هل بدأ نجم تنظيم «داعش» يخفت؟

كتبت مجلة «إيكونومست»: منذ هجمات الشهر الماضي التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس، واصل تنظيم «داعش» قرع طبول العنف العابرة للقارات. وتشمل الفظائع الأخيرة من التفجيرات الانتحارية التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها، التفجيرات التي حدثت في وسط مدينة تونس والعاصمة العراقية بغداد، وحادثة القتل الجماعية في ضواحي ولاية كاليفورنيا الأميركية واغتيال محافظ مدينة عدن اليمنية.

لا تقتصر وسائل التنظيم في بثّ الرعب على العمليات الانتحارية فحسب، بل تشمل كذلك آلة التنظيم الدعائية الخيالية الفظيعة التي تضخّم الخطر.

الفيديو الأخير لتنظيم «داعش» في سورية يُظهر مجموعة من الأطفال وهم يلعبون بمسدّسات غير حقيقية في القلعة المهدّمة قبل قتلهم.

في فيديو آخر، وفي اليمن، يتم تحميل السجناء في ملابس برتقالية اللون على متن مركب شراعي صغير، ويتم دفع السجناء إلى البحر ليغرقوا تحت وابل من المقذوفات الصاروخية.

الفنيون التابعون للتنظيم، وفي الوقت نفسه، أطلقوا نسخة مغايرة من علامتهم التجارية من التطبيق الذكي للجماعة، ما يتيح التحميل اللحظي لأشرطة الفيديو. في قسم الموسيقى أصدر التنظيم نشيداً جذّاباً، أو أنشودة جهادية جاءت تحت عنوان «أنا مجاهد» وتم بثها بلغة الماندرين الصينية.

يبدو هذا الإسقاط من القوة والكفاءة فعّالاً، وليس فقط في تأجيج الإرهاب. يقدّر تقرير صدر مؤخراً عن «مجموعة صوفان»، وهي شركة استشارية، أن العدد التراكمي للمجنّدين الأجانب الذين التحقوا بتنظيم «داعش» تضاعف أكثر من الضعف منذ حزيران 2014.

وفي الوقت الذي قتل فيه البعض من هؤلاء المجندين الأجانب وترك فيه البعض الآخر التنظيم أو «دولة الخلافة»، فقد تقلصت أعداد الوافدين الجدد نتيجة للضوابط الأكثر صرامة التي يتم تطبيقها على الحدود التركية.

ولكن حقيقة أنهم جاءوا من 86 بلداً على الأقل تشهد على استمرار سحب البساط من رسالة «داعش»، سواء تلك التي يتم بثها عن طريق مجلة «دابق» على الإنترنت كل شهرين، أو عن طريق البثّ الإذاعي الذي يتم بخمس لغات، أو ألعاب الفيديو حتى.

وبصرف النظر عن هؤلاء المهاجرين، فقد اجتذب تنظيم «داعش» عدداً أكبر ممن يقومون بعمليات جهادية تابعة للتنظيم في الدول الغربية. شاهدنا من هؤلاء منفّذي هجمات باريس التي خلّفت حوالى 130 قتيلاً، وهجمات ضواحي ولاية كاليفورنيا في الثاني من كانون الأول الجاري، والتي نفّذها زوجان أميركيان في سان برناردينو، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً.

ولكن مع كل نجاح للمجموعة في إضافة عمليات إرهابية وتنفيذها، فقد باتت الحياة على الأرض ضمن الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم قاتمة بدرجة كبيرة منذ أحداث باريس. وإن كانت بعيدة عن الهزيمة، ويمكن أن يكون التنظيم لم يعد يرقى إلى مستوى شعاره «ليبقى ويتوسع».

تعمل دعاية التنظيم على تصوير «الخلافة» أمراً جيداً، حيث يتعلم الأطفال «الدين الصحيح»، والأسواق مليئة، ويُجري تنظيم رحلات للصيد في نهرَي دجلة والفرات. الواقع هو أكثر كآبة.

يحرز الأعداء الذين يحيطون بتنظيم «داعش» تقدّماً ببطء قرب جبهات التنظيم. وكانت أكبر خسارة شهدها تنظيم «داعش» في الشهر الماضي في بلدة سنجار العراقية، الأمر الذي يجعل الآن الرحلة بين المدن الرئيسية التي يسيطر عليها «داعش»، الموصل في العراق والرقة في سورية، أطول ومحفوفة بالمخاطر بدرجة أكبر.

النكسة التي قد تكون كبيرة وعلى قدم المساواة مع نكسة سنجار تتمثل بالسيطرة من قبل القوات الكردية في سورية في الغرب على حقول النفط في سنجار، والتي ستؤثر سلباً على موارد التنظيم الاقتصادية.

والآن، تبدو مدينة الرمادي العراقية الأكبر بكثير، والتي استولى عليها تنظيم «داعش» في أيار الماضي، أقرب إلى السقوط. تحيط القوات العراقية بمدينة الرمادي في الوقت الراهن، كما أن جميع سكان المدينة باستثناء بضعة آلاف فرّوا منها تحسّباً للهجوم النهائي الدموي.

وبينما تنهار حواف «الخلافة»، يعاني باطنها على نحو متزايد. القصف المنهجي لقوات التحالف الدولي لمواجهة تنظيم «الدعش»، والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ آب 2014، تتزايد وتيرته بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وحلقت أكثر من 3000 طلعة جوية في تشرين الثاني الماضي، وهو أعلى معدل شهري تشهده معدلات القصف الجوّي لقوات التحالف.

مع عدم وجود أي شكل من أشكال الترفيه باستثناء المساجد وقطع رؤوس العامة، ينبغي أن يوفر الإنترنت بعض الراحة. ومع ذلك، وبقدر ما يعزّز تنظيم «داعش» نفسه على شبكات التواصل الاجتماعي العالمية، فقد قام التنظيم بحظر استخدام الإنترنت الخاص داخل «دولة الخلافة». منذ أيلول الماضي، تم منع حتى المسؤولين في «داعش» ومقاتلي التنظيم من امتلاك الحسابات الشخصية.

آرون زيلين، وهو زميل في كلّية كينغز في لندن، يلاحظ انخفاضاً ملحوظاً في كمّ ما تنتجه الآلة الإعلامية للتنظيم منذ الذروة التي بلغتها في منتصف الصيف الماضي. نقلاً عن باحثين آخرين، فضلاً عن ملاحظاته الخاصة، يلاحظ زيلين أيضاً انخفاضاً في نوعية الإنتاج.

ربما يكون أكثر جدّية للتنظيم ما يواجهه من صعوبات في إيصال رسائله إلى الخارج. وبصرف النظر عن القيود المفروضة على استخدام الإنترنت الشخصي، ما يؤثر على عمليات التجنيد، فقد حثّت الحكومات الغربية بنجاح عدد متزايد من شركات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام إلى بذل جهود أكثر جدّية للتخلص من حسابات الكتلة المتعاطفة مع «داعش».

أغلق موقع الشبكات الاجتماعية «تويتر» الآلاف من حسابات المشتبه بهم السنة الماضية. قبل ذلك، كان يُعتَقد بوجود حوالى 20 ألف حساب لـ«داعش» على «تويتر». وبينما يقوم موقع «يوتيوب» بحذف المحتوى الذي يبثه التنظيم عليه، قام موقع «تليغرام»، وهو موقع يقدّم خدمة الرسائل الفورية المشفرة ويعتمد عليه التنظيم بشكل متزايد، بحظر التنظيم منذ منتصف تشرين الثاني الماضي.

وكدليل على العزلة المتنامية على شبكة الإنترنت، أعلن التنظيم بعد وقت قصير من هجمات باريس أنه سينقل أرشيف دعايته إلى «الإنترنت المظلم».

وكأن هذا لم يكن كافياً، يعاني تنظيم «داعش» أيضاً من المنافسة الإعلامية. المنافس الأكبر له تنظيم «القاعدة» عزّز في الآونة الأخيرة من نوعية البيانات الصحافية الخاصة به وكمّيتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى