عمرو علي لـ«البناء»: «ومضة»… حياةٌ وفنّ وحبّ من سورية وإلى سورية والسوريين جميعاً

دمشق ـ آمنة ملحم

لأن الأمل في قلوبهم كبير، ولأن إرادة الحياة وإيمانهم ببلدهم أكبر، لم تقف الصعوبات والمِحن عائقاً أمام الفنّ السوري، إنما أثبت صنّاعه من مخضرمين وشباب تفوّقهم على الواقع الأليم وعلى أنفسهم، وأبدعوا في مجالهم فاستحقوا الجوائز التي لم يتوقف سيلها عل رغم كل المعوقات.

فها هو المخرج السوري الشاب عمرو علي يحصد «جائزة يوسف شاهين» عن فيلمه التسجيلي «ومضة»، من شركة أفلام مصر العالمية. وبذلك، يسجّل الحضور الأول له في عالم الجوائز، إذ أعرب في حديث إلى «البناء» عن سعادته الكبيرة بهذه الجائزة، لأنها ترتبط بِاسم مخرج مثل الأستاذ يوسف شاهين، المخرج الحاضر دائماً رغم الغياب، سواء بعوالمه الحيّة في أفلام سيرته الذاتية أو بجائزته التي خصّصها للمخرجين الشباب، أو بِاسمه الحيّ في قلوب محبّي السينما.

وعن تجربته مع «ومضة» يقول علي: صوّرت «ومضة» في دمشق صيف 2014، في الشوارع والساحات والطرق العامة، وسط ظروف صعبة من الناحية الأمنية. وكان إنجاز يوم تصوير بحدّ ذاته أشبه بمغامرة مجنونة غير محسوبة العواقب. والحقيقة أنني وسط تلك الظروف، لم أكن أملك ترف التفكير في حصول الفيلم الذي أنجزه على جائزة. كنت أركّز على إنجاز الفيلم بأقل الخسائر الممكنة. سعيد جداً لأن الفيلم ـ بالنسبة إليّ ـ حصل على مكاسب أعترف بأنني لم أكن أتوقّعها، سواء مشاركته في المسابقة الرسمية ضمن مهرجان القاهرة السينمائي 2014، أو بحصوله على «جائزة يوسف شاهين» المقدّمة من شركة أفلام مصر العالمية.

ويتابع المخرج الشاب: إن الجائزة دليل على أن الأفلام النابعة من المعاناة ومن صميم الرغبة بالتعبير عن واقع يستحقّ أن ينتقل إلى الشاشة الكبيرة. هي أفلام لا بدّ أن تلقى تقديراً في يوم ما. فالدافع إلى صناعة الفيلم وما يريد أن يقوله الفيلم بالنسبة إليّ، جزء كبير من الفيلم لأنه القضية التي ستتضح في ما بعد جدوى تحويلها إلى شريط سينمائي. صنعت الفيلم بدافع الرغبة بإيصال صوت من دمشق، ينادي أن في هذه المدينة، وعلى رغم الحرب المجنونة، ثمة من يغنّي للحياة ويحتفل بالفنّ والموسيقى ويحاول في أتعس الظروف أن يحيي الأمل بأن تعود الحياة من جديد إلى مدينة لا تليق بها إلا الحياة. وثّقت تجربة هؤلاء الشباب ـ الأصدقاء وصوّرت معهم مجموعة من الحوارات وتابعتهم في البروفات ولاحقت بالكاميرا إصرارهم على الاستمرار بالعمل على رغم القذائف التي تتاسقط على المدينة كالمطر، وعلى رغم انقطاع النور وصعوبة الخروج إلى الشوارع والساحات لتقديم عروض حيّة في الهواء الطلق وسط جموع الناس الباحثة عن ابتسامة أو مشهد أو ومضة تنعش الأمل في أرواح مرهقة. وبالتالي، سأستمرّ لو استطعت بصناعة أفلام تدفعني رغبة ملحّة إلى صناعتها لقول ما لا أراه عادياً في خضمّ واقع يغري أيّ كاميرا ويتوسّلها بما يشبه الرجاء لأن ترصده.

