«المعارضة المعتدلة» نكتة الموسم الأميركية

د. سليم حربا

لقد أصاب الرئيس الأميركي وقلّما يصيب، عندما وصف المعارضة السورية وقدرتها على تغيير موازين القوى في سورية، رغم دعمها وتدعيمها بمختلف الأسلحة الفتاكة فعلاً وغير الفتاكة إعلاماً، على أنها «فانتازيا» تحتاج إلى تحويل ملفها إلى هوليوود!

إذا كان الرئيس أوباما أصاب، كان عليه أن يصوّب القول والفعل، ويعتبرَ من كثرة العبر التي أكّدت أن ذلك الهيكل المسمى «المعارضة» الذي تمّ تفكيكه وتركيبه من «مجلس» إلى «هيئة» وتمّ تزويقه وتسويقه بعشرات «الأمبلاجات»… والمضمون واحد، لم يقوَ ليبقى، لأنه أساساً يفتقد بديهيات المعارضة الوطنية وأساسات النقاء والبقاء، ولا يملك ميداناً وأرضاً ولا شعبية ولا شعباً ولا مشروعاً وطنياً ولا جينات سورية تلك الجينات التي لا تُباع ولا تُشرى ولا تُستعار، لذلك تحوّل البحث الأميركي عن «معارضة معتدلة» إلى رحلة بحث عن سراب، أو كمن يبحث عن إبرة في أكوام قش على بيادر بندر و«داعش».

لكي لا تكون ذاكرتنا مثقوبة أو قصيرة وقاصرة، علينا التذكير بأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون كانت السباقة الى رفض إلقاء المسلحين لأسلحتهم مراهنة على نجاح مشروع «الإخوان المسلمين» في مصر وسورية وتسويقه على أنه هو الحل، وبعدما كشروا عن أنيابهم وسقطت ورقة التوت عنهم وتحطّم مشروعهم بدأت الرعاية الأميركية لـ«جبهة النصرة» الإرهابية التي شكلت الرافعة الجديدة لانهيار مشروع «الإخوان» وهذا ما يفسّر دفاع المسماة «المعارضة المعتدلة» عن «جبهة النصرة» عندما وضعتها أميركا إعلاماً على قائمة الإرهاب ودعمتها عملياً لتكون الذراع العسكرية لـ «معارضتها المعتدلة»، وتصريحات معاذ الخطيب ما زالت حاضرة عندما أعلن أخوّته في السلاح معها. واستمرت رحلة البحث والعناء الأميركي وتطبيق سياسة التجريب واستراتيجية البدائل وإغراق الساحة بالسلاح والمسميات علّها تهتدي وتقتدي بنيوتن وتقول: وجدتها… ولم ولن تجدها! طرحت ما يُسمّى بـ «الجيش الحر» وربطته عضوياً مع ما يُسمّى بـ «الجبهة الإسلامية» المرتبطة عضوياً بـ «جبهة النصرة» الذراع العضوية لتنظيم «القاعدة»، ولم تفلح في تغيير موازين القوى أو تظهير مكاسب ميدانية تكدّسها في جعبة المعارضة.

ولجأت إلى عملية تفكيك وتركيب أنتجت ما يسمى «داعش» الذي أُريد له ومنه أن يجمع بقايا أبرهة الحبشي وأتباع أبي لهب وأبي جهل ومُحبطي «الإخوان» وآكلي لحوم البشر من «الجيش الحر» والجبهة الإسلامية و«جبهة النصرة»، ويسير على سكة القطار الأميركي ويحقق الأهداف الصهيونية الوهابية. وعلى وقع خطى «داعش» ستتم غربلة «الدواعش» بالغربال الأميركي بين «دواعش» معتدلة أو إرهابية، وسيتم الإيعاز لبقايا الإرهاب الذي قتل مع «داعش» ولها وأمدها بالسلاح وأسباب القوة أن يرفض مبايعة داعش، وأن يعلن قتاله لها لتتمكن أميركا من إجراء غسيل تاريخي لهذا الإرهاب لـ «جبهة النصرة» وأخواتها وتسويقه على أنه «معارضة معتدلة» مثلما سوّق روبرت فورد وأعلن عن رغبته في حضور بعض رموزها إلى مؤتمر جنيف كمعارضة مسلحة، لا سيّما أنها مجتمعة كفصائل مسلحة وهيكل ائتلافي خارجي أعلنتها قولاً وممارسة ارتباطها بـالكيان «الإسرائيلي»، ولذلك رأينا الرئيس الأميركي يُقدم قسطاً متواضعاً بـ500 مليون دولار أميركي لما يسميه المعارضة المعتدلة والباقي على الحساب والقادم أكثر،وأثبت الواقع أن كل ما تم تقديمه الى الإرهابيين في سورية وصل بأمان ومن دون تصرف إلى تنظيمات «القاعدة» بمختلف مسمياتها لكن إذا كان يصل في ما مضى بشكل غير مباشر فهذه المنحة الإرهابية هي مباشرة من اليد الأميركية إلى جيب «داعش» التي هيمنت فكرياً وأيديولوجياً ومادياً وميدانياً على كل من تسمّيه أميركا وحلفاؤها «معارضة معتدلة»، ولم يبق للمعارضة المعتدلة الأميركية إلا أن تنطق بكلمة السر وتبايع «داعش» ومع ذلك ستبقى أميركا تعتبرها مرونة سياسية وتسوّقها على أنها معارضة معتدلة وهي في حقيقتها الميدانية معارضة إرهابية وفي حقيقتها اللغوية معارضة معتلّة،أما أميركا فستبقى تبحث عن سراب ووهم لتضع نهاية درامية لفيلم فانتازي اسمه «المعارضة السورية المعتدلة» لكن «داعش» هي التي تنفذ فصول هذه المسرحية ومشاهد هذا الفيلم الذي سيبقى من سينما الخيال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى