كرة «التحالف» الملتهبة إلى الملعب الحكومي
محمد حمية
ملف جديد أضافته المملكة العربية السعودية إلى روزنامة الملفات الخلافية بين القوى السياسية في لبنان بإعلانها الطلب من لبنان الانضواء تحت لواء التحالف الإسلامي الذي شكلته لمكافحة الإرهاب، وبعد جدل إعلامي وسياسي واسع بين اللبنانيين حول موقف رئيس الحكومة تمام سلام المنفرد في الموافقة على المشاركة، حسم رئيس المجلس النيابي نبيه بري نزاع القوم وكعادته في تدوير الزوايا وابتداع مخارج للأزمات، أعلن أن «هذا الموضوع هو فكرة، وسبق أن طُرحت من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومثل هذه المواضيع يناقش داخل مجلس الوزراء لاتخاذ الموقف المناسب منه، ولا حاجة لإثارة أي جدل في خصوص خارج هذا الإطار».
أما تيار المستقبل الذي دافع عن موقف سلام وأبدى تأييده للتحالف، أعلن أن موافقة سلام مبدئية بانتظار عرض المسألة على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب ضمن الأصول.
أما حزب الله فقد عبّر عن شكوك عميقة بالخلفيات والأهداف وراء إعلان السعودية للتحالف، معتبراً أنها خطوة تمثّل انتهاكاً للدستور والقانون والأصول المتبّعة كلها.
إذن بعد أن حددت القوى السياسية مواقفها من هذا التحالف، يبدو أن كرة النار الملتهبة هذه قذفت إلى الملعب الحكومي، حيث من المتوقع أن يعقد مجلس الوزراء جلسة خلال أيام مخصصة لملف النفايات وبالتالي سيطرح موضوع مشاركة لبنان في التحالف. فكيف سيتعامل مجلس الوزراء مع هذا الملف؟ وهل سيؤثر على وحدة الحكومة واستقرارها؟
مصادر في 8 آذار رجّحت لـ«البناء» أن يطرح وزراء 8 آذار هذا الملف في أول جلسة لمجلس الوزراء ويطلبون رفض المشاركة وسيؤكدون للرئيس سلام أن هذا الأمر يحتاج إلى توافق في مجلس الوزراء ولا يمكن لأي طرف أن يتخذ قراراً منفرداً. وتوقعت المصادر أن يخرج مجلس الوزراء بشبه إجماع على رفض الطلب السعودي بضم لبنان إلى التحالف، خصوصاً أن معظم القوى السياسية لم تبد حماسة لهذا التحالف غير الواضح لا سيما طبيعة المشاركة فيه، خصوصاً أن السعودية سارعت إلى إدراج لبنان من دون موافقته ضمن الأصول ما يشكل تجاوزاً للسيادة اللبنانية وتهميشاً للأطراف الأخرى الشريكة في الحكومة.
وتعتبر المصادر أن السعودية تريد من خلال هذه الخطوة زيادة عدد الدول التي تعتبر أنها تخضع لوصايتها وزعامتها في العالم الإسلامي وإثبات نفوذها ومكانتها وهيمنتها في المنطقة. واستبعدت المصادر أن يؤثر الخلاف الداخلي في هذه المسألة على وحدة الحكومة بسبب تمسك جميع القوى فيها بمثل هذه الظروف.
تسأل مصادر مستقبلية في معرض تبريرها الخطوة السعودية وموقف سلام: كيف يمكن للبنان أن يرفض المشاركة بتحالف إسلامي عربي لمكافحة الإرهاب وهو المعني المباشر بهذا الموضوع وعانى ما عاناه من ممارسات الإرهاب على جيشه وشعبه وأرضه ولا يزال لديه عسكريون مختطفون لدى تنظيم «داعش».
يمكن لهذا التبرير أن يحمل الكثير من الصحة، لكن لماذا رفض تيار المستقبل مجرد تنسيق لبنان مع التحالف الروسي لمكافحة الإرهاب في سورية؟ ولماذا رفض أيضاً تنسيق لبنان مع سورية ولو على الصعيد الاستخباري دون السياسي؟ رغم وجود اتفاقات التعاون والتنسيق المشتركة بين الدولتين التي تلزمه بالتنسيق في معظم القضايا المشتركة، فكيف بالقضايا التي تمس الأمن القومي للبلدين؟ لا سيما على صعيد مكافحة الإرهاب، ولماذا التعامل بازدواجية مع سياسة النأي بالنفس؟ وكيف لبلد أن ينسّق مع دولة خليجية كالسعودية تبعد آلاف الكيلومترات ويرفض في الوقت نفسه التنسيق مع دول مجاورة كسورية وجيشها الذي يحارب الإرهاب نفسه الذي يواجهه لبنان؟ فهل يمكن الفصل والتمييز بين الإرهاب؟ هذا يعني أن النظام في سورية يحارب الإرهاب فعلاً، فلماذا تريد السعودية وحلفاؤها في لبنان إسقاطه؟ إلا إذا كان يحق للبنان أن يكافح الإرهاب ولا يحق للجيش السوري ذلك!
وتشير مصادر قانونية لـ«البناء» أن «مشاركة لبنان في هذا التحالف تحتاج إلى معاهدة دولية لأنها ترتب التزامات سياسية وعسكرية ومالية وارتباطاً بتحالف إقليمي وبالتالي حق المفاوضة في المعاهدات الدولية من صلاحيات رئيس الجمهورية بحسب الدستور.
وتسأل أوساط مراقبة: كيف يستثني هذا التحالف سورية والعراق وهما البلدان المعنيان الرئيسيان في الإرهاب ومكافحته؟ وكيف يضمّ تركيا التي أدينت بوثائق من دول عدة لا سيما من روسيا بتورّطها في دعم الإرهاب؟ وتذكّر المصادر بأن التدخل الروسي في سورية جاء استجابة لطلب رسمي من الدولة السورية بحسب الأصول، وتسأل: لماذا لا تطلب السعودية من لبنان الانضمام إلى تحالفها ضمن الأصول المتبعة دستورياً؟