العام 2016 ليبي!
بلال شرارة
أعرف انّ الناس في الشرق الاوسط تهتمّ بسورية بصفة خاصة لأنها مفتاح الحرب والسلم، وهم – الناس – لا يهتمّون بمستقبل بلدانهم هنا فحسب، بل بمستقبلهم الشخصي انطلاقاً من سورية ثم بعد ذلك العراق واليمن وسائر البلاد العربية وصولاً إلى ليبيا والجوار الليبي ولكن…؟
ولكن أنا أزعم انطلاقاً من الدورة السياسية الراهنة أنّ الأدوار المقبلة لبقية العناوين لن تكون ثانوية، وهي بقصد ضبط إيقاع صورة وصوت الشرق الأوسط المقبل ارتكازاً إلى مخطط الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الموسّع .
من هنا أعتقد ربما أن لا فائدة من الاهتمام بتفاصيل الاجتماعات الإقليمية والدولية القريبة، لأنها تُعقد بقصد تحويل الانتباه أو صرف الوقت سواء اجتماع نيويورك الثلاثي حول سورية وكذلك الاجتماعات الباريسية لدول ما يُسمّى النواة الصلبة وقبل ذلك اجتماع المعارضات السورية في الرياض واجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب والقمة الخليجية الأمنية الجديدة القديمة ، إذ انّ الأساس يتوقف على محادثات كيري في موسكو، لذلك أزعم أن لا فائدة من الاهتمام بالأنشطة الدبلوماسية – السياسية الجارية خارج التفاهم أو الاختلاف الروسي – الأميركي لأنّ المطلوب استمرار الحريق حتى تستوي الطبخة الشرق أوسطية، وهذا يعني ضمناً الأدوار المقبلة للحرائق اليمنية والليبية وما اليها .
مدار اهتمامي بـ المقبل مخاوفي من وظيفة الدور الليبي في رسم خرائط الشرق الأوسط الجديد، وقد زادت من اهتمامي تحذيرات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن تأخذ المسألة الليبية في المغرب العربي وظيفة المسألة السورية في المشرق العربي، بمعنى أن تؤدّي المسألة الليبية أدوارها المفترضة في زعزعة استقرار نظام منطقتها.
بداية أودّ ان اسجل انّ الطموح الراهن لحلّ المسألة الليبية عبر جهود المبعوث الدولي لتوحيد موقفَي برلمانَي طرابلس الغرب وبنغازي عبر تشكيل حكومة انتقالية موحدة – هذا الطموح للحلّ – هو أضغاث أحلام، ليس في التوصل لصياغة حكومة وحدة ولكن في بناء أدوارها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نتائج الاجتماعات الليبية – الليبية الرسمية برعاية دولية، فالمشكلة أعمق من مشكلة مشاركة سياسية، فهي في الواقع مشكلة بين مئات التشكيلات المسلحة ومشروع الدولة وادوار الدولة وأية دولة في بلد غني بثرواته ويتوارث مخازن ومستودعات أسلحة جماهيرية عظمى وضمنها طائرات حربية لا يستخدمها سوى الحمام ليبني أعشاشه، وهي كانت منشورة في حظائر صحراوية .
الآن لن تتوقف الحروب الليبية الصغيرة، هي لن تنتظر الهدنة السورية وربما اليمنية لتسرق الأضواء، فالمجموعات المسلحة التي تحتلّ ليبيا لن تسلّم السلطة ولا السلاح إلى بعضها ولا بدّ أن يجرّدها منه احد ما. واعتقد انه ليس هناك أكفأ من الجيش الليبي الموحّد في المستقبل واجتماعات روما التي عقدت في 11 و 12 من الشهر الجاري واجتماع 13 الجاري لدول الجوار الليبي هي في واقعها ليست اجتماعات لتنسيق إدارة السلام الأهلي الليبي، بل إدارة الحرب المقبلة، حيث استبقت «داعش» حكومة الوحدة الليبية القيام بنشر عناصرها في منطقة الهلال النفطي بين درنة وسرت وصولاً إلى تخوم طرابلس ومصراتة وأيضاً تنظيم الحرب على الإرهاب في المغرب العربي، حيث استنفرت الجزائر قواتها تحسّباً لعودة العمليات إلى الجزائر العاصمة وليس إلى منطقة الحدود مع ليبيا فحسب، وكذلك بانتظار نتائج اجتماعات الجزائر مطلع العام المقبل 2016 لتوحيد الجهود في الحرب ضدّ الارهاب واجتماع دول الجوار الليبي.
