«القوّة الإلكترونيّة وأبعاد التحوّل في خصائص القوّة» دراسة شائقة لإيهاب خليفة
تتناول دراسة «القوة الإلكترونية وأبعاد التحول في خصائص القوة» لإيهاب خليفة، مفهوم القوة في السياسة الدولية وتحوّلاته في ظل صعود أنماط القوة الذكية والقوة الإلكترونية والسيبرية. ويقول الباحث إن مفهوم القوة شهد، منذ نهاية الحرب الباردة، جملة من التغيرات لمواكبة التطور الحادث في حقل العلاقات الدولية، خاصة ما يتعلق منها بمفهوم الأمن. ويمكن التمييز بين مستويين للتغير الذي طرأ على مفهوم القوة، مستوى خاص بالعناصر المكونة للقوة والأشكال المختلفة التي تتخذها القوة، ومستوى آخر خاص بالطرف الذي يمتلك القوة، خاصة مع امتلاك فاعلين من غير الدولة بعض مصادر القوة والتأثير في العلاقات الدولية. ثم يسعى هذا الفصل إلى دراسة التغيرات التي أثرت أشكال القوة، ولما للتكنولوجيا الحديثة من أثر مهم في تطور ممارسة القوة والنفوذ في العلاقات الدولية، ولما للمعلومة من أثر مهم في حسم الصراعات الدولية.
الجدير بالملاحظة معرفة أثر التكنولوجيا الحديثة والفضاء الإلكتروني في مفهوم القوة وخصائصها وتحولاتها، ومن الضروري الوقوف على الأطراف التي تمارس هذه القوة سواء كانت من الدول أو من غير الدول، وفي هذه الحالة يصبح مجال ممارسة القوة هو الفضاء الإلكتروني، وأطرافه هو الدول والأطراف من غير الدول، وأدواته برامج كمبيوتر وفيروسات إلكترونية.
يتناول الجزء الأول من الدراسة الصادرة لدى «وحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية» ضمن سلسلة «أوراق»، مفهوم القوة في العلاقات الدولية وعلاقته بالفضاء الإلكتروني. ويرى الباحث أنه رغم بساطة مفهوم القوة، إلا أنه من الصعب تعريفها، لكنه يعرفها إجمالاً بأنها «القدرة على التأثير في الآخرين للحصول منهم على نتائج محددة يسعى الطرف الذي يقوم بعملية التأثير للحصول عليها، كما ربط هانز مورجنثاو القوة بفكرة التأثير أو التحكم في المكاسب، وعرّف القوة بأنها القدرة على التأثير في سلوك الآخرين، وأفاد عالم الاجتماع روبرت دال من أفكار مورجنتاو حول القوة وقدّم تعريفاً أكثر وضوحاً للقوة، إذ عرفها بأنّها القدرة على جعل الآخرين يقومون بأمور متناقضة مع أولوياتهم ما كانوا ليقوموا بها لولا ممارسة تلك القدرة»، وانقسمت تعريفات القوة بين إيضاح شكلها المادي القهري المعروف بالقوة الصلبة، والقوة الناعمة التي توسع من سبل التأثير على الفواعل الأخرى في العلاقات الدولية.
يؤكد الباحث الذي يعمل في مركز المستقبل للدراسات المتقدمة أن ازدياد وزن التكنولوجيا أدى إلى تحولات كبرى في مفهوم القوة من عدة أوجه، أهمها تغير أشكال القوة بين القوة الصلبة والناعمة. فعبر القرون وازدهار التكنولوجيا وتطورها تغيرت مصادر القوة، فلم تبق تلك المصادر التقليدية التي تميزت بها القوى الدولية التقليدية في قرون ماضية، فعلى سبيل المثال كان عنصر السكان أحد مصادر القوة، من خلال دفع الضرائب التي تستخدم في التمويل العسكري وتجنيد المواطنين الصالحين في الجيش، وكان عنصراً حاسماً في المعارك الحربية، بينما نجد حالياً أن امتلاك التكنولوجيا العسكرية الحديثة كالأسلحة غير التقليدية، باتت له الأولوية في تحقيق الردع والتفوق العسكري. وتشكل القوة الناعمة أحد أشكال القوة التي تستخدمها الدول في سياستها الخارجية وتشكل إطاراً عاماً من الأنماط والسلوكيات الثقافية التي تسعى من خلالها الدول إلى نشرها على المستوى الخارجي لتحقيق أهدافها، عبر مجتمع المعلومات مثل: نشر الأفكار والمعلومات، ودعم قنوات البث الإذاعي والإرسال التلفزيوني، وترويج سلع ثقافية وخدمات وبرامج معلوماتية يكون هدفها دعم المعارضة للنظم القائمة.
يعرف الباحث الفضاء الإلكتروني، باعتباره مجالاً جديدًا لاختبار القوة في العلاقات الدولية، على أنه مجموعة المعلومات المتوافرة إلكترونياً ويتم تبادلها وتشكيلها في مجموعات بناء على استخدامها. ويعمل الفضاء الإلكتروني تحت ظروف مادية غير تقليدية إذ يكون وسيطاً عبر العمل من خلال أجهزة الكمبيوتر وشبكات الاتصال، ويختلف عن الجو أو الفضاء الخارجي في أن الفضاء الإلكتروني يعمل وفق قوانين فيزيائية مختلفة عن قوانين الفضاء الخارجي، فمثلاً لا تزن المعلومات شيئاً ولا تملك كتلة مادية، وفي إمكان المعلومات أن تظهر إلى الوجود وتختفي منه، ويتم تعديل وتبادل المعلومات خلال نظم مرتبطة بالبنية التحتية، ويتطلب الفضاء الإلكتروني وجود هيكل مادي من أجهزة الكمبيوتر وخطوط الاتصالات، ومن ثم فإن ما يعمل داخل هذه الأجهزة يمثل نمطاً من القوة والسيطرة، وتصبح القيمة الحقيقية للفضاء الإلكتروني هي الإفادة من كم المعلومات الموجودة داخله والمساهمة في التحكم فيها في إطار وشكل إلكتروني.
أوضحت العولمة الكوكبية التي يعيشها العالم قدرة الفواعل الدوليين من دول قومية ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية وحركات تحررية واجتماعية دولية وحتى المنظمات الإرهابية على استخدام القوة الإلكترونية في تحقيق أهدافها. لذا أصبحت هناك علاقة وثيقة بين الأمن الدولي والفضاء الإلكتروني، إذ هناك المحتوى المعلومات العسكري والأمني والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والخدمي والعلمي والبحثي في الفضاء الإلكتروني، خاصة مع التوسع في تبني الحكومات الإلكترونية من جانب العديد من الدول واتساع نطاق مستخدمي وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في العالم حيث تصبح قواعد البيانات القومية في حالة انكشاف خارجي، ما يعرضها لخطر التعرض لهجمات الفضاء الإلكتروني إلى جانب الدعاية والمعلومات المضللة ونشر الشائعات أو الدعوة لأعمال تحريض أو دعم المعارضة الداخلية للنظام الحاكم.
توضح الدراسة عناصر القوة الإلكترونية وكيفية تطويع كل عنصر في تفاعلات القوة الدولية، كما تشير إلى أبرز الأمثلة على الصراعات الإلكترونية بين الأقطاب الدولية، ولعل أهم هذه الأمثلة الصراع بين الولايات المتحدة والصين، ومحاولة الأخيرة كسر احتكار شركات التكنولوجيا الأميركية وحماية نظامها الداخلي من تأثيرات التكنولوجيا الغربية، وحتى عدم اعترافها بحقوق ملكية الشركات الغربية على احتكارها. كما تشير الدراسة إلى استخدام الإرهاب الدولي ومنظماته النشطة داخليا وخارجيًّا لوسائل الاتصال للترويج لأعمالها وشن حملات على خصومها، وصولاً إلى ممارسة نوع من الإرهاب الإلكتروني على هؤلاء الخصوم واختراق نظمهم لتكبيدهم خسائر فادحة.
تنتهي الدراسة إلى أن أشكال القوة تتغير بتغيّر التكنولوجيا، وأثر الفضاء الإلكتروني في الأشكال التقليدية للقوة، وطرح مفهوماً وشكلاً جديدين حول القوة الإلكترونية، وكان الشكل الجديد دور في بلورة مفهوم انتشار القوة، وتعدد الفاعلين الممارسين لها سواء من الدول أو من غير الدول، ما هدد الدور التقليدي للدول وأنقص من سيادتها على إقليمها، ولم ينته الأمر عند هذا، إذ ظهرت أشكال جديدة من الأسلحة، فرغم ضآلة حجمها الذي لا يتعدى كيلوبايتس وقلة تكلفتها، إلا أنها تتسبب بخسائر فادحة على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، بل وعلى المستوى الشخصي والفردي، فالضحية في هذه الحالة كل مشترك في خدمة الإنترنت، فالخسائر لا تعترف بالنوع ولا العمر ولا الإقليم، وبالتالي من الضروري وضع أطر حاكمة لاستخدامات هذه القوة وتقنينها بما يعمل على تحقيق الأمن الشخصي للمواطن، والأمن الدولي لمختلف الأطراف الدولية.