الاغتيال السعودي الإعلامي… «المنار» أيضاً

حسين مرتضى

أعاد قرار إدارة «عربسات» إنزال قناة المنار عن أقمارها الصناعية إلى الأذهان الحرب التي شنتها ممالك النفط والرمال ولا تزال على الصحافيين والإعلاميين منذ نشأتها، فهي اليوم بعد أن مارست الاغتيال في حقّ الكثير من الأقلام الإبداعية في عالم الصحافة العربية، وزجّت العديد منهم في السجون، تحاول أن تبعث برسالة إلى الجميع بأنّ يد أمراء «الريال» يمكن أن تصل إلى خارج حدود تلك المملكة، وأنه يُمكنها معاقبة الجميع حتى عن بعد.

لم يكن حجب «المنار» بالأمر الجديد، فقبلها حجبت قناة «العالم» منذ ما يقارب الخمس سنوات، ومن دون سابق إنذار، والآن نشهد الحرب نفسها على «المنار» و«الميادين»، تحت ذرائع واهية مختلفة، لكنّ ما يجمع تلك الذرائع هو أنّ أمراء الرمال يضيق صدرهم بالكلمة، وتؤرق مضاجعهم الحرية والمقاومة، فالمملكة ترى أنّ المختلف معها يجب ألا يتكلم، وتفضل صمته بطرق عدة ومنها حديثاً الحجب عن الأقمار، على اعتبار أنّ فكر المقاومة الذي تبثه هذه القنوات الثلاث ومعها قناة «المسيرة» اليمنية وعدد من القنوات الأخرى يمثل بالنسبة إلى دوائر صنع القرار عندهم، طاعوناً يجب التخلص منه، وأنّ أي دفاع في هذا العصر عن القضية الفلسطينية وفضح مخططات أعداء الأمة، يجب أن يُواجَه، عبر أوراق تملكها مملكة اعتادت على ملء سجونها بأصحاب الكلمة، وتعتاش على سياسة الأتباع الذين لا يرفعون إصبعاً في وجه مشغليهم، فكيف يمكن لهكذا منظومة سياسية أن تتحمَّل قنوات تعمل في خدمة محور المقاومة.

إنّ المراقبة الدقيقة لدول الخليج، تُظهر بوضوح القدرة التأثيرية لتلك القنوات على صنع وإعادة تشكيل الوعي الجمعي لدى شعوب المنطقة، عبر استخدام الفضاء المتاح لها، بالرغم من الحرب التي يشنها الكيان «الإسرائيلي» في مواجهة تلك القنوات، فعمليات الحجب تأتي لتدلل أكثر على أنّ كلّ القيود التي يمكن أن يفرضها المال الصانع للأفكار أمام القدرة الإعلامية العابرة للأقمار، وهم وعبث ولا تجدي نفعاً، فلعبة الإقصاء لم تعد في زماننا هذا تأتي بثمار حقيقية، بل هي جزء من الفكر الديكتاتوري الذي يمارسه آل سعود حتى على أمراء في مملكتهم، ظناً منهم بأنّ هذا النهج سيحصِّن مجتمعهم المتهالك أصلاً، ويمنع وصول إشعاع النور إلى سراديب العتمة في كلّ أرض الحجاز.

لا عجب أن تكون «المنار» وقبلها قناة «العالم» المستهدفة بشكل دقيق، بعد النجاح الإعلامي الذي حققته في تغطية الأحداث في فلسطين واليمن وإظهار الوجه الحقيقي للحرب على سورية، لكنّ العجب كلّ العجب ممن يعتقد أنّ اتخاذ القرار في زمن تعجّ فيه السماء بالأقمار الفضائية، سيمنع وصول «المنار» و«العالم» و«المسيرة» إلى كلّ بيت، فالفضاء مفتوح والبدائل متاحة، ومثل هذه الخطوة الجاهلية من قبل السعودية، لا تستطيع إسكات هذه القنوات، والدليل على ذلك قدرة ونجاح قناة «العالم» في الاستمرار والحضور، بالرغم من كونها القناة الأولى التي طالها مقصّ الرقيب السعودي.

لم يعد سراً أنّ نشرة أخبار أو تقرير إخباري يثير غضب صُنّاع القرار في مملكة الرمال، لكنهم يغفلون عن أنّ نشر الحقائق وصناعة الذاكرة الجمعية للمتلقي، لا ترتبط بالمال أو الأرقام بل تتعلق بالمبدأ، والدليل على ذلك ازدياد عدد مشاهدي قنوات المحور، بالإضافة إلى خلقها فضاءات أخرى من خلال تفعيل وجودها وبثها في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن استطاعت بثّ إشارتها عبر أقمار بديلة وعلى مدار «عربسات» نفسه، ما جعل هذه الإجراء يرتدّ على صاحبه من حيث تساؤل الرأي العام: لماذا استهداف هذه القناة وقد زاد الفضول عدد مشاهديها؟

مدير مكتب قناة «العالم» في سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى