم المستمرّ، ستبقى قناة «المنار» كلمة الرأي والرأي الآخر، ومنبر الحقيقة والمرتجى والمتنفس، في ظلّ تعدّد المحطات الإعلامية المدعومة بالدولار المستورد، وبالرغم من توجيه سهامهم إليها، لظنهم أنهم سيصيبون منها مقتلاً، لكن جهلهم بواقع الحرية الإعلامية المفتوحة في لبنان على كلّ الخيارات والاتجاهات السياسية، ضمن احترام حق المواطن بتلقي الخبر الصحيح، هو الحق المصون بالقوانين المرعية الإجراء، بحيث لا يمكن لمسؤول أو إعلامي أو مواطن التغاضي عنها. وهذا ما حدث حين تكاتف الجسم الإعلامي مع قناة «المنار»، وقبلها مع قناة «الميادين»، تأييداً لحرية الكلمة، التي لا يجوز حجبها عبر أيّ ذريعة أو سبب.

لهذا دعوني أرشح بعبارات التأييد المطلق لفضاء «المنار» الرحب بالقول:

دعونا نقرأ لغة الحب عبر قناة «المنار» / ونعيد ترتيب عباراتنا الوطنية/ حيث فلسطين بالانتظار/ وأرض العروبة ترفع رايات مجدها الغابر… استشهاد مجاهدين/ رفعوا القسم وعداً… وعهداً ثابتاً / نقشوه على شواهق القمم والساحات المعمّدة بالدم الطهور/ حيث الرمح كلمة سيالة فوق مدارات السنين / واليراع سيف مغمّس بعبق التاريخ / وتراويح أمة انسكب هواها بين ممرات الياسمين في شام العروبة/ وحقول التبغ في الجنوب المقاوم / وبيّارات الليمون في حيفا ونابلس/ لهذا نقرأ «المنار» لغة صمود وثبات وطقوس إيمان في الزمن الصعب. فيا زهرة الزمن المتآكل من أورام أمتنا السرطانية، ستظلين «المنار» بل المنارة التي لا تطفئ أنوارها، مهما طغى الآخرون ومهما تغلغل حقدهم بين السطور.. لأن زمنك زمن المقاومة بامتياز.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى