الناتو الإسلامي للولايات المتحدة

عامر نعيم الياس

أعلنت المملكة السعودية تشكيل تحالف إسلامي عسكري من 34 دولة لمحاربة الإرهاب. وصدر عن الرياض بيان مشترك بتشكيل هذا التحالف جاء فيه: «قررت الدول الواردة أسماؤها في هذا البيان تشكيل تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، وأن يتم في مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق العمليات العسكرية ودعمها لمحاربة الإرهاب، ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود».

الدول المشاركة في التحالف إلى جانب السعودية هي: الأردن، الإمارات العربية المتحدة، باكستان، البحرين، بنغلاديش، بنين، تركيا، تشاد، توغو، تونس، جيبوتي، السنغال، السودان، سيراليون، الصومال، الغابون، غينيا، فلسطين، جمهورية القمر الاتحادية، قطر، كوت دي فوار، الكويت، لبنان، ليبيا، المالديف، مالي، ماليزيا، مصر، المغرب، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، اليمن.

وأشار البيان إلى أن هناك «أكثر من عشر دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها هذا التحالف وستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن ومنها إندونيسيا».

وزير الدفاع السعودي ووليّ وليّ العهد محمد بن سلمان قال، في مؤتمر صحافي نادر له في العاصمة السعودية، حول إمكانية قيام هذا التحالف بعمليات في سورية والعراق: «لا نستطيع القيام بعمليات في هاتين الدولتين من دون تنسيق مع السلطات الشرعية فيهما». فهل يعني ذلك إبعاد شبهة تكرار ما حصل في اليمن على سورية والعراق، أم أن الأمر يُقصَد به ترك الإرهاب في هاتين الدولتين ليفعل ما يشاء؟

التحالف المفاجئ الذي شكّل في مفاوضات استغرقت 72 ساعة وفق مصادر في العاصمة السعودية، هو تحالف يستثني العراق وسورية وإيران وسلطنة عُمان، بكل ما تعنيه هذه الدول من ثقل إقليميّ وكون اثنتين منهما تشكلان الساحة الأهم للحرب ضدّ الإرهاب، لا بل العنوان العريض له، فضلاً عن دولة أساس في مجلس التعاون الخليجي، نأيها بالنفس وحده من دون الأخذ بالاعتبار الدول الباقية يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، حيث يمكن تلخيص الأهداف من وراء هذا التحالف بالتالي:

ـ من حيث الشكل والتركيب يبتعد التحالف عن دول البريكس وعن كافة الدول المحسوبة بشكل أو بآخر على المحور الداعي إلى إرساء نظام دوليّ متعدّد الأقطاب في العالم، بمعنى أنه من حيث الشكل يبلور في تجمّع مشترك نواة تحالف موالٍ للولايات المتّحدة الأميركية وسياساتها الدولية عموماً والإقليمية خصوصاً.

ـ الدول المؤلِّفة هذا التحالف «العسكري الإسلامي» هي دول تعمل بشكل أو بآخر على تشكيل محور عسكري ذي صبغة طائفية تفرز «الأمة الإسلامية» ما بين كتلة سنّية وأخرى شيعية، تشابه إلى حدٍّ ما الفرز الذي تقسّم فيه الإدارة الأميركية العالم بين الخير والشرّ. حيث يساهم هذا التحالف في تكريس الاستقطاب في «الأمة الإسلامية» والدفع قدماً بالانقسام إلى مستويات جديدة.

ـ التحالف الذي مقرّه الرياض يخرج العاصمة السعودية نهائياً من دائرة الاتهامات الدولية بدعم الإرهاب، خصوصاً في ظل الحملة الغربية المتزايدة على مملكة آل سعود والهجوم الذي تتعرّض له السياسات السعودية بين النخب السياسية وحتى الأمنية الأوروبية على خلفية بثّ الخطاب الطائفي التحريضي الذي يشكّل نواة الوهابية السياسية.

ـ هذا التحالف ورقة في يد السعودية ومن ورائها الإدارة الأميركية في أيّ خطوات مستقبلية للحرب ضدّ الإرهاب في المنطقة، إذ سيكون حاضراً في كل تفاصيل العمل الدولي المشترك الروسي ـ الأميركي إن حصل الآن أو مستقبلاً. وبالتالي، سيسمح وجوده بشكلٍ أو بآخر في تشريع وجود القوة الإسلامية التي تقودها السعودية على أرض الدول التي تشكّل ساحاتٍ للحرب ضدّ الإرهاب، وهو بهذا المعنى خطير كونه يرسم أطراً غير مباشرة لشكل القوات البرّية التي تتمنّى واشنطن والأطلسي وأوروبا انخراطها في الحرب ضدّ الإرهاب في المنطقة.

التحالف الأميركي ـ الإسلامي في الشرق الأوسط «حلف الناتو الإسلامي»، هو الذراع الضاربة للولايات المتحدة في العالم الإسلامي مع انكفاء الأطلسي وتفرّغه لمواجهة روسيا في أوروبا والصين في آسيا. وهو يحمل في طيّاته بذور مشروع جديد لتكريس الهيمنة الخليجية على القرارين العربي والإسلامي بقوة السلاح، وإن لم تشارك كل الدول في القوات العسكرية لهذا التحالف، ولنا في باكستان وموقفها من حرب اليمن مثالٌ على ذلك.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى