دردشة صباحية
يكتبها الياس عشي
في «كليلة ودمنة» دروس أخلاقية بَوّأتِ الكتابَ مركز الصدارة، بحيث لا تكتمل ثقافة امرئ إلا باطّلاعه على هذا الإرث الهندي الثمين الذي كتبه بيدبا الفيلسوف لدبشليم الملك، وترجمه برزويه إلى الفارسية، ثمّ نقله عبدالله ابن المقفع إلى العربية، مضفياً عليه الكثير من روح الإسلام.
والكتاب يتّصف بالرمزية، لأنّ أبطاله حيوانات ناطقة، يسوقون الحكايا بعفوية، تاركين، وراء كلّ منها، حكمة تصلح لكلّ زمان، ولكلّ مكان. وما أحوجنا اليوم، وقد صار الكلام سلعة تجارية قاتلة، وثرثرةً لا طائل من ورائها، أن نعود إلى «كليلة ودمنة»، وأن نذكّر حسن صبرا، وغير حسن صبرا، بمثل «البطتان والسلحفاة».
فما قصّة البطتين والسلحفاة؟
«زعموا أنّ عيناً كان فيها بطتان وسلحفاة، فنقص ماء تلك العينِ نقصاناً فاحشاً. فلما رأتِ البطتان نقصان الماء قالتا: ينبغي لنا تركُ هذه العين، فودّعتا السلحفاة وقالتا: السلام عليك فإنا ذاهبتان. قالت السلحفاة: إنما اشتدّ نقصانُ هذا الماء على مثل هذه الشقيةِ التي لا تقدر أن تعيش إلا بالماء، فأما أنتما فإنكما تعيشان حيث توجهتما، فاحتالا لي واذهبا بي معكما. قالتا: لن نقدر على أن نذهب بك معنا إلا أن تشترطي لنا إذا جعلناك في الهواء ورآك الناس فذكروك ألا تجيبيهم. ثم قالت: وكيف السبيل لكما إلى حملي؟ قالتا: تعضين في وسط عودٍ، ونأخذ بطرفيه ونعلو بك في الهواء. فرضيت بذلك وحملتاها وطارتا بها. فلما رآها الناس تنادوا وقالوا: انظروا إلى العجب، سلحفاة بين بطتين في الهواء! فلما سمعت السلحفاة مقالتهم وتعجّبهم منها قالت: فقأ الله أعينكم. فلما فتحت فاها بالنطق وقعت إلى الأرض فماتت».
ماذا ربح حسن صبرا من « سبقه الصحفي السخيف « عندما تجرّأ ودخل بيت فيروز ، وحشر أنفه في خصوصياتها ؟ وما فائدة الكلام إذا كان لا يفيد أحداً ؟ وهنا يحضرني ما قاله أحد الحكماء لزائر له أراد أن ينقل إليه خبراً عن صديق مشترك بينهما .
سأله الحكيم : هل خبرُك يفيدني ؟
أجابه الزائر : كلّا .
هل يفيدك أنت ؟
كلّا .
هل يفيد الصديق المشترك بيننا ؟
كلّا .
عند ذلك قال الحكيم :
إذن .. احتفظ بالخبر لنفسك ، وتذكّر ما قاله الشاعر زهير بن أبي سلمى :
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه
فلم يبقَ إلّا صورةُ اللحمِ والدّمِ