«أصواتنا»… وللإعاقة هدير ينادي ههنا الإبداع
دمشق ـ آمنة ملحم
هنا في سورية، وعلى أرض شام الياسمين، لم يخلق التطوّع من رحم الأزمة ليكون فقط مجرّد شعارات تُرفع في وجه الحرب. إنما جسّد حراكاً حقيقياً هدفه الإنسانية وشعاره حق كلّ سوري في أن يحيا في بلاده بأمان. ولأن أصواتهم دائماً كانت هدّارة ورسالتهم واضحة بأن ثقافة الحياة هي ثقافة السوريين، يقدّمون بها دروساً للعالم أجمع، لم يمرّر فريق «نسور سورية التطوّعي» و«مجموعة أمّ الشهيد» يوم المعوّق العالمي من دون ترك بصمة واضحة وجليّة. إذ نظّمت الجمعيتان فعالية عنوانها «أصواتنا»، وذلك في «مكتبة الأسد» في دمشق، شارك فيها المخرج السينمائي المهند كلثوم عبر فيلم وثائقيّ حمل عنوان الفعالية ذاته «أصواتنا»، فكان الفيلم من ذوي الإعاقة ولهم، وهو من إنتاج «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون».
الفيلم قدّم سبعة أشخاص من ذوي الإعاقة، فكان بمثابة لوحة اختصرت حياتهم. تلك اللوحة عنوانها الأمل مزخرفة بالقوة ومضمّدة برعاية الأحبة واحتضانهم إبداعات شبان وأحلامهم وطموحاتهم، لم تزدهم الإعاقة إلا إرادة وتصميماً أكبر على تحدّي الظروف والمعوقات التي قد تقف في طريق نجاحهم .
حضر الفعالية وزير الإعلام السوري عمران الزعبي، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ريما القادري، والمدير العام للهيئة العامة لمدارس أبناء وبنات الشهداء شهيرة فلوح، ومدير عام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون المهندس رامز ترجمان، والفنان القدير دريد لحام، وممثلون عن جمعيات ومؤسسات أهلية.
وعن الفعالية لفتت مدير «مؤسسة أمّ الشهيد» جانسيت قازان لـ«البناء» إلى أن الفعالية والفيلم طرحا صورة عن الإنسان السوري المبدع الذي لا يقف في طريقه مرض أو إعاقة. إذ يقدّم الفيلم نموذجاً لكل العالم عن شباب حملوا إعاقة خلقية أو كانت نتيجة إهمال الأهل أو خطأ طبّي، لكنهم كانوا وما زالوا أعضاء فاعلين في المجتمع. لذا، على الجميع أن يوصل صوتهم إلى المعنيين ويوجّه أهاليهم لضرورة مؤازرتهم بما يسهّل عليهم حياتهم .
وتابعت قازان: كنا نلتقي بهؤلاء الشباب أبطال الفيلم في البازارات التي كنّا ننظّمها ويعود ريعها لعوائل الشهداء. هم قدّموا لعوائل الشهداء. لذا، كان علينا أن نقدّمهم إلى العالم. وعلى المجتمع كلّه أن يدعم هذه الشريحة، لا سيما أن الحرب ألحقت الأضرار بكثيرين من شباب سورية، فأصبحوا من ذوي الاحتياجات الإضافية. نحن جميعاً نقدّر جراحهم ونرفعها عالياً مع المجتمع الأهلي والمدني وحماة الديار.
بدوره، قال رئيس فريق «نسور سورية» عامر أبو حامد لـ«البناء» إن الفريق قدّم منذ بداية الأحداث فعاليات كثيرة لمختلف شرائح المجتمع. لذا، ارتأينا ضرورة الإضاءة على شريحة ذوي الاحتياجات الإضافية، لا سيما مع مرور اليوم العالمي للمعوّق، ليرى الجميع كيف استطاع هؤلاء الشباب تخطّي إعاقاتهم بإرادتهم، لذا لا بدّ من إيصال صوتهم ليكون قوياً ومعبّراً.
وأكد أبو حامد: هم ليسوا ذوي احتياجات خاصة، إنما خارقة. هم يملكون العقل والقلب، والإعاقة لا تكون في الجسد إنما بالفكر. بينما هم أصحاب فكر خلّاق ومبدع، استطاعوا أن يعبّروا عن أصواتهم وكانت عالية. هم نموذج لغيرهم ليعبّروا عن كل ما يرديونه.
كما شدّدت وزيرة الشؤون الاجتماعية ريما القادري في حديث إلى «البناء»، على أن لكل شخص قدرات وكذلك إعاقة، وكل ما هو ظاهر لا يعتبر إعاقة، إنما يعدّ وضعاً خاصاً بحاجة إلى رعاية خاصة. والفيلم قدّم أشخاصاً ترجموا أوضاعهم الخاصة لأمل وتحدّ وقصة نجاح .
وأشارت القادري إلى أن الوزارة تنبّهت لكون المشكلة الأكبر لدى ذوي الاحتياجات الإضافية، تكمن في نظرة المجتمع إلى هذه الاحتياجات. لذا، تركّز الوزارة في استراتيجيتها على دعوة الجميع إلى تفهم تلك الاحتياجات لا التعاطف معها، وإلى تحفيز طاقاتهم الكامنة وإعطائهم الأمل ليكونوا فعّالين في المجتمع .
من ناحيته، أوضح المخرج المهند كلثوم في تصريح لـ«البناء»، أنّ هذه المرة ليست اللأولى التي يكون فيها مع ذوي الاحتياجات الإضافية. ولكنها المرة الأولى التي يوثّق فيها حكايتهم بعدسة الكاميرا. وقال: أحببت أصواتهم وأردت أن يسمعها الجميع ليتخذوهم قدوة. فهؤلاء الشباب ـ على رغم ظروفهم الصحية وعلى رغم أنهم الأكثر أحقية بالسفر تحت بند العلاج ـ لم يغادروا وطنهم، وشاهدنا إبداعهم وقدرتهم على صنع المستقبل. أحترم حبّهم للتعلم وأنحني أمام بطولاتهم وإرادتهم وحبّهم للحياة. .
وعن دلالة البالونات الملوّنة التي رافقت الفيلم طوال دقائق عرضه الثلاثين يقول كلثوم: البالونات كانت بوحاً سينمائياً وتعبيراً عن الحلم الذي نكسبه والحلم الذي نخسره. إنها رمز لفسحة الأمل وفلسفة سينمائية إذ لا يجوز في فلسفة السينما أن يكون كلّ ما يقدّم بشكل تلفزيوني. لذا، قدّمنا وثائقياً سينمائياً كما يُصنع الوثائقيّ.
أما الفنان القدير دريد لحام، والذي يحرص على التواجد في الفعاليات الاجتماعية على الدوام، فأعرب لـ«البناء» عن اعتزازه بوجوده في فعاليات التطوّع، لا سيما هذه الفعالية التي تنظّمها «نسور سورية» و«مجموعة أم الشهيد» صاحبة شعار «دمعة… صبر… نصر». منوّها بأن هذا الشعار من أجمل الشعارات، إذ لا بدّ من دمعة بسبب الفراق، ليأتي الصبر وبعده النصر. وأكد لحام استعداده الدائم لدعم هذه الفعاليات، وتقديم أي شيء مفيد للمجتمع.
وعن الفعالية قال لحام: يسمّونهم ذوي احتياجات خاصة، وانا كنت أسميهم عندما كنت أشغل منصب سفير لدى «يونيسف» أطفال التحدّي، لأنهم يتحدّون الإعاقة ويحقّقون النجاح. لا يمكنني أن أقول أبداً إن من يمشي ويمارس حياة طبيبعية هو شخص كامل، وطه حسين هو معوّق!
واختتمت الفعالية بتكريم أبطال الفيلم تحفيزاً لهم على المضيّ في بناء مستقبل مشرق، وليبقى صوتهم عالياً صدّاحاً في مواجهة كل ما يعيق نجاحاتهم وأحلامهم.