روبرت إسحق باحثاً في «مخاطر العولمة» وكيف يصبح الأثرياء أكثر ثراءً والفقراء أكثر فقراً
يعالج كتاب «مخاطر العولمة» فشل الوفاء بوعد الفرصة للفقراء، في حين نرى الأغنياء يزدادون غنى ويتكاثر الفقراء في العالم، خاصة في البلدان الأقل نمواً.
يعتبر روبرت إسحاق، مؤلف الكتاب، فريداً بين نقاد العولمة بقبوله حتميتها، إلا أنه يمضي مصمماً على اقتراح تطويرات عليها تمكنها من العمل بصورة أفضل من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية سواء بالنسبة إلى الأغنياء أو الفقراء إذ قال عنه سيمور توبينغ أستاذ الصحافة في جامعة كولومبيا: «يقدم كتاب روبرت إسحاق أفكاراً حديثة حول العولمة من شأنها تعزيز الجدال الدائر الذي يستقطب المتشائمين والمفرطين في التفاؤل، ويعتبر هذا الكتاب مرشدا الفقراء للتطلع قدماً بعد التعلم من الأفكار والتجارب السابقة».
يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى حقبة من الزمن هي نهاية القرن العشرين حتى الآن، ففي هذه الفترة زاد التدفق المفاجئ للأفراد والمفرطين في الثراء، وكانوا في السابق مواطنين عاديين ينتمون إلي الطبقة الوسطي. أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة في حقبة اقتصاد المعلومات هذه، الرواد الشباب الذين تركوا مقاعد الدراسة في كلياتهم ليصبحوا أغنياء كباراً فحسب، عن طريق إيجاد فرصة أو انتهازها، أو الإفادة مما سيصبح لاحقاً موجة الرأسمال المغامر في ما يعرف بـ«دوت كوم»، أو التجارة الإلكترونية، أمثال بيل غيتس في «مايكروسوفت»، مايكل دليل في شركة «دليل للكمبيوتر»، ورتشارد غراسو الذي ترأس بورصة الأسهم في نيويورك.
الجديد في القرن الحادي والعشرين، المتعلق بالفجوة ما بين الأثرياء والفقراء، هو أن هذه الفجوة منهجية على نحو شامل، والعولمة جعلت الانعزال عن النظام الاقتصادي أمراً مستحيلاً، وأثمرت هذه الأزمة المستجدة لدى الجميع، من كاليفورينا إلى مدغشقر. وإذا كان الواقع يقول إن الحواجز الجمركية في البلاد الغنية هي أكثر بأربعة أضعاف بالنسبة إلى الدول الفقيرة عما هي عليه في الدول الصناعية، فلا غرابة في أن يكون ذلك الوضع سيئاً جداً بالنسبة إلى بلد مثل مدغشقر، والأغرب أيضاً أن تبلغ حصة أفريقيا من الصادرات والواردات العالمي أقل من 2 .
يجيب المؤلف على تساؤل: من هم الأثرياء وكيف يعيشون؟ قائلاً: «يميل أغنى الناس إلى تكوين أصغر العائلات، فيتراوح معدل السكان بالنسبة إلى البيوت في البلدان الغنية من شخصين إلى ثلاثة أشخاص في البيت الواحد، مع أن حجم البيوت التي يشغلها هؤلاء الأغنياء يزداد، إلاّ أن عدد الأشخاص الذين يعيشون فيها انخفض. فهل كان ذلك من عواقب الثروة أو من عواقب تفكك وحدة العائلة؟ لكن الملاحظ أن معدل حجم البيوت يتضاءل عالمياً، كذلك تُبني بيوت جديدة كثيرة مع أشخاص يسكنونها، وأكثر ما يصدق ذلك في «النقاط الساخنة» للتنوع الحيوي، حيث يمارس الكثير من الضغط للحفاظ على الموارد الطبيعية والأراضي، وينطبق ذلك على أستراليا، الهند، كينيا، البرازيل، الصين، إيطاليا، الولايات المتحدة، وحتى في المناطق التي تشهد زيادة سكانية أقل، تهدد ظاهرة بناء المنازل والزحف العمراني، بقاء النباتات والحيوانات بسبب استهلاك الأراضي والخشب والإسمنت، فالموارد التي تستعمل في البناء في بلاد مثل الهند والبرازيل هي عادة جزء من برنامج تقليص ظاهرة الفقر».
ويتطرق المؤلف إلى التعليم قائلاً: «يفهم التعليم في ما يسمى باقتصاد المعرفة على أنه مفتاح الاكتفاء الذاتي والثروة، وهذا الكلام لا يعني التقليل من الدور الذي تؤديه الإدارة التي تأتي من دعم العائلة النفسي والاجتماعي، وكذلك الدعم المالي في النجاح الاقتصادي. كذلك توجد في أغنى الأمم ما تزيد نسبته على 40 من فئات الأعمار التي هي في سن تلقي العلم فنسبته إلى التعليم ما بعد الثانوي، أي دورات التعليم الجامعي، والدورات التي تنتهي بإعطاء شهادات جامعية. ونرى أن الأمم الأغنى تتمتع بأعلى مستويات التعليم ما بعد الثانوي، ويمكنها هذا الموقع من الإفادة من التيارات الاقتصادية والتقنية المتسارعة. وأكثر من ذلك، أسست الدول الأقوى في القرنين التاسع عشر والعشرين تقاليد أمن التعليم الاقتصادي والعلمي، نتجت منها مستويات عالية من الاختراعات والإنجازات، فنجد أن الولايات المتحدة مستأثرة بجوائز نوبل في الاقتصاد والفيزياء والكيمياء وعلم وظائف الأعضاء والطب. وليس مفاجئاً أيضاً أن تسيطر الولايات المتحدة وهي القوة العظمى في الوقت الراهن، والقوة الإمبراطورية السابقة بريطانيا، على جوائز نوبل في الاقتصاد استأثرت بــ 32 جائزة من أصل 40 . يمكن تفسير ذلك بأن الجوائز كانت تعطى للاقتصاديين ذوي الإنجازات في «النموذج الأنكلو أميركي من الرأسمالية» التي تتبع الخطوط نفسها التي وضعها آدم سمين، ذلك النموذج الذي مكن الولايات المتحدة من السيطرة، ودفع عولمة الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين إلى «ثورة الأثرياء» وحدد الفائزين والخاسرين فيه. لكن هذا التحيز يعني القليل من العزاء للمحرومين. نجد مثلاً أن 50 من أطفال الهند يعانون سوء التغذية.
في الجزء الثاني من الكتاب يتحدث المؤلف عن الفقراء قائلاً: «عادة يكون الفقراء ضعفاء، بدَخْلٍ محدود وأصول ضعيفة يعتمدون عليها، حتى في الأنظمة الديمقراطية حيث يحكم الأثرياء، فنجد في البلاد النامية أن الأثرياء يتمتعون باستخدام ثرواتهم ونفوذهم للضغط في اتجاه مصالحهم في النظام السياسي الديمقراطي، أما الفقراء فلا يملكون وسائل تمكنهم من ممارسة مثل هذا الضغط، فالأغنياء متعلمون أكثر من سواهم، وهم أكثر قدرة على الإفصاح عن مصالحهم، يعرفون كيفية الإفادة من وسائل الإعلام للضغط في اتجاه تنفيذ برنامجهم وتحويل البنية التحتية كي تعمل لمصلحتهم.
أما في البلدان النامية، حيث تنصح الحكومة بالتعليم لكنه ليس إلزامياً مثل الهند، تصبح الديمقراطية بلا معنى إذا كانت الفئات الفقيرة من السكان لا تملك المهارات اللغوية اللازمة، أو الوسائل المالية التي تمكنها من المشاركة في تحسين ظروف معيشتهما».
يشير المؤلف إلى العملاق الفقير، إحدى الدول النامية التي استطاعت السير خطوات عظيمة في بعض المجالات، بينما فشلت في مجالات أخرى. الحالة التي نتكلم عنها هي الهند التي تجسد من الناحية الاقتصادية تناقضاً صارخاً، فمن جهة تحتاج البلاد إلى فتح اقتصادها القومي أمام الاقتصاد العالمي لتنشيط التجارة والاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادي فيها. ومن الناحية الأخرى يحتمل أن تودي هذه الخطوة تحديداً، التي تتجه نحو تحرير المؤسسات الاقتصادية، بثروات البلاد نهائياً، وتعتبر الهند من النواحي الثقافية والاقتصادية والسياسية بوتقة لما يعتبره اقتصاديو التنمية المعاصرين «مصائد الفقر»، ونرى أن النخبة في العالم والنافذين ومجموعة المصالح الأساسية ومجموعات الضغط التابعة لها تساعد في وضع هذا المصائد، ويدفع هؤلاء الفاعلون بشكل رئيسي نحو توسيع مدى مصالحهم الخاصة، بالإضافة إلى مصالح المجموعات التي تدعمهم عن طريق زيادة مكاسبهم الاقتصادية، إما بجعل النظام العالم مستقراً أو مضطرباً كلما أمكنهم ذلك لجعل هذه المكاسب ممكنة التحقيق، وهكذا يأخذ النمو الاقتصادي معنى محدداً جداً تسعى فيه نخبة مجموعات المصالح هذه إلى توسيع مدى نموّها الاقتصادي. وإذا كان في إمكانها توسيع النمو الاقتصادي والثروة في بلدانها، فليكن ذلك.
هكذا يتعين عليهم أن يتأكدوا من وجود طبقة عاملة عالية التحفيز في البلاد وفي الخارج، التي يسعها تأمين الموارد والسلع والخدمات التي تتطلبها النخبة بسعر كلفة معقول، وهكذا ينبغي أن توضع المصائد في البلدان النامية حيث العديد من الثروات الطبيعية المطلوبة، مثلما هي الحال في أي مكان تتوافر فيه يد عاملة ورخيصة، سواء داخل البلاد أو خارجها. فضلاً عن مصيدة التجارة التي يعتمد اقتصادها على البن، وتعتمد معظم هذه البلدان على المنتخبات الزراعية أو المدنية كأساس لبقائها، ومع ذلك تبقى أسعار هذه السلع محددة وثابتة، أو تنخفض أحياناً بالمقارنة مع أسعار السلع والخدمات في البلدان المتقدمة، وهكذا تتوسع الفجوة التجارية نتيجة التفاوتات الموجودة، فالبلدان المتقدمة تنتج سلعاً وخدمات تستجلب أموالاً أكثر بكثير مما تستطيع إنتاجه البلدان النامية.
أخيراً المصائد الثقافية، ومن المآزق الأساسية التي على الفقراء محاربتها هي ثقافة الاستعمار التي لا تزال موجودة في أنحاء عديدة، فخلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين افترضت القوى الاستعمارية أن شعوب الدول النامية كانت مطبوعة على التصرف على نحو مختلف عن الشعوب المخدرة من الأصول الأوروبية. وبطبيعة الحال، تعلم المواطنون الكثير من محتلهيم، فمن الصعب أن نتخيل تحديث الهند من دون إرث الحكم البريطاني واللغة الإنكليزية، أو حتى أن نتخيل التطور السريع لكوريا الجنوبية من دون تقليد المؤسسات اليابانية وأفكارها، والواضح أن القوى المستعمرة وضعت معايير تحقيق الإنجازات للدول الفقيرة لتحقيق هذه الإنجازات، وليس إلى تجاوز هذه الدول لها ذات يوم.
في اختصار، تعتبر المآزق الثقافية أمراً موروثاً عن الماضي، يصعب على الحكومات التكيف على نحو مناسب معه بحسب التغيرات الحاسمة التي تحدث في البيئة العالمية، وتحدد مثل هذه التقاليد الثقافية أيضاً الدرجة التي تسمح للحكومة بالاعتراف بالملكية الخاصة وحمايتها.
يرى المؤلف أن كارل ماركس والاقصادي البنيوي راوول بريبش كانا على حق في اعتقادهما أن ثمة تغيراً جذرياً في توجهات النظام الرأسمالي العالمي نحو الأثرياء الذين تمكنوا من تحقيق التقدم، على حساب الفقراء الذين يُستغلّون، لكن يبدو أن الرأسمالية والعولمة حتميتان، فلا شك في أنه مراكز التقنية العالمية من أفقر البلدان والأقاليم المساعدة قادرة على موازنة الفرص المتاحة للمحظوظين راهناً الشركات العالمية المتحدة والكبيرة على سبيل المثال .
كما يسع المبادرات الجديدة التي تقدم على الأقل حظاً المساعدة في استقرار النظام الاقتصادي السياسي العالمي المهدد بالفوضى، ولا شك في أن نمواً اقتصادياً عالمياً متصاعداً وموزعاً بعدالة أكثر يجب أن يخفض الامتعاص الذي يشعر به الناس بسبب تلك الفروق الاجتماعية والاقتصادية.
أخيراً يتعين على قادة الدول الفقيرة أن يتعلموا إدارة اقتصادهم على نحو يوفر عائدات ثابتة للمستثمرين المحليين والأجانب الذين يوفرون وظائف للسكان المحليين، أما بالنسبة إلى المواطنين فعليهم الحصول على فرص التعليم الجماعي من دون خسارة التقاليد الثقافية. وبالنسبة إلى الأثرياء الذين ينأون بأنفسهم أكثر فأكثر من الناحية الاقتصادية عن الفقراء، تعتبر مسألة حصول على الشرعية والشرف وتأمين الاستقرار لعالم سبق أن عاملهم بشكل جيد جداً.
في الختام يقول المؤلف: «إننا نعيش وسط اقتصاد عالمي يستصرخنا لأجل ابتكار نماذج للسلوك الأخلاقي، والتطوير الاقتصادي المستمر الذي يجلب احترام الذات للذين يعطون والذين يتلقون على حد سواء».