النبوّة والخلافة والرئاسة بين البيعة والانتخاب 6
الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسّون
مفتي الجمهورية العربية السورية
ـ خلاصات ـ
قضية شكل الحكم وعلاقته بالدين ورجل الدين، قضية إشكالية دقيقة لا تستقيم من دون العودة إلى النصوص الإلهية وسير الأنبياء، ولا يملك أحد أن يزج بالدين ذريعة له لتبرير مطامعه بالحكم أو ترويج حزبه ورؤيته.
لا علاقة لدين الحاكم أو تدينه بموقف الدين ورجل الدين من حكمه، فتلك علاقة تبقى ملكاً حصرياً بينه وبين الله، والدليل سيرة فرعون كما وردت في القرآن الكريم، الموقف من الحاكم يبنى على أحادية ترسمها نسبة العدل في ممارسة الحكم.
لا دور للدين ولا لرجل الدين بالدعوة للثورة، ولا لحمل السلاح على حاكم إن تجاوز العدل، بمعزل عن دينه وتدينه، فالطغيان يستدعي النصح، والنصح، والدعوة للإصلاح، وفي حال أغلقت أبواب الإصلاح والنصح، ينتهي دور رجل الدين، عند حدود عدم الدعوة للطاعة، فتصير عدم طاعة الحاكم شأناً يملكه الشعب، ويقرّرها الشعب وحده.
شكل الحكم خلافة أم ديمقراطية أم ليبرالية أم ملكية، لا يتعلق تحديده بالدين بل بالناس، فهم يختارون شكل الحكم الذي يناسبهم ويؤاتيهم.
يقرر الناس شكل الحكم ويقررون مدة ولاية الحاكم، ويقررون شكل إسقاطه، لكن الدين ورجل الدين تقف مهمتهما عند حدود إقامة حد واضح، هو العدل مقياساً، والناس مصدراً للقرار.
لا يمكن بناء دولة وحكم وفقاً لهوية دينية، لأن الناس بشرائع شتى، والدين الأزلي يصير زمنياً بنسبة دولة وحاكم بعينهما إليه، وإسقاطه بسقوطهما، ويصير الدين حقبة، ويصير الدين المجرد من المصالح صاحب مصلحة، والدين المترفع فوق البشر والناصح لهم بمنهج حياة وغذاء روحي، يصير ظلاً لأداء بشر وخادماً لمصالحهم، وهذه أكبر إساءة ترتكب بحق الدين، أي دين.
لو قال الناس نريد حكماً ملكياً فيصير للدين مسؤولية إضافة كلمة العدل فقط، ولو قال الناس نريد حكماً جمهورياً، لصارت مهمة رجل الدين إضافة مصطلح العدل عليها، ولو قال الناس نريد ولاية الرئيس لعشر سنوات لأضاف رجل الدين بشرط العدل، ولو قالوا لخمس سنوات لقال رجل الدين بقياس العدل حكماً.
لو قال الناس نريد حكماً يترجم قيم الدين ويحترمه رجل الدين، فماذا تنصح؟
لأجاب رجل الدين، حكم لا يحرم الناس من حرية معتقداتها وحكم يحترم عباداتها، حكم يصون تعدد إتباع الناس للديانات بحرية وللعبادات بعدل، فلا يميز بين أتباع دين ودين، وبين متدين وغير متدين، ويرتضي منظومة قيم للحكم تقوم على شرطي العدل والاحتكام لإرادة الناس.
ولو قال الناس وما هي مهمة رجل الدين تجاه الحاكم وتجاه الناس؟
أن يبشر بالعدل، وأن يراقب الحاكم بعين العدل، وأن ينصح الحاكم إذا حاد عن طريق العدل، وأن لا يدعو الناس لطاعة حاكم خرج عن طريق العدل، وعن تفويض الناس ورضاهم.