وعن تفاصيل تجربة «ومضة» يؤكد علي أن «ومضة» هو حياة وفنّ وحبّ من سورية وإلى سورية وإلى السوريين جميعاً.

فيلم «ومضة» وفقاً لمخرجه، فيلم تسجيلي طويل عن «مشروع ومضة»، وهو مشروع أسّسته مجموعة من الموسيقيين والممثلين والراقصين من خرّيجي المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى. تعتمد فكرة المشروع على مبدأ «الفلاش موب Flash Mob»، أي تقديم عروض موسيقية غنائية وتمثيلية بشكل مفاجئ ولمدة زمنية قصيرة في الشوارع والساحات والأماكن العامة.

كانت بداية المشروع في أواسط 2013، واستمر لأشهر عدّة، إذ قُدّمت عروض عدّة سمّيت «ومضات». حدث ذلك في أماكن متعدّدة في دمشق مثل «الشعلان» و«الجسر الأبيض» و«الصالحية» و«شارع الحمراء». وقد أحدثت تلك العروض صدى في وسائل الإعلام المحلية والعالمية كونها ظاهرة فنية لافتة تشكل ومضة أمل وفنّ وحبّ من سوريين إلى كل السوريين في زمن الأزمة.

يتضمّن الفيلم الذي أنتجته «صورة للإنتاج الفني» حوارات مصوّرة مع عدد كبير من القائمين والمؤسّسين والمشاركين في «مشروع ومضة» مثل الفنانة نغم ناعسة، صاحبة الفكرة، والموسيقيين: آري جان سرحان، وخالد رزق، اللذين أعادا توزيع عدد من الأغاني المعروفة مثل «موطني» و«حلوة يا بلدي» وغيرها من الأغاني التي قام بغنائها كل من: ساندي نحاس، وغيث منصور، وريمون يزبك في أكثر من ومضة، ومصمّمة الرقص يارا عيد التي قامت بالتصميم الحركي، ولا ننسى الفنانين: ينال منصور ومحمد حمادة من المشاركين في الومضات، إذ تم إلقاء مونولوجات على العلن هي عبارة عن «بوستات» كتبها الراحل الفنان نضال سيجري ونشرها على صفحته الشخصية في «فايسبوك» قبل وفاته، حيث كانت الومضة الأخيرة في الجسر الأبيض مهداة إلى روحه.

هذا إلى جانب مواد فيلمية أرشيفية للومضات التي تم تصويرها بشكل مباشر أثناء أداء العروض، والتي تم نشرها في ما بعد على «يوتيوب»، وحظيت بنسبة مشاهدة عالية، وقام بتنفيذ عملياتها الفنية المخرج مصطفى برقاوي عبر شركة «لايت هاوس Light House»، التي كانت من المساهمين في دعم «مشروع ومضة».

وعن جديده، يذكر علي بأنه يعمل حالياً على فيديو كليب لنجم «ستار أكاديمي» ليث أبو جودة، لأغنية عاطفية بعنوان «سطور محترقة»، إذ من المفروض أن يتم التصوير خلال الفترة المقبلة في القاهرة، على أن تعرض مطلع السنة الجديدة على المحطّات. كما يعكف علي على كتابة فيلم روائي قصير وهو مشروع تخرّجه من المعهد العالي للسينما، ومن المرجح أن ينتهي العمل عليه في منتصف السنة الجديدة.

عمرو علي درس في المعهد العالي للسينما في القاهرة، كتب وأخرج أفلاماً روائية قصيرة عدّة، شارك بعضها في مهرجانات سينمائية عربية مثل «8 ميليمتر ديجيتال»، «عيد ميلاد» و«وحوش العاطفة». «ومضة» وهو فيلمه التسجيلي الطويل الأول. علماً أن «جائزة يوسف شاهين» التي نالها تمنحها شركة «أفلام مصر العالمية» للحاصلين على المركزين الأول والثاني في قسم الإخراج في المعهد العالي للسينما، وقيمتها 20 ألف جنيه مصري، وتُمنَح سنوياً بناءً على وصية يوسف شاهين وتحمل اسمه، والهدف منها دعم المخرجين الجدد والواعدين منهم وتشجيعهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى