تركيا: من التوتر مع موسكو إلى التطبيع مع «إسرائيل»…!

د. هدى رزق

تزداد العلاقة بين أنقرة وموسكو سوءاً، لا يبدو أنّ الرئيس بوتين يعتزم وقف التصعيد. هو أعلن أنّه مع الشعب التركي، لكنه ضدّ الحكومة التركية التي أسقطت الطائرة الروسية واختبأت وراء الناتو. هو ضدّ أردوغان وداوود أوغلو اللذين يقفان وراء تدريب القوقازيين والشيشانيين.

تبدو موسكو عازمة على إضعاف خطط تركيا لدرجة عدم السماح لها بأيّ مكسب ليس في سورية وحدها، إنّما في العراق أيضاً.

لا زال المواطنون الروس غاضبين من قتل التركمان للطيار الروسي وهو يهبط بمظلته، ولا زالوا يدعون إلى معاقبة المسؤولين الأتراك على تجرُّئهم. اتّهم بوتين أنقره بنشر الإرهاب الإسلامي في المنطقة، وبأنها تحوّلت إلى ممرّ لنفط «داعش». تتسابق وسائل الإعلام الروسية على اتّهام عائلة أردوغان بالفساد وتسهيل وضع داعش من أجل الأرباح النفطية.

تخطّى بوتين الشروط الثلاثة التي كان السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف قد اشترطها من أجل إعادة العلاقات، وهي الاعتذار عن تحطيم الطائرة ومعاقبة المسؤولين عن هذا القرار والتعويض عن الخسائر. يعتقد بعض حلف الناتو أنّ تركيا تعقد الجهود الغربية للعمل مع روسيا من أجل حلّ الأزمة السورية. تبدو الأزمة بين البلدين عميقة، فما بعد 24 تشرين الثاني ليس كما قبله، ولن تمرّر روسيا هذا الموضوع ببساطة.

دفعت خطوة تركيا إرسال قوات إلى بعشيقة قرب الموصل الحكومة الروسية إلى دعم العراق في مجلس الأمن، واعتبار الخطوة انتهاكاً لسيادته. لم ينتهِ الأمر هنا واجهت تركيا إهمالاً من حلفائها في الناتو، إذ لم يدعموا موقفها، إضافةً إلى اتّهامات الجامعة العربية لها بالتدخّل الصارخ.

أعلن البيت الأبيض أنّ جو بايدن طلب من القوات التركية الانسحاب من الأراضي العراقية، لأنّ الحكومة العراقية لا تسمح لها بالتواجد على أراضيها بعدما تحادث مع العبادي، الذي أكّد له أنّ نشر القوات التركية جاء من دون موافقة الحكومة العراقية التي تعيش تحت ضغط القوى الوطنية في الداخل التي تطالبها بمقاومة دخول أيّ قوات أجنبية إلى البلاد، أميركية كانت أم تركية.

وكان أوباما قد لقي تجاوباً فاتراً، عندما قرّر إرسال 50 عنصراً من القوات الخاصة إلى بغداد، مع العلم أنها أقرّت الأمر بالتنسيق مع الحكومة العراقية، حتى أنّ العبادي رفض إرسال طائرات أباتشي أميركية من أجل مساعدة الحكومة في معركة الرمادي.

تبدو الأولوية الأميركية اليوم لإغلاق الحدود السورية ـ التركية التي يمرّ عبرها المقاتلون. وتقوم الولايات المتحدة بسحب عشرات الطائرات الحربية من قاعدة «إنجرليك» الاستراتيجية بعد يوم واحد من زيارة وزير الدفاع أشتون كارتر، لكن البنتاغون أكّد أنّ انسحاب بعض الطائرات لن يؤثّر على القدرة العسكرية الأميركية في ضرب أهداف في سورية.

في ظل التوتر الحالي بين روسيا وتركيا، عاودت الأخيرة فتح محادثات سرية في سويسرا بين موفد حكومي «إسرائيلي» ونائب رئيس الوزراء فريدون سنيرلي أوغلو، استكمالاً للمحادثات التي جرت منذ أشهر في إيطاليا بين الجانبين من أجل إعادة العلاقات إلى مجاريها، حيث توصّلا إلى تفاهمات لتطبيع العلاقات. قامت هذه التفاهمات على أساس إعادة السفيرين إلى أنقرة وتل أبيب، وموافقة تركيا على إلغاء الدعاوى القضائية بحق جنود وضباط الجيش الإسرائيلي على خلفية الاعتداء «الإسرائيلي» على سفينة «مرمرة» العام 2010، وموافقة «إسرائيل» على تأسيس صندوق خيري لمتضرّري سفينة «مرمرة» شهداء أسطول الحرية ــ سفينة مرمرة ، إلى جانب استعداد تركيا لمنع ما أسموه «الأنشطة الإرهابية» ضدّ «إسرائيل» انطلاقاً من أراضيها، وموافقتها على مرور أنبوب الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها، ومنع المسؤول في حركة «حماس»، صالح العاروري، من الدخول والإقامة في تركيا. وأخيراً موافقة الطرفين على إجراء مداولات حول شراء تركيا للغاز من «إسرائيل»…

تترك جميع هذه التطورات تساؤلات كثيرة حول ما إذا كان الحكم في تركيا أو حزب العدالة والتنمية لديهما سياسة إقليمية متوازنة تستند إلى تقييمات واقعية، لا سيّما بعد السياسات السلبية التي تمّ انتهاجها. يهرب أردوغان إلى الأمام، بنى شعبيّته ضدّ العلمانية وربح الانتخابات في الداخل بفضل الإسلام المحافظ، أقنع مؤيّديه بأنّه يعادي «إسرائيل» ولا ينزل عند رغبات الأميركيين والغربيين، وبأنّه يسعى إلى إعادة إحياء مجد الإمبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية. لكنه يتّجه اليوم بوضوح إلى «إسرائيل» وإلى الغرب ليحتمي من خسارته بينما يتّهمه الغرب بمحاولة جرّه إلى الصراع مع روسيا.

ها هو اليوم يفاوض أوروبا لإرضاء الأتراك بفيزا «شينغن»، هذا إذا استطاع الحصول عليها. يعاود تطبيع العلاقة مع «إسرائيل»، ويسمح لطائرات واشنطن بالهبوط والقتال انطلاقاً من قاعدة «إنجرليك» بعد ممانعة. يخشى اليوم من زيادة معدّل الفائدة الأميركية الذي كان يحوم حول الصفر، والذي كان قد دفع العديد من المستثمرين إلى توظيف أموالهم في بلدان الأسواق الناشئة، كتركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل. يُخشى على الاقتصاد الذي بفضله بنى العدالة والتنمية سمعته السياسية، حيث تشهد هذه الدول تسارعاً مفاجئاً لهرب رؤوس الأموال. يخشى من الاضطرابات الاقتصادية التي ستُضاف إلى الاضطرابات الأمنية وإلى صراعه مع حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق الأناضول.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى