تحالف لقتال «راجح»
وليد زيتوني
ربّما كان راجح الفرد في مسرحية الرحابنة، أكثر شخصية واقعية تنطبق على الإرهاب كتعبير يحتلّ الساحة السياسية في العالم اليوم. فالإرهاب كذبة ابتدعها الأميركيون لسدّ ثغرة وجود عدوّ ولو وهميّ، بديلاً عن الاتحاد السوفياتي التي انهار نهاية الثمانينيات. فالاستراتيجية الأميركية التي تقوم على النهب الخارجي لسدّ الجشع الداخلي يلزمها عدو بشكل دائم كي تبرّر سيطرتها وهيمنتها على مناطق الثروات، بخاصة الدول الفقيرة منها.
هيّأت الولايات المتحدة البيئة العالمية إعلامياً قبل الإعلان عن راجح طالبان وراجح القاعدة في 11 أيلول. جاء راجح من بلاد الأفغان محمّلاً بالذخيرة والسلاح والقرار الأميركي إلى العراق ضمن توليفة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحتى القيم الغربية. غير أنّ راجح العربي هو أقرب إلى جحا منه إلى الشخصية الهوليودية التي أرادها الأميركيون. شخصية هزلية تستمدّ عاداتها وتقاليدها من التراث الصحراوي الوهابي.
إنْ عدنا قليلاً إلى تصريحات الجبير، المسمّى وزيراً للخارجية، فهو شخصية لو كانت على المسرح لطغت على حكايات جحا. فهذا ومملكته التي لم تستطع أن تحقق إنجازاً واحداً حقيقياً على أرض اليمن، رغم الدعم الخارجي، يتنطّح لفتح حروب عديدة على امتداد العالم، ويقاتل قوى عظمى تعجز عن مقارعتها معلّمته وسيّدته الولايات المتحدة.
جحا العربي تفتّق فكره النيّر عن تحالف سمّاه إسلامياً. بدأ جحا هذا بنشر الغصن الذي يقف عليه. وجميع مَن على المسرح ينتظر الانتهاء لمشاهدة النهاية السعيدة. جحا حاول أن يقلّد شارلي شابلن، مع فارق بسيط هو جعجعته المواكبة في حين كان شابلن صامتاً.
التقليد السعودي للتحالف الأميركي لم يكن موفقاً، لا بالاختيار، ولا بالطريقة ولا بالأهداف. حين كانت الولايات المتحدة تتشاور مع أتباعها الذين تسمّيهم حلفاء، لجأت السعودية إلى ضمّ الحلفاء بشكل تبعي ودون تشاور. مرتكزة على قدرتها البتردولارية بالإقناع، كما فعلت مع مصر. فهي في هذا السياق اعتبرت مجلس التعاون الخليجي تابعاً مما استثار عُمان التي أعلنت بشكل فوري، أنها غير مشاركة في هذا التحالف. وعلى المنوال نفسه اعتبرت لبنان إمارة في صحراء مملكتها. وسمّت اليمن وليبيا وفلسطين وغيرها وهي دول بالإضافة إلى أوضاعها الداخلية لا يمكن للجزء أن يأخذ قراراً بدلاً عن الدولة أو الكلّ. نسيت أو تناست السعودية أنّ لهذه الدول دساتيرها وقوانينها وآليات اتخاذ قرار فيها، أو ربّما لأنّ السعودية في قراراتها لا تعتمد لا على دستور ولا القوانين ولا المجالس التشريعية. أو ربما كانت على عجلة من أمرها تغطية لانكسارها المدوّي في اليمن، أو دخولها الفوري إلى طاولة المفاوضات المزمع عقدها من أجل سورية وبأيديها أوراق للمساومة.
طبعاً استخدمنا تعبير ربما، أكثر من مرة، حرصاً على الموضوعية، لأننا نعرف والكلّ يعرف، أن العقل السعودي لا يسير بمنطق تسلسل الأحداث تماماً كما يفعل جحا. فالقرار السعودي فردي مزاجي، يعمل بردّ الفعل غير المتناسب مع الهدف.
في الخلاصة، التحالف هو عبارة عن إعلان نيات مبيّتة تجاه الدول والقوى التي ترفض منطق الإذعان المبني على فرض الإملاءات بالبترودولار.
إنّ نظام الشكل لا يصنع دولة. وإنّ امتلاك الطائرات والمدرّعات والبوارج لا يصنع جيشاً. وإنّ رشوة مراكز النفوذ لا تصنع سياسة، وإن امتلاك القصور والعقارات والسيارات الفخمة لا تصنع رجال سياسة، وأنّ الحصول على ريع عالٍ من دون توظيفه لا يصنع اقتصاداً.
لا تملك السعودية لأجل هذا إلا فكراً ظلامياً تكفيرياً إلغائياً خارج أطر العصر المدني الحضاري. فكيف لها وهي صانعة الإرهاب ومموّلته الأساس أن تحارب الإرهاب؟
على طول «بساطك» مُدّ قدميك يا جحا.