«التحالف الإسلامي الدولي» ضدّ الإرهاب: دوافع ومفاعيل
العميد د. أمين محمد حطيط
استَبَقَت السعودية وقف الأعمال العسكرية والهدنة في اليمن، بإعلان منتصف الليل الذي أطلق فيه وزير الدفاع السعودي ما أسماه «التحالف الإسلامي» لمحاربة الإرهاب في أرجاء العالم الإسلامي كافة، وقد طرح الإعلان الليلي ذاك أسئلة كثيرة خاصة أنه توجّه إلى معالجة أبشع ظاهرة عنف تضرب العالم اليوم، وهي ظاهرة الإرهاب التي باتت تؤرق البعيد والقريب. فما هي خلفيات الإعلان ووظيفة التحالف والمفاعيل التي يمكن تصوّرها بنتيجته؟
في البدء نرى أنّ للتصرّف السعودي الذي جاء على عجل وبشكل يظهر قربه إلى الارتجال منه إلى العمل المخطط، أنّ للتصرّف السعودي هذا خلفيات ودوافع خارجية ودوافع داخلية في الآن نفسه.
فعلى صعيد الدوافع الخارجية نرى أنّ السعودية كانت بحاجة إلى مثل هذا العمل الاستعراضي في لحظة حرجة من تاريخها، فهي لم تعد تستطيع الاستمرار في عدوانها على اليمن نظراً إلى ارتفاع كلفته عليها، خاصة في الأسابيع الأخيرة التي أظهرت السعودية مهزومة تدفع الخسائر وتتلقى الفضائح ولا تحقق شيئاً من الإنجازات من أيّ طبيعة كانت، وباتت السعودية كما «نصحتها» أميركا ملزمة بوقف العدوان لوقف الانهيارات في وضعها من شتى الجوانب، ولهذا كان قبولها بمؤتمر جنيف للحلّ السياسي مع الشعب اليمني الذي تمكّن بجيشه ولجانه الشعبية من تسطير هزيمة بالخط العريض ألحقها بالسعودية نتيجة صموده ودفاعه المخطط والمدروس. لهذا كانت السعودية بحاجة إلى قنبلة صوتية تُحدث دخاناً وتُطلق زعاقاً يحجب هزيمتها في اليمن، فكان هذا الإعلان المرتجَل.
وإلى ذلك ومع اشتداد التعنيف الغربي للسعودية، بسبب مسؤوليتها عن الإرهاب العالمي عبر فكرها الوهابي التكفيري، وبعد أن اتجه العالم بكليته تقريباً لإدانة هذا الفكر بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد رأت السعودية أنّ انخراطها الشكلي في محاربة الإرهاب الذي ساهمت وتابعت رعايته الفعلية، فهذا الانخراط قد يحجب مسؤوليتها عن الإرهاب ويخفف الضغط الدولي عنها وهنا رأت في هذا التحالف الشفهي اللفظي غير العملي بأيّ حال، رأت فيه ستاراً حاجباً أو مانعاً لهذه المساءلة.
وحتى تغري السعودية بعض الدول الإسلامية وتدفعها إلى القبول بإدراج أسمائها في لائحة العضوية في هذا التحالف لجأت إلى مقولة «مصلحة الإسلام بتطهيره» مما يُرمى به من تمكين ودعم للإرهاب والإرهابيين، مع الادّعاء بأنّ مجرد إنشاء التحالف سيشكل تبرئة للإسلام.
أما من الناحية الاستراتيجية، فيبدو أنّ التحالف الليلي المعلن، سيكون أداة لتحقيق هدفين سعودي وأميركي. ففي الشأن السعودي فإنه يمنح السعودية فرصة الاستمرار بالتربّع على عرش قيادة العالم الإسلامي السني بعد الخسائر الاستراتيجية الكبرى التي لحقت بالفضاء الاستراتيجي السعودي، ما أدّى إلى انحساره، خاصة في العراق وسورية والآن في اليمن ولبنان، وبداية تشكل قوى إقليمية وازنة تتحضّر لاحتلال موقع قيادي متقدّم على الساحة العربية والإسلامية، ولذلك لم يكن صدفة الإصرار السعودي على إلحاق كلّ من تركيا ومصر وباكستان بهذا التحالف الذي تقوده هي وإظهار تلك الدول بمثابة التابع لها.
أما على الصعيد الأميركي، فإنّ التحالف يشكل استجابة لطلب أو خطة أميركية معلنة ببعض عناوينها ومستقرأة بمضمونها. وهي الخطة التي شنّت في البدء الحرب -العدوان على سورية والمنطقة على أساسها. أنها خطة المحاور أو الأقواس الثلاثة قوس الإخوان وقوس الوهابية والقوس الشيعي الخطة التي شاءت منها أميركا تقسيم المنطقة إلى قوس يحمي «إسرائيل» قوس الإخوان وقوسين يتصارعان ويدخلان في تدمير ذاتي ممنهج، ويبدو أنّ أميركا تريد الآن، وبعد فشلها في إقامة قوس الإخوان الاكتفاء بقوس وهابي بقيادة سعودية، ليواجه محور المقاومة، وهنا يجب أن نفهم تصرّفات السعودية في إدراج حزب الله على لائحة إرهاب سعودية ثم تصنيف أنصار الله اليمنيين في عداد المنظمات الإرهابية، مع ما تردّد أيضاً من حديث أو تلويح بإدراج الحشد الشعبي العراقي وفصائل عصائب الحق ولواء أبو فضل العباس على لائحة الإرهاب السعودية أيضاً. وهنا يفهم رفض إدراج سورية والعراق وإيران في عداد الدول المنضوية في هذا التحالف الذي بات ظاهراً وبشكل أكيد تحالفاً سنياً يبتغي أصحابه مواجهة محور المقاومة الذي يُرمى بأوصاف طائفية ومذهبية يُصوَّر فيها بأنه محور شيعي ضدّ السنة.
