دولة البارزاني… لقيط «الربيع العربي»؟
د.نسيب حطيط
بعد انهيار الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تقاسم الحلفاء ممتلكاتها ورسموا الحدود والكيانات، فكانت فلسطين لليهود بوعد بريطاني، وأنشئت الكيانات السياسية بحدودها الحالية وفق معاهدة سايكس بيكو، وتعهّدت بريطانيا بتأسيس دولة كردستان وفق معاهدة سيفر عام 1920 واستطاع العثمانيون تعديلها وإلغاء دولة كردستان، وتوزع الأكراد الدول الأربع تركيا وإيران والعراق وسورية .
بعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948 تحرّك الموساد وقادة العدو في كردستان لبناء قاعدة ثانية للمشروع الصهيوني، كي تتكامل مع القاعدة الثالثة التي ولدت في جنوب السودان وفق استراتيجية التعاون مع الأقليات في العالم العربي.
نسّق الملا مصطفى البارزاني في الستينات من القرن الفائت مع العدو «الإسرائيلي» لتأمين الدعم ضد الجيش العراقي ولتأمين الاستقلال الذاتي، فدرّبت «إسرائيل» قوات من البيشمركة عام 1965 تحت اسم «مارفاد» أي «السجادة» للوصول إلى كردستان، أكد الكاتب اليهودي شلومو نكديموت ذلك في كتابه حول العلاقات بين البارزاني والموساد ونشر صوراً عدة له مع المسؤولين «الإسرائيليين».
بعد الاحتلال الأميركي للعراق ناقش الكونغرس الأميركي عام 2005 خطة مستقبلية لقيام «دولة كردستان»، فأكد التقرير على تشجيع أميركا قيام دولة كردستان لضمان وجود دولة حليفة وصديقة للولايات المتحدة الأميركية والغرب و«إسرائيل» على أن تتوسع الدولة الكردية لتضم الأكراد في إيران وتركيا منذ عهد مصطفى البارزاني، بغية تشكيل قوة استراتيجية وعسكرية واقتصادية لإيجاد توازن بين إيران والدول العربية.
بدأ الشرق الاوسط الجديد ينجب مواليده الجدد منذ عام 2011 بعد تأسيس دولة جنوب السودان، والمولود الجديد المنتظر من رحم غزوة الموصل في العراق هو دولة كردستان التي تكاد تعلن نفسها بالتلازم مع إعلان دولة «داعش» باسم «الخلافة الإسلامية»، فالدور الوظيفي لدولة داعش ليس بناء دولة مستقلة بل القيام بدور الإسفين أو الصاعق المفجر للجغرافيا السياسية والنسيج الوطني والوحدة الإنسانية للشعوب وتشظيتها بناء على انتماءاتها الدينية والطائفية.
إن الدور السياسي والعسكري لدولة كردستان المفترضة سيكون خدمة المشروع الاستراتيجي الأميركي- الصهيوني، بحيث تكون هذه الدول المصطنعة قواعد عسكرية للإدارة الأميركية المنتشرة في العالم، ولن تكون ذات سيادة واستقلال إذ لا تمتلك مقومات الدولة السيادية المالكة للصمود الذاتي على جميع المستويات، ويبدو أنّ الأكراد لم يستفيدوا من تجربتهم التاريخية السابقة عندما وعدتهم بريطانيا ونكثت بوعدها فدفع الأكراد أثماناً باهظة وتحوّلوا طوال مئة عام إلى معارضين مطاردين من الدول الأربع التي يعيشون فيها بسبب الخوف من مشاريع الاستقلال الذاتي.
الأسئلة المطروحة على المغامر الانتهازي مسعود البارزاني: هل حصلت على الضمانات الصادقة من أميركا وحلفائها بدعم قيام الدولة الكردية وحمايتها كما تحمي قطر وبعض الإمارات؟
ما هو موقف تركيا أردوغان وهل سيسمح بتقسيم تركيا وضم المناطق الكردية إلى كردستان الكبرى؟
السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يستطيع البارزاني الصمود والقتال على أربع جبهات من الدول التي يهدّدها بالتقسيم والسيطرة على أجزاء منها وتغيير جغرافيتها السياسية؟
هل تستطيع كردستان بيع النفط المصادَر في كركوك وشمال العراق إذا حاصرته الدول الأربع المجاورة، خصوصاً أنّ هذه الدولة لا تمتلك منفذاً بحرياً والتمديدات البرية مهددة؟
إن أميركا في عصر الأفول والضعف وكذلك العدو «الإسرائيلي» يعيش مأزقاً وجودياً بفعل قوى المقاومة، فلماذا يغامر الأكراد بالرهان على الغرب في زمن الضعف والعواصف الأمنية والوجودية على مستوى المنطقة ويعتمدون استراتيجية الفوضى والقوة المفترضة والوهمية التي يملكونها في لحظة ضعف وارتباك للدولة المركزية، فيضعون اليد على كركوك ويعلنون ضمها إلى دولتهم الافتراضية، مما سيشرع نظرية عدالة القوة المتوحشة والانتهازية بمصادرة مصير الآخرين والذي يمكن إعادة استخدامه ضدهم من قبل القادرين على إخضاعهم وفق نظرية قطاع الطرق بالسطو أو استغلال المحنة والأزمة العراقية، فمن يظنّ بقاء الحال على ما هي عليه هو مخطئ، فما عساه يكون مصير الأكراد إذا اتفق السنة والشيعة ودول الخليج؟
ماذا سيكون مصير الأكراد إذا وجدت أميركا أنّ مصلحتها تقضي بالتخلي عنهم.
لقد أخطأ البارزاني عندما أعلن مشروعه تفتيت العراق وأرتكب خطيئة كبرى في حق شعبه وبلده، ولم يتعظ ممن سبقوه من شاه إيران إلى حسني مبارك وبن علي وحتى القذافي الذي دعم الرئيس الفرنسي ساركوزي مالياً فطعنه هذا الأخير وأغار عليه باسم «الديمقراطية» وهو الآن سجين في فرنسا بسبب الرشوة المالية!
لم يمنع العرب قيام كردستان عام 1920 بل كانوا ضحايا مثل الأكراد. أليس الأفضل البقاء في أمة تحتضنهم مثلما حضنهم الإسلام فكان منهم صلاح الدين وغيره؟ أم سيكونون خنجراً في ظهر الأمة وسيعاقبون في لحظة استعادة الأنفاس والمبادرة؟
على الوطنيين الأكراد المسارعة إلى الحدّ من تهوّر البارزاني ومغامرته التي تهدّد الأكراد وتعيدهم إلى زمن المطاردة والحرب المستمرة والتي لا نؤيّدها ونتمنى ألا تتكرّر من جديد.