أتذكر انه منذ عامين أو اكثر انّ مصر استشعرت عن بعد بالخطر الذي تشكله الفوضى المسلحة في ليبيا على جوارها، وفكرت بعملية عسكرية مشتركة مع الجزائر لكبح الإرهاب العابر للحدود، وكذلك باعتبار أنّ حلّ المشكلة الليبية يجب أن يكون حلاً عربياً، ولكن الجزائر يومها رأت أنه ما زال هناك وقت للدبلوماسية ولإعطاء المكونات الليبية الفرصة للاتفاق في اجتماعات مكوكية تستضيفها الجزائر والمغرب.
غنيّ عن القول إنّ الحرب ضدّ الإرهاب تحتدم في تونس، وقد اتخذت السلطات قراراً بمنع سفر الليبيين إلى مطار قرطاج، وهو الأمر الذي ردّت عليه حكومة طرابلس بإغلاق الحدود مع تونس، فيما اتخذ الجيش التونسي الأهبة لمواجهة المفاجآت وسط استمرار المعارك مع المنظمات الإرهابية في المناطق الوعرة، وفي المغرب تفكك السلطات خلايا داعشية، ولكن المساومات السياسية السابقة وإشراك الأحزاب الإسلامية بقوة في الحياة السياسية وتمكينها من الوصول إلى المواقع الحكومية والبرلمانية جعل من الحرب المقبلة قاسية لأنّ الخلايا النائمة في المغرب لم تعد كذلك، وهي كسبت الوقت في الإعداد لحروبها وهي – المنظمات الإرهابية – تنظر إلى المملكة المغربية باعتبارها البطن الرخو في منطقة المغرب العربي.
يبقى أنّ البلد المعني بشدّة بضبط الفوضى الأمنية في ليبيا وإعادة الاستقرار اليها هو مصر التي سبق لها ان دفعت أثماناً باهظة من دماء جنود قواتها المسلحة وشرطة حدودها جراء جعل المجموعات الإرهابية للأراضي الليبية قاعدة ارتكاز لحركة السلاح والمسلحين العابرة للحدود مع مصر، وقد امتدّ الارهاب الاسلامي الاممي ضدّ مصر من حدودها الطويلة مع ليبيا إلى شبه جزيرة سيناء حيث تخوض القوات المسلحة المصرية حرباً لا هوادة فيها ضدّ ما يُسمّى انصار بيت المقدس . يبقى انّ السودان الرسمي وسط كلّ ما يجري ليس محايداً، فهو شكل قاعدة جوية وحدودية مفتوحة لحركة السلاح والمسلحين من ليبيا وموانئها الجوية والبحرية واليها، وقد صدرت اتهامات ليبية رسمية وعربية لكلّ من قطر وتركيا بتحريك وإدارة تلك العمليات ذات البعد الإقليمي وتبقى كذلك الحرب التي تديرها مافيا تجار البشر انطلاقاً من الموانئ البحرية الليبية عبر البحر المتوسط لتهريب النفط والعائلات والأفراد الافريقيين والعرب إلى اوروبا بصفة خاصة والذين ابتلع البحر المتوسط آلافاً منهم.
ليبيا القادمة بحاجة إلى غرفة عناية فائقة وعمليات حربية ليبية رسمية وعربية ودولية اطلسية: ايطالية وفرنسية بصفة خاصة لإدارة حروب ضدّ الإرهاب، وهذه المرة المعركة لن تتمّ باستثناء أو تجاهل روسيا الخبيرة بشؤون وتركيبة الجمهوريات العربية والتي لها فيها استثمارات ومصالح.
برأيي المتواضع انّ العام 2016 سيكون عاماً ليبياً بامتياز وسيشهد تعليقاً لحروب المشرق العربي، ووقفاً لإطلاق النار هنا وهناك في سورية واليمن والعراق حروب نائمة – مؤجلة تبقي مسدسات وسكاكين الدواعش مسلطة على رؤوسنا ورقابنا من دون أن تقتلعها من اجل التمكن من إخضاعنا – عندما يلزم – للتحالفات بداعي الحاجة لتمكين الغرب والشرق من إعادة الانتداب على بلادنا، وفق صيغة ملائمة بعد استهلاك أنماط السلطات التي أُنتجت على خلفية تقسيمات سايكس بيكو خلال المئة عام الماضية.
ترى أين سنقع على خرائط طريق مستقبل الشرق الأوسط؟
نحن لا نسأل الله سبحانه ردّ القضاء وإنما الرأفة فيه، وأن يجنّب المغرب العربي مصير المشرق، وأن يحفظ مصر.
ترى هل يكون الليبيون والمجتمعات العربية في المغرب العربي أشدّ انتباهاً من دولنا ومجتمعاتنا في المشرق؟
أنا أستبعد ذلك!