أما على صعيد المصالح الشخصية الداخلية، فقد يكون في التحالف مصلحة مباشرة لمحمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع في معركته المفتوحة ضدّ محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية . خاصة أن الأخير كسب دولياً الكثير من باب ما يُقال عن حربه على الإرهاب في الداخل السعودي، وما يتلقى على الدوام من المديح والثناء من مسؤولي الغرب بالنظر إلى كفاءاته هنا وحسن إدارته، في حين أنّ الأول يسمع عكس ذلك لوماً وتقريعاً لحروبه الخاسرة وامتهانه الفشل. ويبدو أنّ بن سلمان أراد أن يُلحق بن نايف وأجهزته في هذا التحالف وبقيادته فيكون مردود الاستثمار في الإرهاب له شخصياً.
لكلّ هذه الأسباب والدوافع ارتجلت السعودية تحالفها المزعوم ضدّ الإرهاب وبات الأمر مادّة إعلامية تشغل وسائل الإعلام، أقله في الأيام الأولى لإعلانه قبل أن يحدث ما ينتظر هذا التحالف من فشل وإخفاق ثم نسيان. نقول هذا ونحن على ثقة بأن لا قيمة عملانية ولا قدرة عسكرية لهذا التحالف تمكّنه من إنجاز المهمة التي اضطلع بها أو أسندت إليه. وهنا نتوقف عند ما يلي:
1 ـ لقد فشلت السعودية في مواجهة مَن تصفهم إرهابيّين في اليمن أنصار الله الحوثيين رغم أنها شكلت ما أسمته التحالف العربي، وألقت بكلّ ثقلها العسكري ضدّهم، وأنفقت أكثر من 60 مليار دولار على حربها عليهم، واضطرت في نهاية المطاف إلى أن تخترع مثل هذا التحالف لتخفي هزيمتها، وهو تحالف لن تكون إنجازاته أفضل مما سبقه. وهل مَن هُزم في بقعة محدودة قادر على النصر في أرجاء العالم الإسلامي كله؟ فالخائب في أرضه وفي جواره لا يمكن انتظار انتصاره عبر القفار والبحار.
2 ـ إنّ السعودية تُضمر هي ومَن أوحى إليها بتشكيل هذا الحلف حرباً على المقاومة، ولذلك يصحّ تسمية الحلف بالحلف المعادي للمقاومة أو ضدّ المقاومة، والسعودية تعرف أنّ المقاومة أفشلت أميركا وربيبتها «إسرائيل»، وسطّرت الانتصارات، عليها ولن تكون السعودية الخائبة والمتهالكة بعد عدوانها على اليمن بأفضل حال من «إسرائيل» وأميركا.
3 ـ ارتجلت السعودية تحالفها المزعوم ضدّ الإرهاب وشكلته من دون التقيّد بأيّ قاعدة من قواعد إنشاء التحالفات العسكرية. فلم تضع له نظاماً داخلياً ولم تعتمد له ميثاقاً ولم تحدّد فيه والواجبات، ولم توزع فيه المهمات، ولم تنشئ له قوى عسكرية، ولم تحدّد مصادر التمويل، وهنا وجه الارتجال والخفة التي تجعل من الأمر مجرّد عمل استعراضي أقرب إلى المزاح منه إلى الجدية. وعلى هذا الأساس لا يكون هذا التحالف موضع ثقة أحد من العاقلين والخبراء بالشأن الاستراتيجي والعسكري. فهو قنبلة صوتية كما أسلفنا.
4 ـ أما النتيجة شبه الوحيدة التي سينتجها الإعلان عن هذا التحالف فقد تنحصر في مسألة تعميق الشرذمة والانقسام على صعيد المنطقة والعالم الإسلامي عامة، وبين السنة والشيعة خاصة، وذلك خدمة للمشروع الصهيو ـ أميركي. وكان معبّراً أن يقول الأميركي ماكين بعد 18 ساعة على إعلان التحالف أنّ «بشار الأسد أخطر على دول التحالف الإسلامي من داعش» عبارة تكفي برأينا لاستنتاج الكثير من التحريض وتحديد أولويات التحالف.
إننا نرى أنّ السعودية بهذا التحالف مع ما سبقه من تصرفات في سورية والعراق واليمن خرجت من الظلّ في خدمة المشروع الصهيو ـ أميركي إلى العلن وارتضت المجاهرة بأنها خادمة لـ«إسرائيل» ولأميركا ومشاريعهما التدميرية ضدّ العرب والمسلمين. الأمر الذي سيفرض على المتضرّرين من هذا الأمر وضع استراتيجية دفاعية ملائمة للمواجهة وهذا ما سيكون بالتأكيد.
ملاحظة أخيرة أودّ أن أختم بها وتتعلق بدخول لبنان في التحالف المذكور، ونقول إنّ لبنان حتى الساعة ليس عضواً فيه ولن يكون عضواً فيه، إذ لن يشارك لبنان في حلف يعتبر المقاومة إرهاباً ويشكل خدمة لـ«إسرائيل». ورئيس الحكومة لا يستطيع إلزام لبنان بتحالفات دولية من دون قرار من مجلس الوزراء، وقبل هذا القرار وما يستتبعه من وجوب مصادقة مجلس النواب عليه لا قيمة لأيّ التزام شفهي يعتبر تصرّفاً غير قانوني وغير دستوري.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية