«معاريف»: الوهم الأميركي

البروفيسور تشيلو روزنبرغ

الحلم الأميركي بالحرية والديمقراطية، يبدو في نظر كثيرين أنموذجاً ممكناً ومرغوباً، في كل مكان وموقع في العالم. صحيح أن هذا ليس سياسة الإدارة الأميركية الحالية، بل هو تقاليد تمتد لسنين طويلة، وإن كانت مفعمة بأساطير عديدة.

المأساة الأميركية والفشل الذريع جداً في تسوية النزاعات بالطرق السلمية لخلق بنى تحتية ديمقراطية من خلال القضاء على أنظمة شمولية قائمة، ستذكرهما إدارة باراك أوباما إلى الأبد، بسبب الفشل تماماً في سياستها الخارجية، إذ أوصلت الولايات المتحدة إلى وضع هزيل أمام العالم، الذي تسيطر عليه موجة التطرف الإسلامي. والسنتان اللتان بقيتا للإدارة الحالية لن تغيرا من الواقع الذي نشأ في السنوات الست الأخيرة في العالم، ولا يوجد أحد في العالم المتنور لا يدرك حجم الفشل الأميركي في إحلال السلام، بسبب سياسة المصالحة الأميركية الغبية وتأييد عناصر متطرفة للغاية من أجل إسقاط أنظمة بدت مصدر تهديد، ولكنها كانت مرغوبة أكثر بكثير من تيار الإسلام الأصولي متعدد الأذرع الذي يرسل أكثر الناس تزمتاً، للقيام بأعمال القتل والدمار.

قبل الخطوات الأميركية الغبية، لم يمثل العراق وسورية وليبيا وغيرها، خطراً ملموساً على استقرار المنطقة والعالم بأسره. فإسقاط القذافي، والتأييد الذي لا يمكن تفسيره للمعارضة السورية، لا يستوي مع العقل السليم. فهل يُحتمل أن يقوم في سورية نظام ديمقراطي، فيما يستولي عليها رجال القاعدة؟ هذه مبالغة وغباء وقصر نظر سياسي.

حتى لو لم يطب ما سنقوله لبعض الآذان، فإن الأسد أفضل بعشرات الأضعاف من كل قائد إسلامي متطرف قد يصل إلى الحكم في سورية. وبالتالي، من غير المفهوم لماذا يتحمس الأميركيون لمساعدة المتمردين في سورية.

ماذا بالنسبة إلى العراق ومصر وليبيا؟ هنا أيضاً تتكرر الأخطاء الفظيعة ذاتها للإدارات الأميركية والسياسة الخارجية غير المعقولة وغير الناجعة. وفي هذا السياق يجدر الاقتباس عن دنيس روس في كتابه «عن السياسة». إذ كتب: لم تكن لدي ملاحظات على سلم الأولويات الأميركية. فهل تصرف البيت الأبيض والبنتاغون، بحكمة في انتقالهما من الحرب الاضطرارية في أفغانستان إلى الحرب الاختيارية في العراق؟ هل كانت جهودنا لإسقاط صدام حسين مفيدة، أم أنها أضرت بالحرب ضد الإرهاب؟ إذا كان «محور الشر» يمثل تهديداً بهذا القدر من الخطورة، فلماذا ركزنا كثيراً في العراق الذي ظهر أنه لا يمثل خطراً عاجلاً على الأقل من ناحية أسلحة الدمار الشامل، وعملنا قليلاً جداً حيال كوريا الشمالية وإيران؟.

هذه أسئلة جوهرية للغاية. على رغم محاولة روسيين طمس جسامة الأخطاء السخيفة، لا سيما لإدارة بوش، فإن الواقع اليوم أصعب بكثير. فقد تطرفت إدارة أوباما جداً بإيمانها بقيم الديمقراطية، وأصبح خطاب أوباما السياسي الأول في القاهرة، قصة بائسة. فالسياسة الخارجية الأميركية، بما في ذلك حيال «إسرائيل» فشلت تماماً، لأنه لا يمكن فرض الإيديولوجيا.

ترجمة غسان محمد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى