قالت له

قالت له

قالت له لا أحتمل أن يكون كلامك في الحب قد استنفذ، وأن يكون سواك أقدر منك على الكلام الأجمل وأنت الأول والأكمل. فهل يتعب الحب من الكلام الجميل؟ فقال لها إن الحب لا يعرف الملل لكننا نحن من يتعب، يتعبنا العتاب ويتعبنا الحساب ويتعبنا إقفال الأبواب، فيصير الكلام بلا زمن، بينما من لا عتاب بينهما فالكلام مباح، ومن لا حساب بينهما لا يشهر أحدهما على الآخر سلاح. فقالت هل تقصد أن التناسب بين جمال الكلام في الحب وبين الشعور بالتقدم في الحب عكسيّ دائماً؟ فقال أقصد أننا أغبياء لأننا لا نعرف الجمع بين جمال مشاعرنا دفعة واحدة، فكلما قطعنا شوطاً في الاقتراب جعلنا من الاقتراب تقرّباً من فريسة لا من دوحة عطور. فصار الجديد في جمال ما نطال أقلّ من التعويض عن جمال ما نخسر، فهل نتعلم أن نقيم حساباً لمشاعر الآخر بغير غرور وكبرياء؟ أن نتصرّف كالباحث عن رضا الحبيب حتى لو لم ينتبه؟ وأن نكتفي بالسعادة عندما نقول إننا نشعر بنعمة أننا نحب؟ فقالت لو كنّا كذلك ما كنّا بشراً. فقال لو كنّا كذلك لتحقق معنى الإنسان الذي لا يلتهم في الحب جسد الحبيب كوجبة دسمة، ولا يستشعره خصماً في عراك يجب أن ينتهي بمنتصر ومهزوم، بل كمن يرتشف إكسير الحياة من الآخر كما النحل يرتشف الرحيق من الزهر.

قالت له: قال الشعراء كلاماً في المرأة وجمالها، فقال الهنود إنها نهر يضجّ بالماء والأمواج ولا قارب نجاة فيه. وقال الصينينون إنها سور يبدأ ولا ينتهي، ومن ركب رأسه لمواصلة السير فيه يصيبه الدوران. أما العربي فقال لحبيبته أخالك ألية خروف ترتج تحت ثوب صوف فضفاض فيختبئ بعضها ويظهر بعضها كل خطوة، فأجردك منه بعيوني وألتهمك بشفاهي في سوق اللحم بلا ملح ولا خبز. وقال الفرنسي للحبيبة أنت قطعة الجبنة التي ترطب فمي بقليل من النبيذ ولا تنتهي مذاقاً حتى أنتهي قدرة على التحمل. وقال البريطاني رأيتك حديقة ورود ملكية أتنشق عطرها لتتفتح ثنايا جسدي كل صباح. أما الأميركي فقال أنت سهمي الذهبي الرابح في كل بورصات العالم مهما خسرت نهاراً أعوض بك الربح آخر الليل كطاولة قمار لمحظوظ يملك تعويذة. والروسي رأى حبيبته كأس فودكا يرتشفه دفئاً من البرد و إيقاظاً لبلادة الذهن وتشوقاً للإحساس بالحياة وفي كل حزن لينسى، وكل فرح لينتشي، فماذا تقول أنت؟ فقال لها: أما أنا، فأقول للمرأة التي أهوى أنت مقطوعة موسيقية أبدية لا تفنى أستمع إليها حثما كنت وحيداً أو حزيناً أو سعيداً أو قريباً أو بعيداً من دون أن أمسّ منك شيئاً أو أنتقص من جمال العودة إليك مرة أخرى أو استهلك منك مقدار ذرّة أو تشعرين بعبء وجودي في غير أن تشعري وأنت تتباهين برونق السماع من الذواقة ثمة من يتذوقني في مكان ما من هذا الكون كما لا يعرف أن يتذوق المرأة أو الموسيقى أحد سواه على مر العصور.

قالت له لماذا كلما طالبتك أن تبادر لكلام في الحب وضعت في وجهي مطالبتي بمساواة الرجل بالمرأة، وسألتني لم لا أبادر؟ ألا ترى أن هذا ابتزاز الرجل الشرقي دعوة المرأة إلى مساواة اقتصادية سياسية واجتماعية من دون فقدان أنوثتها، فيصر الرجل على مقايضة أنوثتها ثمناً للحقوق، والانوثة هنا خجل وغنج ودلع. فقال: أنا لا أفكر كما تفكرين ولا يخطر في بالي ما تقولين، بل أشعر أيضاً بالحاجة لأن أسمع وأتحقق من مكانتي في روزنامة القلق والحب والحيرة، ولست ممن يسألون عن الذكورة والشرقية والتخلف والعقد، فأنا قمة العفوية في التساؤل لما تسألين ما دمت تشعرين بالحاجة، لم لا تبادرين والامر عندي في التفكير ببساطة قول الاشياء؟ فقالت ألا ترى أنك تتجاهل كون الزهرة لا تلحق النحلة وأنها تحني رأسها إلى أسفل وأنها تمنّ على واحدة من النحلات بتفتح أوراقها وتركها تمص رحيقها، وأن النحلة من تبادر فهل في هذا انتقاص من قدر وقيمة العسل أو الغزل؟ فقال عندما يكون التخصص بسبب المكان فهو بحدود الامكان، أما ما كان ممكناً للفريقين فلا يصحّ فيه التخصيص. فقالت حسناً، وإن قلت لك إن الأنثى في بلادنا مهما كان مقدار جمالها تصل إلى حبيبها مثقلة بأطنان من غزل الرجال فتحتاج غسيلاً عاطفياً من كلماته ليصيرا متساويين، ويحق عليها ما يحق عليه؟ فقال من باب أول الغسيل ماء هاتي القبلة الاولى ونتابع بعدئذٍ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى