الارتباك سعودي تركي للمرة الأولى
ناصر قنديل
– بسرعة قياسية وبتزامن لافت تحرّكت المواقف السعودية والتركية على السواء بين سقوف عالية ومنخفضة لا يبرّرها أيّ حساب سياسي عاقل، فبدت كلّ واحدة منهما كسفينة عالقة وسط المحيط بلا قبطان تتقاذفها الأمواج وتتلاطم بالصخور دون وضوح وجهة شراعها ولا مكان مرساتها.
– في أسبوع واحد كانت السعودية تتحدّث عن قرب السيطرة التامة على تعز ومأرب والاقتراب من صنعاء، وصارت تتحدّث عن حصار الحوثيين لتعز وعن عمليات تفجير في عدن يقومون بها، وتقبل وقفاً للنار وبدء مسار سياسي تفاوضي، لم تكن تقبل بهما معاً من قبل، بل تستبق الجميع بالإعلان عن وقف النار.
– تركيا كانت تتحدّث عن تهديد بعقوبات على روسيا وتلمح إلى إقفال ممرات المضائق بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط أمام روسيا، وتعلن عن جدية السعي إلى المنطقة الآمنة شمال سورية بالتعاون مع واشنطن، وأنّ قواتها في العراق لن تنسحب لأنها ضرورة لاستقرار المنطقة، بعدما كانت مجرّد وحدات تدريب محدودة بمعرفة الحكومة العراقية، ثم تعلن إعادة تموضع هذه القوات وتلمح إلى سحبها، ويعلن الرئيس التركي رغبته في طيّ صفحة الخلاف مع روسيا، وينسى المنطقة الآمنة بعدما أعلن البيت الأبيض أنّ الأمر غير وارد إطلاقاً، فماذا عدا مما بدا؟
– من جهة نحن أمام عزم روسي إيراني على تأديب تركيا، عبر دعم واسع للعراق بوقفته في وجه التمدّد التركي، ومن جهة هناك الأسطورة التي جسّدها الحوثيون في ثباتهم وصمودهم وحكمتهم وحنكتهم وقدرتهم على المناورة والصمود وابتكار وسائل الاستنزاف من الحدود السعودية إلى العمليات النوعية التي كانت أبرزها عملية تدمير قيادة قوات التحالف السعودي الخليجي أمس، ومقتل مئة وخمسين من عناصره وعلى رأسهم قادته من السعودية والإمارات.
– من جهة أخرى هناك الحاجة الأميركية إلى تسارع روزنامة التسويات والتفاهمات، سواء في مسار فيينا لسورية، وهذا معنى القبول الأميركي بالشرط الروسي بأنّ اللائحة التي تصنّف التنظيمات الإرهابية وتحدّد بالتالي القوى المعارضة المقبولة في العملية السياسية يجب أن تكون موحّدة وعبر المشاركين في مسار فيينا، ما يعني إسقاط نتائج مؤتمر الرياض الذي رعته السعودية لتشكيل قيادة المعارضة وتضمينها قوى مصنفة كتنظيمات إرهابية، وكذلك في مسار مسقط وجنيف لليمن، حيث الحرب صارت عبثاً بلا جدوى، وقد منحت السعودية الفرص تلو الفرص قبل توقيع التفاهم على الملف النووي مع إيران وبعده، ولا زالت تراوح مكانها.
– من جهة مقابلة تعرف واشنطن أنّ مسار التسويات يعني تبادل التنازلات مع موسكو وطهران وليس مع الرياض وأنقرة بل على حساب كلّ منهما.
– نهاية العام تقترب والمهل الممنوحة لأنقرة والرياض لترتيب أمورهما بما تيسّر، بعد اختبار كلّ الأوهام والرهانات وصار وقت التسليم بالحقائق في العراق وسورية واليمن ولبنان.