القرار «2254» حول سورية: الحاوي
عامر نعيم الياس
قرار يراعي الجميع ويسمح لهم بتفسير كل ما يريدون تفسيره استناداً إلى البيانات والاجتماعات والمسارات التي عقدت طوال أربع سنوات ونصف السنة من تاريخ الحرب في سورية وعليها. هي الجملة المفتاحية التي تلخّص القرار «2254» الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع، والذي وضع خريطة طريق للحلّ في سورية، لكن أيّ حل؟ الحل المستند إلى بيان جنيف ومسار فيينا مع لحظ اجتماع الرياض للمجموعات المسلحة والمعارضات التي دمجت في قالب تفاوضي واحد، وقائمة الأردن للتنظيمات الإرهابية التي لم يتم عليها التوافق بعد والتي وحدها بحاجة إلى تفاوض ربما تكون نتيجته غير مرضية للدولة السورية تحديداً في ضوء اتضاح خروج نهائي للتنظيم الأكثر خطورة على أمن العاصمة دمشق من هذه القائمة، وهو تنظيم «جيش الإسلام» الذي يقوده الإرهابي زهران علوش ويضمّ حوالى عشرة آلاف متطرّف سلفيّ خطفوا النساء في عدرا العمالية وعرضوهن عاريات في شوارع مدينة دوما عاصمة الريف الدمشقي ومسقط رأس علوش.
الشيطان يكمن في التفاصيل التي يحتويها القرار، وفي مجريات اجتماع وفدي «المعارضة» والدولة السورية في مرّتين سابقتين، تلك الاجتماعات التي شكّلت مناسبة لرفع السقوف إلى مستويات كفيلة بنسف التفاوض في ظل إصرار الوفد «المعارض» على الدوام على حيثية «المرحلة الانتقالية» و«الصلاحيات الكاملة» قبل تقديم أي شيء. إن استطاعت هذه «المعارضة» تقديم مقابل لدفع عملية التفاوض، لكن القرار الصادر عن مجلس الأمن يعالج هذه الحيثية بشكل واضح عبر تشديده على دور القوى الدولية في إرغام الأطراف المتفاوضة، كلُّ مع حلفائه، على السير في العملية السياسية، وهذا يعيد الكرة إلى ملعب هذه القوى خصوصاً تلك التي ركبّت «المعارضات السورية»، والتي لا تزال بدورها خاضعة لعملية تغيير وتبديل في تشكيلة وفدها لمراعاة نفوذ القوى الدولية والإقليمية المختلفة التي تشغّلها.
وقف إطلاق النار يرضي الروس والأميركيين والقوى الإقليمية على حدّ سواء، فالأراضي التي يسيطر عليها «داعش» هي الوحيدة التي يمكن إخراجها بشكل كلّي من دائرة وقف إطلاق النار. لكن ماذا عن باقي الفصائل؟ ففي ريف دمشق تتواجد «النصرة» في زملكا إلى جانب «جيش الإسلام» الذي يقوده علوش، فكيف يتم إطلاق النار في مثلث جوبر زملكا عربين في الريف الدمشقي؟
في المقابل، فإن هذه الحيثية تضمن استمرار تحالف أوباما والقوات الروسية في عملياتها العسكرية على الأرض السورية والتي تخص ما يسمى «مكافحة الإرهاب».
القرار يتجاهل مصير الرئيس السوري ولا يأتي على ذكر هذه الحيثية التي تفجّر أي اتفاق، لكن إلى متى سيتم تجاهلها؟ تجاهلٌ هو سمة مميزة لباقي بنود القرار، كما حصل في بند وقف إطلاق النار، وشكل «الهيئة الانتقالية» الموسّعة وصلاحياتها التي لم تذكر في مضامين القرار الدولي.
الموعد الأهم والاختبار الأول للقرار هو مع بدايات كانون الثاني المقبل حين سيدعو الأمين العام للأمم المتحدة وفدَي «المعارضة» والدولة السورية إلى التفاوض، على أمل نضوج قائمة التنظيمات الإرهابية التي ستستبعد من التفاوض، وقبول الدولة السورية بقائمة الوفد «المعارض» الذي لن يقبل الغرب بتركيبه إن لم يشمل تنظيمات مسلحة يراد تحويلها إلى قوى سياسية عليها أن تلتزم «بسورية موحدة مستقلة وغير طائفية».
القرار الحاوي يضع خريطة الحل في سورية ويشرّعها بقرار أممي يحمل في طياته بذور تفاوض طويل الأمد إن بقيت النيات الأميركية والروسية تدور حول ما دعاه جون كيري وزير الخارجية الأميركي «نقاط الالتقاء»، من دون مس جوهر الخلافات التي لا تترك أي ملمح لتسوية مفترضة تخلّص البلاد والعباد من هذه الحرب الكونية القذرة.
كاتب ومترجم سوري