تركيا… وفقدان دبلوماسية الموقع والجغرافيا!
فاديا مطر
في الوقت الذي توترت فيه العلاقات الروسية ـ التركية بعد إسقاط الأخيرة المقاتلة الروسية من نوع «سوخوي 24» فوق الأراضي السورية ومقتل أحد طياريها في 24 تشرين الثاني المنصرم، تتوالى التداعيات لما أسمته روسية «طعنة في الظهر»، فقد أكد الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» في مؤتمره الصحافي السنوي الذي عقده أول من أمس أمام ما يزيد عن 1000 صحافي من مختلف دول العالم، أن الشعب التركي هو صديق للشعب الروسي، لكنه أكد أن روسيا من المستحيل أن تتعاطى مع الحكومة التركية الحالية، ودعم الرئيس بوتين موقفه بتحدٍ جدي لخرق الطائرات التركية الأجواء السورية بعد تعزيز منظومة الدفاع الجوية الروسية في سورية وقبالة الشواطئ السورية.
وأضاف «أن الكرة لم تعد في ملعبنا بل في ملعب الأتراك»، فهي قراءة يجب إدراك أبعادها في ظل التوترات الجاثمة في المنطقة بعد بدء العمليات الجوية الروسية فوق سورية في 30 أيلول الماضي بطلب من دمشق، وما عكسته من كشف لستائر «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة بعد أن ضم تركيا مؤخراً، لكن زيارة وزير الخارجية الاميركية «جون كيري» الأخيرة لموسكو ربما وضعت بعض النقاط على الحروف رغم نقاط الاختلاف بشأن القطيعة الروسية ـ التركية والملف السوري الذي صوّت اليوم عليه مجلس الأمن الدولي بقرار تجفيف منابع تمويل تنظيم « داعش « الإرهابي.
فالقطيعة الروسية لتركيا مؤثرة واضح في مكافحة الإرهاب المتقدم وتداعياته في أزمات سورية والعراق، في ظل دور تركي فاعل تجاه مهددات الأمن القومي الإقليمي، وفي حال كانت تركيا ذات إفادة بالتزامها تسريع التخلص من الإرهاب بالاستناد للخصائص الجيوسياسية التي تتمتع بها والتي تُعتبر ركناً أساسياً في الأمن الإقليمي المستقر.
فالمشهد المعقد للقطيعة ينم إما عن تعاطٍ روسي مباشر مع الولايات المتحدة التي بدورها تترك لها التصرف مع حلفائها لوضع تركيا عند حدها وتحجيم دورها الإستراتيجي في مصنفات دور القوى الإقليمي سواء من خلال علاقاتها مع الدول العربية أو الكيان الصهيوني الذي كشفت تسريبات صحافية عن اتفاقات سرية تركية ـ صهيونية مؤخراً في سويسرا، أو في إطار توازن القوى أمام علاقة أميركية ـ إيرانية بدأت تشتدّ نواة الندية فيها، في وجه يثبت لتركيا أردوغان أن الموقف الأميركي هو وحده الذي يحسم مع حلفائه تأثيرات إطار توازن القوى في النظام الإقليمي والدولي، لذلك كان الدرس الروسي للأردوغانية على شكل تداعيات مرعبة على مستوى محددات داخلية تركية وبمحاذاتها محددات إقليمية ودولية في مناطق بحرية متوسطية مقابلة لأوروبا، وبشكل يترك النيات الروسية مفتوحة والتي رسم بعضها المؤتمر السنوي الصحافي للرئيس بوتين في أعقاب تحليل بيانات الصندوق الأسود للطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا مؤخراً، والتي امتدت اليد التركية فيها لخطوط حمراء تمس خطط وإجراءات أمنية على المدى القصير والبعيد من أجل تنفيذ أهداف سياسية ملقاة على أجندتها من الخارج بعد الخطوات التركية بإرسال قوات عسكرية إلى شمال العراق والتعنت في موضوع إخراجها رغم الأخطار المحيطة بالإقليم العربي عموماً وما يسخن تحت أشعة شمس العام المقبل وتوافر قدرة القوات العراقية في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية المرتبطة بالسيادة وقدرة استعادة الاستقلال على خطى متغيرات داخلية وإقليمية ودولية.
تركيا التي تمددت بدلاً من الإذعان لصوت الأمن الإقليمي تتجه نحو ترتيبات سياسية وعسكرية خطرة في محيط مشتعل أصلاً وبشكل أطماع مرتكزة على أطماع قوى كبرى وتنظيمات إرهابية تحاول دفع رقُع الجغرافية العربية نحو بيئة محيطية تحمل آثاراً مدمرة على الهيكل العظمي التركي أولاً، والجوار الجغرافي الآسيوي ثانياً، في ملخص تحولات ربما يرسم «تركيا جديدة» بقلم الجليد الروسي الذي يتجه للعمق الاستراتيجي نحو قلب العثمانية التي كانت أعلنت سابقاً أنها على ضفة سياسة «صفر مشاكل» مع الجيران ليتبين أنها سياسة لا تخضع لافتراضية المجموع الصفري، فهل السلوك التركي «الأتاتوركي» سيستطيع إنقاذ نفسه من جليد شتاء لن ينجح فيه الانسحاب على غرار منتدى «دافوس» عام 2009 مرة أخرى أمام أميركا؟