قطيعة بوتين تكشف دور أنقرة الوظيفي
من دون ان يأبه كثيراً لتداعيات قراره حول الحكومة التركية تحدّث بوتين عن استحالة العلاقة معها من الآن فصاعداً بعد كلّ الذي جرى، فقد أفسدت تركيا العلاقات الروسية التركية عندما هاجمت الطائرة العسكرية الروسية فوق أراضي سورية من دون ان تعتبر انّ هذا سيؤثر بين البلدين، والاهمّ انّ تركيا لم تكن تتوقع انّ السلطات الروسية ستقف عند الحادثة لتقول انه من الصعب بل من المستحيل التوصل إلى اتفاق معها، ولم تكن تتوقع ايضاً انها ستواجه قيوداً روسية على التعامل معها في المجال الاقتصادي.
لم تكن تتوقع تركيا انها ستلجأ الى البحث عن أسواق غاز او نفط بعيداً عن روسيا، ولم تكن تتوقع ان الخطوة الارتجالية ستضعها وتوقظها من سباتها فتعرف حدّها وتقف عنده.
تركيا اليوم تدرك حجمها الحقيقي، لا بل هذا ما تريد روسيا إيصاله، فأنقرة ليست سيدة هذه الساحة ولا يمكنها إثبات وجودها من دون الوقوف عند المصالح الروسية، وعند أكثر من مفترق طرق، وتركيا التي أرادت موسكو ان تتلقف وتحتضن موقفها وتحفظ مصالحها أجبرت الاخيرة على التبدّل والتغيّر جذرياً وقلب الحسابات.
نعم، لقد اخطأت روسيا وأخفت الحقائق منذ بداية الأزمة السورية، ونعم لقد أخفت روسيا عن العالم أنها تراقب وترى الفساد في صفوف القوات التركية والنفط الذي يُباع ويُشترى بينها وبين «داعش» وتورّط الحكومة التركية بحماية المهرّبين، لقد أخفت روسيا كلّّ هذا لكنه كان تحت عينها، وكانت أنقرة تعتقد بأنّ موسكو لن تفضح المشهد من باب الثقة بأنّ موسكو تحتاج إلى أفضل العلاقات مع أنقرة من أجل حلّ الملف السوري حتى ثبت العكس.
أكدت موسكو لتركيا اليوم أنها لن تخضع لهكذا ابتزاز بعد الآن، وانّ على انقرة معرفة وإدراك حجمها الحقيقي، وانها لم تعد بالنسبة إلى روسيا إلا صاحبة وظيفة او مهمة تنفذها لصالح الاميركيين، واذا كانت روسيا تجلس مع الولايات المتحدة مباشرة من أجل التفاوض حول ملفات المنطقة، وليس فقط بشأن سورية، بل أيضاً كان لها دور في المفاوضات حول الملف النووي الايراني ضمن مجموعة 5 + 1،وكذلك لها دور بارز في الملف العراقي، ولا حاجة اذاً للحديث مع تركيا، لأنّ الاصيل يحاور الاصيل لا الوكيل.
وضع بوتين بكلامه الكبير حداً سياسياً فاصلاً، لكنه رسم حقيقة اكبر، وهي ان الهالة التركية في الصراع يمكن تجاهلها بتحجيمها ووضعها امام حقيقة واقعها التي لا تعدو في الازمة السورية سوى كونها عاملا سلبيا وارهابيا في المنطقة، لقد نجح بوتين في تقديم تركيا بصورة شريك الارهاب الاخطر في العالم، حتى وجدت تركيا نفسها امام وابل من التهم التي طالت الحكومة وافراد عائلة الرئيس التركي ايضا.
يقول بوتين في مؤتمره الكبير، وهو المؤتمر الصحافي السنوي، انّ قطع العلاقات مع تركيا يعني شيئاً واحداً اننا نستغني عن اي مكسب سياسي او امني معها، واننا قادرون على البحث في الملف السوري مباشرة مع الاميركيين، فلا يقلقنّ احد أو يعوّل على دور تركي ستخسره المفاوضات، وبالتالي سيؤثر سلباً على حلّ الازمة، لأنّ تركيا ليست الآمر والناهي في المسائل الكبرى.
يكشف بوتين بقطيعته للحكومة التركية الاستغناء الروسي التامّ، عنها والحاجة التركية السياسية والاقتصادية لروسيا، ويؤكد بتجاهله إياها الدور الوظيفي الذي تلعبه انقرة في الصراع لا اكثر ولا اقلّ مهما حاولت المكابرة.
القطيعة الروسية لتركيا ليست الا عزلاً سياسياً لأنقرة عن حديث الكبار وعن طاولة الحلول.
«توب نيوز»